أسعار باهظة وهيئة بلا سند.. الخرطوم تعاني شح المياه في رمضان والحلول في رحم الغيب

يضطر أنس علي حامد وأسرته بضاحية الحاج يوسف -شرقي العاصمة السودانية- لانتظار تدفق المياه من حنفيات بالحي بعد صلاة التراويح، منذ أن بدأت أزمة مياه خانقة تطل برأسها مجددا في ولاية الخرطوم التي تعاني نقصا حادا في المياه.

ويقول حامد -للجزيرة نت- إن بعض المنازل في الحي مشيدة على منطقة منخفضة، ومع مأخذ منخفض للمياه، حتى أصبحت تشكل موردا للمياه في الحي، ويستقبل قاطنوها الأسر المجاورة التي تتسابق لملء مواعين سهلة الحمل في رمضان؛ حيث تزداد المعاناة.

ومنذ العام 2010 بدأت أزمة شح المياه بولاية الخرطوم تتفاقم، بسبب الزيادة المضطردة لسكان الولاية جراء النزوح من الولايات التي تشهد نزاعات، أو تردي الخدمات وضيق الفرص.

وبعد انفصال جنوب السودان واستئثاره بثلثي إنتاج النفط، زادت معاناة هيئة مياه الخرطوم وعجزت عن وقف تدهور الخدمة مع تراجع قيمة الجنيه وزيادة الاستهلاك بواقع 150 ألف لتر مكعب سنويا، بينما يبلغ سكان ولاية الخرطوم نحو 8 ملايين نسمة.

تشخيص الأزمة

ويختلط الشأن السياسي بالخدمي والاقتصادي في أزمة المياه الشاخصة حاليا بولاية الخرطوم.

وبعد جولة نظمتها لجنة تفكيك نظام الـ30 من يونيو/حزيران 1989 وإزالة التمكين يوم أمس الخميس لمحطات نيلية بالخرطوم؛ قالت إنها ستعلن في غضون يومين ملفات فساد في هيئة المياه تَورّط فيها نافذون بالنظام السابق.

وتقول المتحدثة باسم اللجنة رزان أحمد عثمان -للجزيرة نت- إن السبب المباشر لأزمة المياه الحالية وجود محطات غير مطابقة للمواصفات شيدتها شركات تعاقدت مع أطراف في النظام السابق.

وتشير إلى أن محطة الشجرة جنوبي الخرطوم شيدتها شركة “بوشان” الصينية سنة 2016، بينما شيدت شركة “بي جي إم” (BGM) السودانية خزانات المياه من مواد غير مطابقة من مادة “جي بي آر” (GPR) من البتروكيماويات بدلا من الإسمنت.

وبحسب مصدر موثوق تحدث للجزيرة نت فإن الشركة المسؤولة عن تشييد الخزانات تتبع لوالي الخرطوم الأسبق عبد الرحيم محمد حسين.

اعلان
ورصدت الجزيرة نت عمالا يتفقدون الخزان أثناء تسريب في أحد جوانبه، ويقولون إن الخزان بسعة 3 آلاف متر مكعب، لكنه يسع 1600 متر مكعب فقط؛ بسبب عيوب تصنيعية، ويمكن أن ينهار في أي لحظة.

عاملان يتفقدان الخزان في محطة مياه الشجرة النيلية (الجزيرة)
نسبة العجز
ووفقا لمدير إدارة المصادر بهيئة مياه الخرطوم خالد محمد حاج النيل، فإن الخرطوم فيها 13 محطة نيلية و7 محطات لإعادة الضخ، بعضها قديم للغاية مثل محطة بري 1925 وبحري 1954 والمقرن 1964.

ويقول حاج النيل -للجزيرة نت- إن ولاية الخرطوم بحاجة لإنشاء محطات بسعات كبيرة لتغطية العجز في إنتاج مياه الشرب الذي يبلغ 886 ألف متر مكعب يوميا ويزيد في فصل الصيف.

ويشير إلى أن للهيئة خطة تشمل مقترحات بإنشاء محطات بأنحاء الولاية في سوبا لإنتاج 100 ألف متر مكعب في اليوم، ومحطة أبو سعد 300 ألف متر مكعب، وأم دوم 300 ألف متر مكعب، والخوجلاب 300 ألف متر مكعب.

ويحدد مدير إدارة المشروعات عصام وداعة الله عجز المياه بنحو 60%، وهو ما يستدعي دعم الحكومتين الاتحادية والولائية، فضلا عن مراجعة تعرفة المياه التي لا تناسب تكلفة الإنتاج.

ولمقارنة التعرفة مع تكلفة الإنتاج يقول وداعة الله إن سعر قارورة المياه (1 لتر) 100 جنيه (نحو ربع دولار)، بينما تعرفة استهلاك المياه للدرجتين الثانية والثالثة بذات القيمة.

هيئة بلا سند

يقول العاملون في هيئة مياه الخرطوم إنها تقاتل لوحدها من أجل توفير المياه لولاية مكتظة بالسكان في ظل ظروف اقتصادية ضاغطة.

وبحسب محمد أحمد عوض التابع للمصادر المائية بالهيئة، فإن إدارة الكهرباء تعامل هيئة المياه معاملة القطاع الزراعي الاستثماري الأجنبي؛ فتبيع الكيلواط/ساعة للهيئة بـ6.35 جنيه.

وتبعا لذلك يؤكد عوض أن الهيئة تدفع شهريا لإدارة الكهرباء 129.4 مليار جنيه كتكلفة تشغيل المحطات النيلية والآبار، فضلا عن استقطاع الكهرباء 13% من التحصيل الخاص بالمياه عبر نافذة إدارة الكهرباء.

كما يشير إلى أن إيقاف بنك السودان المركزي لخطابات الضمان يمثل مشكلة، لأن ثمة جهات وشركات في القطاع الخاص أبدت رغبة جادة للاستثمار في خدمة المياه، لكن ينتظرون أن يرفع البنك المركزي حظره.

ويؤكد مدير إدارة المشروعات عصام وداعة الله أن الهيئة في حاجة لمراجعة تعرفة الكهرباء رغم زيادتها بداية العام الحالي بواقع 100 جنيه (ربع دولار) للدرجتين الثانية والثالثة وألف جنيه (نحو 25 دولار) للدرجة الأولى.

وينبه إلى أن الحكومات السودانية منذ الاستقلال في 1956 أخفقت في الإجابة عن هذا السؤال “هل المياه خدمة أم سلعة؟” حتى يتم التعامل مع القطاع بوضوح.

وحتى العام 2020 كانت تعرفة المياه لا تتجاوز 30 جنيها في القطاع السكني للدرجتين الثانية والثالثة.

مسؤولية الأزمة

يحمّل المدير السابق لهيئة مياه الخرطوم أنور السادات الحاج حكومة ولاية الخرطوم وواليها أيمن نمر مسؤولية الأزمة الراهنة، لعدم تعاملهما مع مقترح قدمه العام الماضي لصيانة محطات المياه إبان فصل الشتاء.

ويعيب السادات على حكومة الولاية “إهمالها” للآبار؛ حيث تحتاج 242 بئرا لمضخات غاطسة، فضلا عن 25 بئرا في مواقع العطش لم يتم تمويل حفرها.

ويتهم السلطات الحكومية بعدم التخطيط، لجهة أن 69 حاوية من مادة التنقية “البوليمر” في انتظار التخليص بالميناء، وعليها أرضيات تفوق 280 مليون جنيه، منبها وزير المالية الاتحادية وبنك السودان إلى أن الهيئة تحتاج خطة عاجلة ومددا.

ويقترح السادات -لحل الأزمة- صيانة وتحسين أداء المحطات الحالية وحفر المزيد من الآبار وتحسين الشبكات، وتشييد 4 محطات نيلية مقترحة بأركان الولاية (أبو سعد وسوبا 2 وأم دوم والخوجلاب)، وتحسين بيئة العمل وأوضاع العاملين بالهيئة.

الجزيرة


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.