قف على ناصية الحلم وقاتل

في فيلم “جاءنا البيان التالي” مشهد شهير لمواطن غارق في مياه الصرف الصحي.. منشغلاً عنها بالغناء.. متعلقاً بباقة ورد.. مُدعياً السعادة.. متجاهلاً واقعه المُزري!

يلخص المشهد ما نفعله أحياناً على المستوى الشخصي أو العام.. عندما نتجاهل المنطق والواقع والحقائق البديهية.. ونسعى وراء الحلول الخيالية أو السحرية أو الفورية متجاهلين حقيقة أنها دائماً وهمية..

نتجاهل أن الوهم لا يغير الواقع أبداً إلا للأسوأ.. فكلما تشاغل المواطن في سعادته الوهمية بأغنيته وأزهاره عن مواجهة مشكلة مياه الصرف الصحي، ارتفعت وأذته وربما أغرقته!

يقول المثل الشعبي “الجعان يحلم بسوق العيش”.. أمر لطيف طبعاً أن يحملك الحلم على بساط الريح فتتجول في أكبر أسواق الخبز لتداعب أنفك روائح ما لذ وطاب من أنواعه التى تعرفها أو قد لا تعرفها.. لا شك أن ذلك أمتع وأسهل كثيراً من العجن والخبز ومواجهة لفح النار أمام الفرن لساعات ليخرج لك بعدها أرغفة محدودة بكم الدقيق الذي وضعته فيها وبمذاق يتوقف على إتقانك للخَبز وصبرك على الخُبز حتى يختمر ثم صبرك عليه مجدداً حتى ينضج..

الحلم دائماً أثرى وأجمل وأشهى.. لا يكلفك سوى أن تغلق عينيك وتصم أذنيك عن المنطق وتمنح عقلك أجازة.. لكن مهما طالت الغفوة أو الغفلة.. ستوقظك بطنك الخاوية متمردة على أكاذيبك المنمقة..

ستوقظك الصفعة المُستحقة المُقدرة في سنن الكون منذ الأزل على كل من يتجاهل الحقيقة عامداً.. ستصحو يوماً لتجد نفسك قابضاً على اللاشيء.. فتعرف أن ما ظننته حُلماً لم يكن إلا وهماً.. والفرق شاسع بين الأحلام والأوهام..

الأحلام هي جسر العبور من الواقع السيئ القاصر عن أن يرضينا.. إلى واقع أفضل نطمح إليه.. هي أول التخطيط ليتجسد الحلم في حقيقة على أرض الواقع يوماً ما..

أما الأوهام فأكاذيب شيطانية ملعونة لا صلة لها بالواقع.. تشتت فكرك عنه.. تأسرك في عالمها.. تزينه لك حتى تدمنه.. تقتات على عمرك.. تهبط بك أسفل سافلين حينما تظن أنها ستحلق بك عاليا..

خداع النفس هو الأرض الخصبة التي نزرع فيها الأكاذيب لتُزهِر خُذلان وتُثْمِر إحباطاً يُحطمنا.. وبه وحده تختلط الأحلام مع الأوهام فلا نفرق بينهما!

اقطع كل جسر تعرف أنه لن يصل بك إلى واقع أفضل.. لا تهرب من الحقيقة ومواجهتها فتعوق تقدمك.. لا يفتنك الحل الأسرع.. واسعَ إلى الحل الأفضل على ضوء الواقع لا في سراب الوهم..

راجع نفسك كل فترة.. ربما ما كان مناسباً لم يعد مناسباً.. ربما جِدْ ما هو أفضل.. ولا تتعجل في قراراتك.. التروي يمنحك فرصة التفكير المتأني بلا انفعال مؤقت أو اندفاع أحمق.. خذ الوقت الكافي لتحدد ماذا تريد؟ وأي طريق ستسلك؟.. ماذا تحتاج؟.. وتزود من كل ما تحتاجه وتخفف مما لا طائل من حمله..

تغلب على خوفك.. فلا شيء يستحق الخوف إلا خوفك.. هو وحده القادر أن يشل حركتك.. أطرد عنك هواجس الفشل.. فلا فشل إلا عندما تقرر أنك فشلت.. تقبل أنك لا تعرف كل الإجابات.. واجتهد أن تطرح كل الأسئلة وأن تبحث بتجرد وصدق عن الإجابة..

لا تنشغل بهل ستصل؟ أو متى ستصل؟ انشغل بالسير.. سِر على قدر طاقتك.. سِر بيقين أن اختيار الطريق والاستمرار برغم المشقة هو محل الحساب.. والثواب على قدر الإخلاص والجهد والمثابرة وليس على الوصول..

احتضن أحلامك في قلبك.. دافع عنها.. واسعَ خلفها.. لا تترك نورها يخبو تحت أتربة اليأس.. أو تحتضر تحت ضربات الإخفاق.. تأكد من أنها أحلام لا أوهام.. ثم قف على ناصية الحلم وقاتل!

سهى جاد
خبيرة في الإدارة ومهارات التواصل
المصدر: هافينغتون بوست عربي


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.