الجيوش تقاتل ببطونها.. هل تعمد الجيش السوداني استنزاف قوات الدعم السريع في الخرطوم؟

الخرطوم- انفجرت المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم السبت الماضي. ويبدو أن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان يستعجل حسم المعركة وتحقيق أهداف المؤسسة العسكرية وفرض شروطها، قبل أن تحمله الضغوط الإقليمية والدولية على وقف الحرب والدخول في تسوية، يمكن أن يقدم من خلالها تنازلات لا ترضي الجيش، حسب مراقبين.

وقال الجيش -في آخر تحديث عسكري- إنه استطاع تدمير كل قواعد ومعسكرات قوات الدعم السريع في ولاية الخرطوم والسيطرة عليها، وأكبرها معسكرا طيبة وسوبا في جنوب الخرطوم، وكرري في شمال أم درمان وصالحة في جنوبها، والجيلي في الخرطوم بحري الذي كان يستخدم للتدريب، إضافة إلى معسكرات صغيرة أخرى في مناطق مختلفة من العاصمة.

كما أعلن الجيش أن قوات الدعم السريع سلمت بلا قتال أسلحتها ومركباتها في ولايات النيل الأبيض وكسلا والقضارف والبحر الأحمر والنيل الأزرق وجنوب كردفان وسنار والشمالية بالإضافة إلى الجزيرة، في حين أُجبرت على الاستسلام في ولاية شمال كردفان، ولا تزال المواجهات مستمرة في ولايات إقليم دارفور.

وأظهرت مقاطع فيديو للجيش -اطلعت عليها الجزيرة نت- قتل وأسر مئات من مقاتلي الدعم السريع تحت قصف الطيران الحربي أو في مواجهة المدرعات والدبابات، وغنم أكثر من 100 سيارة في مواقع مختلفة.

في المقابل، قالت قوات الدعم السريع إنها أسرت ضباطا كبارا وأكثر من 100 جندي، وتسيطر على مطار الخرطوم ومواقع في داخل مقر قيادة الجيش والقصر الجمهوري ورئاسات الفرق العسكرية في ولايات دارفور، كما استولت على 200 دبابة ومركبة عسكرية.

موازين القوة لصالح الجيش
وتوضح تقديرات أعدها خبراء عسكريون -اطلعت عليها الجزيرة نت- أن قوات الدعم السريع قوات خفيفة وسريعة وذات تسليح خفيف ومتوسط، وطبيعة عملها قوات هجومية وتمشيط، حيث تعتمد على سيارات الدفع الرباعي الهجومية، على متن كل سيارة من 6 إلى 8 مقاتلين مع تسليح خفيف ومتوسط.

وتشير التقديرات العسكرية إلى أن هذه القوات تحتاج إلى إمداد متواصل من وقود وذخيرة وتموين غذائي للجنود، وذلك إما عبر التحرك والعودة إلى المعسكرات للتزود بالمؤونة، أو التحرك بأرتال كبيرة تصحبها شاحنات عسكرية تحمل الإمداد في حال التحرك لمسافات طويلة، ومن سلبياتها بطء حركة القوات.

وترجح هذه التقديرات العسكرية أنه في حال عدم توفر التموين، فالوقود يكفي 3 إلى 4 أيام في المتوسط، والذخيرة 3 أيام في أقصي مدى في حال الاشتباك المتواصل.

وفي داخل الخرطوم -حسب التقديرات العسكرية- تحتاج المركبات إلى العودة للمعسكرات لإعادة الإمداد والتموين، لذلك كان هدف الجيش الأول تدمير معسكرات الدعم السريع والسيطرة عليها، إذ قصفها بالطيران، ففقدت القوات مصدر إمدادها، مما أصابها بالهلع فأصبحت تتحرك من دون تخطيط، بل أصبحت تستنزف مواردها وهو الأمر الذي يعجل بتوقف مركباتها.

وتوضح التقديرات أن الجيش عمد إلى استنزاف قوات الدعم السريع بفتح العاصمة أمامهم بحرية، في حين كان بالإمكان إغلاق العاصمة بالمدرعات. وبتدمير مقر قيادة الدعم السريع وقتل وأسر معظم قادتهم الميدانيين الفاعلين والمتمرسين في القتال، أصبحت هذه القوات بلا قيادة أو هدف أو اتصال، وتعتمد على الهواتف الجوالة وهو ما يسهل اعتراض مكالماتهم ورصدها.

وتؤكد التقديرات العسكرية أن حرب المدن تحتاج إلى “نفس طويل”، لا انتصارات سريعة هشة، وتعتمد على التقدم والمحافظة على المكاسب العسكرية عبر آليات عسكرية ثقيلة (دبابات ومدرعات)، وهو ما يتفوق به الجيش على الدعم السريع.

وحاولت قوات الدعم السريع بث مقاطع فيديو عن تحقيق تقدم يمكن أن يكون حقيقيًا في بعض المواقع، لكنه هش ولا تستطيع المحافظة عليه لانقطاع إمدادات الأسلحة والذخائر والوقود والمؤن الغذائية والسيطرة على قواتها والتواصل مع قادتها الميدانيين.

وحسب التقديرات، فإن أهم عامل حاسم في الحرب هو السيطرة على الأجواء، ويمتلك الجيش طائرات حربية مقاتلة وقد حاول الدعم السريع السيطرة على المطارات والقواعد في الخرطوم ومروي والأبيض وجبل أولياء ووادي سيدنا، بحثا عن الطائرات الحربية المتمركزة، لكنه فشل في الوصول إليها وتفاجأ بها تدمر قواعده ومعسكراته في وقت متزامن.

وتخلص التقديرات العسكرية إلى أن الحرب قد تطول أو تقصر حسب المعطيات، لكنها ستحسم لمصلحة الجيش.

تعويض الخسائر
في سياق متصل، كشف مسؤول عسكري في غرفة العمليات عن أن الجيش جلب قوات من فرق عسكرية من شندي وعطبرة والأبيض إلى الخرطوم، وباشرت قوات خاصة أولى مهامها اليوم الاثنين لحسم المعركة بعدما وصفه بـ”كسر ظهر” قوات الدعم السريع في اليومين الأولين وقطع إمدادها.

وكان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان قال لقناة الجزيرة -أول أمس السبت- إنهم سيستعينون بقوات من خارج الخرطوم إذا استمرت الحرب.

وفي حديثه للجزيرة نت، ذكر أن الطيران الحربي قصف عشرات السيارات التابعة للدعم السريع التي كانت في طريقها من كسلا (شرقي البلاد) نحو العاصمة لتعويض الخسائر التي منيت بها، كما حيّد حاملات وقود وأسلحة وذخائر ومضادات أرضية لإمداد قواتهم في الخرطوم.

وقدر أن أعداد القوات المقاتلة للدعم السريع -التي بدأت قبل يومين بأكثر من 20 ألفًا- تراجعت إلى نحو 4 آلاف مقاتل، بعدما فقدوا الاتصال والإمداد والتموين وخروجهم من المعركة وأسر وقتل آخرين.

في المقابل، قال أحد مستشاري قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” إنهم حققوا انتصارات عسكرية في الخرطوم وولايات دارفور ومروي، ولن يتراجعوا وسيستمرون في القتال حتى آخر جندي واعتبر الحرب “كرا وفرا”.

وفي حديثه للجزيرة نت، ذكر مستشار حميدتي أنهم لا يقاتلون الجيش بل “كتائب الحركة الإسلامية ومليشياتها التي تسعى إلى إعادة عقارب الساعة للوراء والعودة إلى السلطة”، متهما الجيش بخرق القانون الدولي الإنساني في ما يتعلق بمعاملة الأسرى.

الجيوش تقاتل ببطونها
في هذا الإطار، يرى اللواء أمين إسماعيل مجذوب خبير إدارة الأزمات والتفاوض بمركز البحوث الإستراتيجية، أن حرب قوات الدعم السريع طبيعتها تنفيذ هجمات خاطفة والعودة إلى قواعدها. وبتدمير الجيش قواعدها ومعسكراتها في الخرطوم، صارت بلا قواعد وبلا إمداد عسكري ولا مؤن ولا غذاء.

ويقول مجذوب للجزيرة نت إن قوات الدعم السريع صارت تقاتل، ثم لا تعرف ماذا تفعل لغياب السيطرة والإمداد، لذا باتوا يلجؤون إلى الأسواق ومنازل المواطنين بحثا عن الغذاء مما يفقدهم روح القتال وإرادة القتال، إذ إن “الجيوش تقاتل ببطونها”، مرجحا أن تؤدي هذه الحالة إلى اقتراب نهاية المواجهات.

في الجانب الآخر، يعتقد الخبير العسكري صالح عثمان إن البرهان، بجلبه قوات نخبة وقوات خاصة ودخولها المعركة في الخرطوم، يريد حسم المعارك التي دخلت فصولها الأخيرة.

ويوضح صالح للجزيرة نت أن البرهان يتعرض لضغوط إقليمية ودولية لوقف الحرب، وهو يريد حسمها سريعًا وفرض شروط المؤسسة العسكرية في أي تسوية، وذلك بعدما يكون قد كسر قوات الدعم السريع، لأن وقف المواجهات قبل حسمها سيحمله على تقديم تنازلات ربما لا يقبلها الجيش الذي بات على قناعة بالانتصار على حليفه السابق.


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.