ناهد قرناص : بدل الضهر ..100

اعلان في إحدى القنوات المصرية ..يعلنون فيه عن مخطط سكني ..تدفع فيه 8% مقدم ..وبقية المبلغ يتم تقسيطه على ثماني سنوات ..وأيضاً يمكن تقسيط الأثاث والأدوات الكهربائية ..الاعلان ينتهي بعبارة (بدل الضهر مية ) ..انظر كيف يحاولون كسب المواطن ..ويتسابقون في محاولات ارضائه !!

..كنت اتابع الاعلان وابتسامة عريضة على وجهي ..اعجاباً بحبكة القصة اللطيفة ….في تلك اللحظة أرسل لي أحد الأصدقاء فيديو لمجموعة من الشباب السوداني ..يظهرون في الفيديو وهم يضجون حياة ومرحاً.. يلوحون بأيديهم ويقولون انهم في طريقهم لاوربا عن طريق البحر الابيض المتوسط (السمبك) ..بعدها ارفق الصديق عبارة انهم غرقوا جميعاً.. في المتوسط..رحمة الله عليهم اجمعين.

يا للوجع المدسوس في التفاصيل ..ليتني لم اشاهد الفيديو ..هؤلاء الشباب ..دماؤهم في رقاب من؟ ..وجدت نفسي اقارن بين تلك الدول التي تتيح لمواطنيها (بدل الضهر مية) ..وبين تلك التي تتركهم في عرض الطريق .. يبحثون عن أضيق الطرق للخروج ..حتى ذلك القارب الذي وعدهم بارض الميعاد ..اخذهم الى الدار الآخرة ..حيث لا عودة ..إنا لله وإنا اليه راجعون . الشباب في بلادي ..لا أحد يفكر لهم ..ولا يهتم بهم ..هم عبارة عن مجال استثماري كبير لسماسرة التعليم.. وحين يتخرجون ..يجدون أنفسهم مطالبين برد الدين للاسرة والالتزامات الاجتماعية ..وعند التفكير في الزواج …يصطدم بمعايير وتقاليد وموروثات اجتماعية ..نلعنها في العلن ..

ونمارسها سرا ..لا أحد يفكر في الشاب ..كيف سيتدبر أمره ؟ كيف يمكنه شق طريقه ؟ ..لا أحد يفكر في مشروع سكني بالتقسيط للشباب ..والمشاريع الاسكانية التي يقال عنها شعبية ..تصدق بعد خروج الروح لأناس قضوا زهرة شبابهم في الانتظار ..واذا دار محور سؤالك عن البيت الشعبي ..فهو عبارة عن طوب مرصوص حول ارض فضاء ..تكرم علينا مقاولها ببناء غرفة وحمام ..ومطبخ ..او ما يشبههما ..

أفكاري قادتني أيضاً الى حقيقة مهمة ..انه ليست لدينا وزارة تهتم بالسكان ..عندنا كل مسميات الوزارات ..الا تلك التي تهتم بالانسان ..هناك وزارة صحة ..وزارة تخطيط ..وزارة ثقافة ..وزارة عمل ..رعاية اجتماعية ..ليست هناك جهة معروفة تهتم بالسكان ..بالخرطة العمرية ..بالتفكير الاستراتيجي للفئات العمرية ..بنات او اولاد ..أين يمكن ان يستفاد من طاقات ابداعهم ؟؟..

وكيف يمكن ان نجد لهم وظائف تستوعب أحلامهم وطموحاتهم !!..الشباب في بلادي لا بواكي لهم ..هؤلاء الشباب عندما قرروا المجازفة بحياتهم في رحلة نسبة نجاحها اقل بكثير من فشلها ..لابد من انهم جربوا كل الطرق ..ولم يجدوا منفذا …وبانت لهم اوربا كبرق خلب ..كسراب بقيعة حسبوه ماءً ..فأغرقهم جميعاً قبل الوصول اليه .. أسفي على شبابكم الغض ..لا كلمات تنفع في العزاء لأهلكم ..ربط الله على قلوبهم وقلوبنا جميعاً ..اسفي على الشباب في بلادي ..لا (ضهر ) يستندون عليه ..فنهشت اسماك البحار بطونهم وظهورهم ..حسبنا الله ونعم الوكيل .. حسبنا الله ونعم الوكيل.

الجريدة


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.