وداعاً دكتور جينيو إسترادا ..مؤسس مستشفى السلام للقلب
((همس الحروف) .. وداعاً دكتور جينيو إسترادا)
✍️ الباقر عبد القيوم علي
البذل و النبل و العطاء و الإنفاق ليس لهم دين أو جنسية أو قبيلة و تعتبر هذه المعاني هي قمة السلوك الإنساني الإيجابي ، و الذي قد يكلف صاحبه التنازل عن جزء ضخم من أسباب رفاهيته و راحته ، و كل ذلك من أجل الآخرين ، وتشير هذه الإيجابية تجاه الغير بأن صاحبها الذي دفع بها يصبو لتحفيز المجتمع تحفيزاً إيجابياً بهدف رفع الضرر عن الشريحة المستهدفة بالعمل الإنساني ، بالإضافة لجعل المجتمع للسير في نفس الإتجاه الذي يسير عليه و هذا ما يُعرف بمحاولة رفع السلوك البشري في جميع المعاملات بين الناس ، إلا أن هذه الأشكال من نوع هذا السلوك الراقي تعتبر من الصور النادرة ، و من أمثال هؤلاء الناس رجل إيطالي الجنسية له بصمتة الخاصة التي تميزه في السودان و القارة الأفريقية جمعاء ، إنه رجل يحمل جميع معاني الإنسانية ألا وهو (جينيو إسترادا) مؤسس منظمة الطواريء الإيطالية التي أنشأت و أدارت مستشفى السلام الخيري لجراحة القلب بسوبا .
و هذا الرجل يعتبر من النماذج الرائدة و النادرة في العالم أجمع في مجال العمل الإنساني و الطوعي ، تفرد بفكرته في تأسيس تجربة تعتبر هي الأنجح في القارة الأفريقية ، حيث إستفاد من المواد و الموارد المحلية التي قد لا نلقي لها بالاً في حياتنا اليومية ، و قهر بها المستحيل في إنشاء و تأسيس مستشفى السلام بسوبا غرب، و الذي يعتبر الأكبر لجراحة القلب المفتوح في القارة الافريقية ، و هذا المستشفى يعتبر من أميز المراكز العالمية الطوعية لجراحة القلب المفتوح ، الأمر الذي يمكن أن يعطي دعماً قوياً لمفهوم العطاء والبذل المستوحى من نماذج الإنسانية المجردة الموجودة على قلتها في العالم و لكنها تصب في ماعون الإيجابية الحقة التي لا تضع حدوداً لتمييز الكائن البشري على الإطلاق .
وفي خبر حزين جداً إهتزت له جنبات و أركان قلوبنا و قلوب كل المحبين للعمل الإنساني في العالم ، الذي بلغنا فيه رحيل هذا الرجل الإنسان عن دنيانا .. فهو رجل من رجال الإنسانية الحقة التي لا تقبل التزييف ، إنه (جينيو إسترادا) ، فهو علم من أعلام العطاء و يعتبر مجموعة من القيم الإنسانية التي تمشي على قدمين ، حيث أرسى دعائم إنسانيته هذه في عدة دول عانت من ويلات الحروب في العالم و كان السودان أحدها .
لقد خلف رجيل جينيو إسترادا حزناً عميقاً عند كل أسر الذين تعالجوا في مستشفاه ، و كذلك عند كل الذين قاموا بقراءة كلماته تلك على اللوحة التي كتب عليها : (هذا المستشفى مجاني و لا يحق لأي إنسان مطالبة المرضى بدفع مقابل مادي نظير الخدمات التي تقدم فيه ، و من يطلب ذلك من أي مريض ، فعلى المريض التبليغ الفوري عنه) .. انها قمة الانسانية التي لا تعرف الحدود و الأعراق ، حيث تمكن هذا المركز من تقديم خدماته العلاجية لأكثر من مئتي ألف شخص إستفادو من العلاج فيه في السودان ، فصاحب هذا الصرح يؤمن بأن العلاج النظيف و الجيد حق أصيل من حقوق الإنسان و لا يعتبر منحةً أو هبةً من أحد .
نحن نتقدم بخالص آيات العزاء و الموساة الصادقة لأسرة مستشفى السلام لجراحة القلب بسوبا ، و لأسرة منظمة الطواريء الإيطالية و للشعب الإيطالي في وفاة رجل الإنسانية (جينيو إسترادا) الذي تعلمنا منه الكثير عن معاني مفهوم العطاء بدون مقابل ، و نسأل الله أن يكثر من أمثال هذا الرجل من الذين ينفقون و لا يرجون مقابل من أحد ، وكما نسأله تعالى أن يعين القائمين من بعده على أمر هذه المنظمة و المستشفى معاً حتى تتمكن من أداء دورها الذي أنشأت من أجله ، و أن يهدينا ويهديهم إلى سواء السبيل .