ماذا سيحدث لجسم الإنسان لو توقف عن تناول الخبز؟

اختصر الخبز بعبارة الرغيف. والرغيف هو قطعة عجين مخبوزة في معناها الحقيقي، لكن دلالاتها أعمق بكثير، إذ أرق الخبز عروشاً وأسقط ممالك.

فما إن تحدث ثورة حتى يكون الخبز بطلها في أغلب الأحيان، فالخبز رمز للطعام. ولطالما سمعنا عبارات “رغيف الفقير” و”خبز الناس” للدلالة على الطعام عامة وليس الخبز بشكله المحدد.

ولقد حمل كثيرون من المتظاهرين أرغفة الخبز وكتبوا عليها عبارات ضد الجوع، كما لا ينسى المواطن العربي طوابير الخبز التي تكون غالباً المشهد الرئيس في جميع الأزمات والحروب.

وأيضاً، حفرت في ذاكراتنا صاحبة البسكويت الملكة الفرنسية ماري أنطوانيت، التي يبدو أن بسكويتها كان هشاً، فأسقطها تحت مقصلة استهانتها بخبز الفقراء إبان الثورة الفرنسية، هذا إذا سلمنا أنها هي فعلاً صاحبة الجملة الشهيرة “إن لم يجدوا خبزاً فليأكلوا البسكويت”، إذ إن شكوكاً كثيرة تعتري أنها صاحبة هذا القول، ويرجعه البعض إلى زوجة لويس الرابع عشر الإسبانية ماريا تيريزا.

المهم، ما إن نشبت الحرب بين روسيا وأوكرانيا حتى عاد القمح والخبز إلى الواجهة، على شكل خطر كبير يهدد الأمن الغذائي خصوصاً للدول الفقيرة، حيث يعتمد ملايين البشر عليه كغذاء أساسي.

فلماذا يأخذ الخبز كل هذا الاهتمام؟

الخبز يباس ولا يداس

أخذ الخبز مكانة مرموقة بين سائر الأغذية، فاختصر الغذاء به، وعومل بتقدير كبير. وذكر في الصلوات المسيحية “أعطنا خبزنا كفاف يومنا”، كما يوجد حديث نبوي (على الرغم من وجود تشكيك به) يقول فيه النبي “أكرموا الخبز”.

وزخرت الحضارات العربية والغربية بعدد لا يستهان به في الأمثال المرتبطة بالخبز، تكريساً لأهميته في سلم الغذاء والمجتمع. حتى إن الترابط بين البشر مرتبط بالخبز، إذ يقال “بيننا خبز وملح”. ويوزع الخبر للترحم على الموتى عند المسلمين، والقربان (على شكل الخبز الغربي) لدى المسيحيين.

وفي بلاد الشام، يقبل الناس الخبز المرمي على الأرض ويضعونه في مكان لا يتعرض فيه لدوس الأقدام. من هنا جاءت عبارة “الخبز يباس ولا يداس”.

الخبز الأبيض وخبز الحبوب

ولكن هل يستحق الخبز كل هذا التقدير؟ وهل هو فعلاً يشبع الجوعى؟ وهل تحتاج إليه البشرية في غذائها؟

تقول الطبيبة ملاك نور الدين، اختصاصية في أمراض الجهاز الهضمي والكبد والتنظير، لـ”اندبندنت عربية”، “عندما نتحدث عن الخبز لا بد من التمييز بين الخبز المصنوع من الحبوب الكاملة مثل الحنطة والشوفان والذرة والأرز والشعير والكتان والقمحة الكاملة… والخبز الأبيض الذي تنزع فيه قشور الحبوب، ما يجعل مدة صلاحيته أطول، ولكنه يصبح عبارة عن كربوهيدرات من دون ألياف مع قليل جداً من البروتين، بالتالي يصبح غير مفيد”.

أما “الخبز المصنوع من الحبوب الكاملة فهو يقوي جهاز المناعة بسبب وجود الفوليك أسيد والمغنيزيوم والسيلينيوم، التي تسهم في عملية بناء العظم، وفيتامين ب الذي يعطي الطاقة، ومركبات نباتية طبيعية تسهم في حماية الجسم من أمراض القلب والسكتة الدماغية والسكري Type 2 والسرطان”.

وتؤكد أنه من النادر أن نجد خبزاً بالحبوب الكاملة، إذ إن الخبز الأكثر شهرة واستهلاكاً غير مصنوع من الحبوب الكاملة، وهو معروف بالخبز العربي وغير مهم أبداً للصحة.

وتضيف أن الخبز العربي الأبيض يهضم بسرعة كونه عبارة عن كربوهيدرات، و”يرفع منسوب السكر في الدم مباشرة، فالمؤشر الغلايسيمي فيه عالٍ. وعلى الرغم من أنه يعطي طاقة بسرعة، فإنه يخزن في الجسم على شكل دهون، لذا فهو غير صحي ألبتة، ومتعب للجهاز الهضمي”.

لائحة من الأضرار ولا فوائد

لا يوجد فوائد للخبز الأبيض أبداً بحسب الطبيبة نور الدين، بل أضراره كثيرة على الجهاز الهضمي لأنه لا يحتوي على الألياف التي تساعد في منع الإمساك وتحمي من البواسير، والتي تمتص العناصر الغذائية من كل ما نتناوله بطريقة سليمة.

وتشير إلى أن الخبز الأبيض يحتوي على نسبة عالية من الغلوتين، وبعض الناس لديهم تحسس من القمح أو الغلوتين، فيتسبب لهم تناول هذا الخبز بآلام في البطن وإسهال مزمن ونفخة وغازات. ويزيد من نسبة الدهون في البطن وعلى الكبد، لأن السكريات تتحول إلى دهون، كما أن رفعه السريع للسكر في الدم قد يصيب بالسكري، وهو يزيد الجوع السريع أيضاً بالتالي يجعل الشخص يقبل على تناول كمية أكبر من الطعام ما يسبب زيادة في الوزن.

وتذكر الاختصاصية في أمراض الجهاز الهضمي والكبد أن دراسات عدة تشير إلى إمكانية زيادة الكآبة ومشكلات الأسنان بسبب تناول الخبز الأبيض، لتطلع بخلاصة مفادها باختصار “لا يوجد فوائد للخبز الأبيض على الإطلاق. وأنه بعكس ما يشاع، فالخبز الأبيض يسبب الجوع، أما خبز الحبوب التي تحتوي على الألياف فيشعر بالشبع”.

المستقبل بلا خبز

تقول نور الدين إن جسم الإنسان لا يحتاج إلى الخبز للنمو، فالبدائل كثيرة من الحبوب والمعكرونة المصنوعة من القمحة الكاملة أو الكينوا الذي يحتوي على البروتين. وبالنسبة إلى الحميات الغذائية فقلما يختلف الخبز بسعراته الحرارية المتقاربة باختلاف أنواعه، فالخبز الأسمر ليس أقل من ناحية السعرات الحرارية، لكنه في الأقل يحتوي على الألياف والمغنيزيوم والمنغنيز والحديد نسبة إلى الخبز الأبيض.

أما كيف تتخيل نور الدين المستقبل من دون خبز؟ فتجيب فوراً “مستقبل زاهر وباهر، فالخبز يمكن استبداله بكل بساطة”، مشيرة إلى أن بعض البلدان الأوروبية لا تعتمد على الخبز كعنصر أساسي في الغذاء. وتضيف “عدم وجود الخبر يعني تخفيف مصدر من مصادر السكر المؤذي للجسم، إن على صعيد الجهاز الهضمي أو القلب أو الكبد… والأفضل الاستعاضة عنه بمصادر صحية مثل خبز الشوفان المحتوي على بيتا غلوتان الذي يخفض الكوليسترول في الدم، كما أن كمية البروتين فيه أعلى من القمح. وخبز بذور الكتان الذي يحتوي على أوميغا 3 وهو جيد لصحة القلب. بالخلاصة، الخبز غير مفيد أبداً سواء أكان أبيض أو حبوباً كاملة، ويمكن إيجاد بدائل أكثر صحية منه”.

طرق تناول الخبز

من جهتها، تحدد اختصاصية التغذية ريتا حداد الطريقة المثلى لتناول الخبز، وتشدد على أهمية عدم الإفراط بالكمية بسبب احتوائه على الكربوهيدرات. وتعتبر أنه من الأفضل استهلاكه خلال فترة النهار في الفطور والغداء، وتجنبه أثناء العشاء وقبل النوم، لأن نسبة السكر والنشويات العالية التي يحتوي عليها لا يحتاج إليها الجسم كطاقة أو سعرات حرارية في الليل، فيخزن السكر في الجسم.

وتشير حداد إلى أنه من الضروري تناول الخبز مع مكونات غذائية أخرى تحتوي على البروتينات والدهون الصحية حتى لا تتحول النشويات بشكل سريع إلى سكر، بالتالي لا يرتفع حينها مستوى الإنسولين في الدم. والأفضل الامتناع عن تناول الخبز مع الوجبات الغذائية التي تحتوي على كمية كبيرة من النشويات مثل الأرز والمعكرونة والبطاطا.

وتؤكد أهمية الخبز الأسمر الذي يحتوي على نسبة عالية من الألياف والمعادن والفيتامينات التي تعزز الشعور بالشبع، وتساعد في عملية الهضم وتخفف من الإمساك. وتعتبر خبز القمحة الكاملة وخبز الشوفان وخبز الكتان والخبز الأسمر من أفضل أنواع الخبز التي يستهلكها الإنسان.

وفي حال اتباع حمية غذائية معينة، تقول حداد إنه يجب التركيز على عنصرين رئيسين الكمية والنوعية.

فكمية الخبز التي من المفروض استهلاكها خلال اليوم تختلف بحسب حاجة جسم كل إنسان للكربوهيدرات والنشويات خلال اليوم، والوحدات الحرارية التي يحتاج إليها في اليوم، والتي تتراوح بين ثلاث وست حصص من الخبز.

أما النوعية وهي الأهم -تقول حداد- فيجب التركيز عليها أكثر سواء أكان الهدف من النظام الغذائي زيادة الوزن أو إنقاصه، إذ يجب توجيه الشخص إلى الخيارات الصحية في نوعية الأكل، ومن هنا يفضل بالحالتين أن يكون استبدال بالخبز الأبيض خبز قمحة كاملة أو شوفان أو كتان.

“والأشخاص الذين يسعون إلى إنقاص أوزانهم عبر نظام غذائي عليهم استهلاك كميات أقل من النشويات التي تحتوي على سعرات حرارية عالية، بالتالي عليهم التخفيف من استهلاك الخبز حتى لو كان خبز نخالة أو شوفان، ليكون الاستهلاك معتدلاً ومتوازناً”. وتضيف لكن هذا لا يعني أن عدم تناول الخبز وحده مسؤول عن إنقاص الوزن بشكل صحي، بل يحتاج الأمر إلى نظام كامل ومتكامل لتأمين حاجات الجسم من العناصر الغذائية كافة بسعرات حرارية قليلة، ما يساعد على الوصول إلى الهدف المطلوب.

وتشير إلى أنه حتى الأشخاص الذين يسعون إلى زيادة أوزانهم، من الأفضل عدم تناول الخبز بطريقة مفرطة لأن الخبز يؤدي إلى السمنة بطريقة غير صحية، لأنه يتسبب بتخزين كميات كبيرة من السكر في الدم، لذا من الأفضل التركيز على التوازن بين النشويات والبروتينات والدهون الصحية.

من دون خبز

وفي حال توقف الإنسان كلياً عن تناول الخبز ولم يستبدل الكربوهيدرات بعناصر غذائية أخرى، تشير حداد إلى أنه سيفقد الكثير من وزنه، ولا يكون هذا الوزن من الدهون إنما من الماء، كما يقوم الجسم تلقائياً باستهلاك الكربوهيدرات المخزنة بشكل كليكوجين فيفقد الوزن ولكن بطريقة غير صحية.

ويسبب عدم تناول الخبز الصحي، بحسب حداد، الإمساك، لذا يجب على الإنسان أن يؤمن حاجة جسمه من الألياف فيتناول كمية كافية من الفاكهة والخضراوات. “وبحال عدم تناول كميات معتدلة من الكربوهيدرات أو الامتناع عنها كلياً، فسيشعر الإنسان بالتعب والإرهاق لأنها تؤمن سعرات حرارية عالية تعطي طاقة للجسم، كذلك سيشعر بتقلب المزاج لأن الكربوهيدرات تعزز هرمون السعادة”.

ختاماً نصل إلى استنتاج أن الخبز الأبيض وعلى الرغم من أنه الأشهر والأشهى، فإننا يمكننا الاستغناء عنه كلياً، وحتى خبز الحبوب يمكننا تعويض مكوناته في أطعمة أخرى، ويمكننا بالتالي إنزال الخبز عن عرشه الأبدي.

اندبندنت


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.