احتجاجاً على قطوعات الكهرباء أول مليونية من نوعها.. عندما تتقدم الخدمات على أجندة السياسة

لم ينعم السودان بالإمداد الكهربائي المستقر لعقود خلت طوال الحقب الحاكمة منذ العهد المايوي برئاسة الرئيس الراحل جعفر نميري من 1969م وحتى خلعه بثورة شعبية في السادس من ابريل 1985م، مروراً بالفترة الديمقراطية الحزبية الائتلافية عام 1986 ــ 1989م عندما انقض عليها انقلاب الجبهة الاسلامية وجلس عنوة على سد الحكم ثلاثة عقود حالكة الظلام، ولم تكن فيها خدمات الكهرباء مستقرة رغم انشاء خزان مروي الذي كلف تشييده حوالى ملياري دولار، وبشر به النظام المواطنين بأنه المنقذ من أزمة الكهرباء قبل تشييده، غير أن العجز في التوليد الكهربائي ظل مستمراً والأزمات في هذه الخدمات لم تبارح مكانها، وكانت السلطات في فصل الخريف تقوم بتنظيف الطمي من خزان الروصيرص بواسطة الآليات لتحسين ادائه، وتحرص على تصوير تلك العمليات وبثها عبر التلفاز لتطمين المواطنين وامتصاص سخطهم وعدم رضائهم، وكانت في كل الأزمات المختلفة تحرص على توضيح الأسباب وإن كانت كاذبة في ذلك .

وهو نهج كما يرى الكثيرون إنه غير ممارس بشكل واضح في هذا العهد الديمقراطي الذي ينبغي أن تكون سمته الاساسية الشفافية ومكاشفة المواطنين بحقائق الأزمات، وهو امر تسبب في اهتزاز الثقة بين الحكومة ورعيتها في كثير من الأحيان .

لجنة تحقيق
في بداية الثمانينيات مرت البلاد في عهد الرئيس الراحل نميري بأزمة حادة في الطاقة الكهربائية، وعاشت العديد من المناطق في ظلام دامس، وهو ما دفع النميري الى المسارعة بتكوين لجنة تحقيق عاجلة للتقصي حول المسببات الحقيقية لتلك الأزمة بعيداً عن تقارير هيئة الكهرباء، وبالفعل قامت اللجنة الفنية المحايدة باصدار تقرير وافٍ عن أسباب القطوعات ورفعته لرئيس الجمهورية وتم تمليكه لأجهزة الاعلام بعكس ما كان يحدث في حقبة حكومة المؤتمر الوطني، حيث كانت العديد من تقارير لجان التحقيق تحجب عن الرأي العام، بل ربما تكون أحياناً لجان تحقيق مع وقف التنفيذ، وسواء كانت متعلقة بحوادث سقوط الطائرات أو شبهة فساد كبير مثل قضية بيع خط هيثرو الذي تم فيه تبادل زمن الهبوط الحي إلى زمن مستحيل، مما افقد السودان ميزة لا تحلم بها كل دول المنطقة في مطار يعتبر الحصول فيه على حق الهبوط أمر يصعب تحقيقه .

أزمة مستفحلة
وشهدت البلاد في الأشهر الأخيرة أزمة حادة في الإمداد الكهربائي حتى في فصل الشتاء، حيث كانت الحجج المعلنة للقطوعات هي الصيانة التحوطية لفصل الصيف، وعندما تزايدت الأزمة قال مسؤولو الكهرباء إن تكلفة التوليد باهظة وإن فاتورة الاستهلاك لكافة القطاعات بما فيها السكنية لا تتناسب مع تلك التكلفة الكبيرة، وسرعان ما تمت زيادة التعرفة ومضاعفتها باكثر من خمسمائة في المائة كما يشير كثير من المراقبين، غير أن تلك الزيادة التي طبقت على عجل لم تحدث أي تخفيف في حدة أزمة القطوعات، بل تضاعفت أكثر وبلغت في حدها الأدنى خمس ساعات في اليوم الواحد، ولم تستثن منها حتى المستشفيات والمصانع الانتاجية والمدارس، كما أوردت وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يصور عملية جراحية في احد المستشفيات تم اجراؤها بواسطة اضاءة الهواتف النقالة .

مليونية فريدة
وسبب ذلك الوضع الحرج في ضعف الإمداد الكهربائي سخطاً وغضباً جماهيرياً عبرت عنه القطاعات الاجتماعية المختلفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر النقاشات في صفوف الخبز والوقود أو المناسبات الاجتماعية المختلفة التي تجمع المكونات السكانية في افراحها واتراحها .

غير أن قطاعات من المجتمع المدني انتهجت نهجاً مختلفاً وغير مسبوق، حيث دعت إلى مليونية احتجاجية اليوم السبت على استفحال أزمة قطوعات الكهرباء، حيث كان بعض الشباب أو الصبية في الماضي يقومون احياناً ببعض الاحتجاجات المحدودة في بعض الأحياء السكنية تشمل حرق الاطارات .

ويرى المراقبون أنه حتى إذا لم تحقق المليونية المعلنة مشاركة جماهيرية مقدرة، لكنها على الأقل ستعمل على تحريك المياه في بركة الجمود الحالية.

هل يحدث الانفراج؟
وجاء في الأنباء أخيراً أن شركة (GCMS )  الأمريكية التزمت بتوفير قطع الغيار العاجلة المتعلقة بالتوليد الكهربائي في إطار التعاون مع قطاع الكهرباء في السودان، وجاء ذلك خلال لقاء وزير الطاقة والنفط المهندس جادين علي بمكتبه أمس الأول بوفد الشركة القابضة بحضور مدير الشركة والمدير الإقليمي للشركة، حيث بحث اللقاء أوجه التعاون الأمريكي مع السودان في قطاع الكهرباء، في حين وعد وزير الطاقة والنفط بسداد مطلوبات الشركة، ووجه بتجديد العقد معها واصدار خطاب الضمان لاستمرار الشركة، فهل تنجح تلك المساعي على الأقل في تخفيف أزمة الكهرباء التي تنتظم البلاد في كل نواحيها المترامية؟ هذا ما يتمناه الجميع .

المصدر: الانتباهة أون لاين


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.