هيكلة الجامعات.. تسع جامعات تكفي

آن الأوان لمراجعة هذه (الفورة) وإصلاح إعوجاجاتها وتقويم اختلالاتها،

أوصت ورشة علمية عقدها اساتذة الجامعات تحت عنوان (تحسين وضع الأستاذ الجامعي)، بدمج الجامعات في 9 جامعات فقط.
وناقشت الورشة، ثلاث أوراق علمية تحدثت الأولى عن إعادة هيكلة الجامعات في ضوء اقتصاديات التعليم وامكانيات دمج الجامعات الحكومية في تسع جامعات فقط، أربع منها في ولاية الخرطوم وخمس في باقي الولايات الأخرى على أن تبقى جامعة الخرطوم دون دمج باعتبارها جامعة عريقة، كما اقترحت تقليل الإداريين بالجامعات وجعلهم أكثر فاعلية الأمر الذي يعمل على تقليل التكلفة والوقت والجهد، بينما طرحت الورقة الثانية رؤية للهيكل الراتبي الخاص بالأستاذ الجامعي إضافة إلى ورقة تحسين أوضاع الأستاذ الجامعي..
أجدني على اتفاق تام مع مقترح هيكلة الجامعات، فقد ظللت أكتب بلا ملل عن أحوال (وأهوال) التعليم العالي، وكنت أحرص على الكتابة عنها كلما أتى على ذكر سيرة التعليم العالي ذاكر، واذ يأتي أهل البيت أنفسهم على ذكره بورشتهم المذكورة، فلا بد من أن نعود للكتابة مجددا، وخير مستهلٍ لحديثنا تلك الطرفة التي تروى عن الطالب الإقليمي الذي تم قبوله بجامعة الخرطوم أيام كانت جميلة ومستحيلة، قيل إن موعد وصول هذا (البرلوم الدايش) إلى الجامعة بل إلى الخرطوم لأول مرة تزامن مع ساعة الغداء، وبعد أن وضع شنطة الحديد داخل الدولاب توجه مباشرة إلى قاعة الطعام (السفرة) وتصادف أن كان ذاك اليوم هو يوم الوجبة الخاصة (special meal) ، حيث كانت السفرة تحتشد بالمحشي والمحمر والمشمر وما لذ وطاب من لحوم البر والبحر والفاكهة والتحلية، فأقبل عليها صاحبنا وعب منها أقصى ما تسعه بطنه حتى (وقف قربة) ثم عرج على مبرد المياه (الكولر) وعب منه (كوزا) كبيرا أتى عليه و(قرطعه) بتلذذ حتى آخر قطرة فيه ثم تمطى وجذب نفسا عميقا وقال (آآآه من كد وجد)..تلك أيام خلت نعلم أنها لن تعود ولا نحلم بالعودة إليها فالزمان ليس هو الزمان والناس ليسوا هم الناس، رغم أن قيادات النظام المخلوع التي خربت وخرمجت التعليم العالي عبر ما يسمى (ثورة التعليم العالي)، كانوا هم طلاب ذاك الزمان الذين لن تجد أفضل منهم ليحدثك عنه ويرصد لك الفرق الشاسع بين ما كانوا يتلقونه من علم نافع وما صار يتلقاه طلاب اليوم من حشف وسوء كيل، وليس هناك أفضل منهم من يعقد لك مقارنة بين كيف كانت تنشأ الجامعات، وكيف هو حال (جامعات ثورة التعليم العالي)، التي نشأت كنبات البروس الذي ينبت كيفما اتفق بلا تحضير للأرض وبذر البذور، وتعهده بالرعاية والسقاية والنظافة من كديب وجنكاب وخلافها، هكذا كان حال غالب جامعات ما بعد (ثورة) التعليم العالي التي يصفها الكثير من الخبراء والعلماء بأنها (فورة) أكثر من كونها ثورة، لجهة افتقارها للكثير من مطلوبات التعليم الجامعي التي لا مجال لتعدادها في هذه العجالة، كما أثبتت الدراسات التي تقصت أسباب هذا التراجع المخيف والتردي المريع للنظام التعليمي، بسبب زيادة أعداد الطلاب وتصاعد عدد الجامعات بمعدلات مالتوسية دون أن يواكب ذلك أي زيادة تذكر أو إصلاح في بقية الركائز الأساسية التي لا يستقيم عود التعليم إلا باستقامتها، وأدى ذلك بدوره إلى ما يشبه انهيار جسد التعليم من أساسه وإلى رأسه. وهاهو مقترح الهيكلة يخرج اليوم من أهل الوجعة، اذ لا يمكن لهذه (الجوطة) التي أسموها زورا (ثورة التعليم العالي) ان تستمر فكفاها ما خربته ودمرته، وقد آن الأوان لمراجعة هذه (الفورة) وإصلاح إعوجاجاتها وتقويم اختلالاتها، فبغير هذه المراجعة والإصلاح الذي يستهدف معالجة كل الثغرات ويسد كل النواقص ويوفر كل المقومات الغائبة لبناء نظام تعليمي متكامل تكون حصيلته مخرجات متكاملة عقلا وروحا وضميرا وسلوكا، إذ لا صلاح ولا فائدة ترجى من الأشكال والهياكل (العظمية) التعليمية الموجودة الآن المسماة جامعات، وستبقى أي شكوى من نتائج امتحانات أو معاينات مخيبة ومخجلة هنا وهناك بلا معنى، فما دامت العلة قائمة فلن تنجب إلا معلولين..
بشفافية – حيدر المكاشفي

الجريدة


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.