الجيش المصري كاد يغير وجه التاريخ!
من الصعب تخيل ماذا كان سيحدث لو تمكن المصريون بقيادة محمد علي من إخضاع تركيا مرتين عامي 1832 و1840، كاد فيهما أن يدخل الجيش المصري القسطنطينية ويقضي على الدولة العثمانية.
اسمه الكامل محمد علي باشا المسعود بن إبراهيم آغا القوللين وقد تولى حكم مصر في 17 مايو عام 1805، ويوصف بأنه مؤسس الدولة المصرية الحديثة وصانع نهضة فريدة حققت اختراقات كبرى في فترة وجيزة نسبيا من الزمن.
محمد علي كان وُلد في مدينة قولة أو كافالا الواقعة شمال اليونان في 4 مارس 1769 في عائلة ألبانية متنفذة كانت في خدمة السلطان العثماني.
بعد وفاة والده المبكرة، نشأ محمد علي تحت رعاية أقارب بعيدين يعملون في تجارة التبغ، وعند بلوغه سن الرشد، دخل مجال الخدمة المدنية، وعمل في البداية في الدرك، ثم جابيا للضرائب.
عقب غزو نابليون لمصر في عام 1799، بأمر من السلطان، أجبرت مدينة قولة على إرسال مفرزة من 300 متطوع للقتال ضد الفرنسيين، وعُين محمد علي قائدا مساعدا لهذه المفرزة.
برز محمد علي سريعا بفضل كفاءته وبراعته وشجاعته والنجاحات العسكرية التي حققها، وترقى في السلم الوظيفي.
في عام 1802 عُين محمد علي رئيسا لجميع الوحدات الألبانية التي كانت ضمن الجيش العثماني، وبالتنسيق مع قادة المماليك استولى عمليا في عام 1804 على مقاليد الأمور في القاهرة وضواحيها، وإثر انتفاضة واسعة النطاق للشعب المصري حدثت في يوليو 1905، أعلن محمد علي “خديوي” لمصر.
لم يكن أمام السلطان العثماني سليم الثالث من خيار حينها إلا الاعتراف بإرادة المصريين، فمنح محمد علي لقب باشا، والقائد الأعلى للقوات البرية والبحرية المصرية.
على الرغم من مباركة “البابا العالي”، وهو مقر الحكومة العثمانية لهذا الأمر، إلا أن محمد اتبع منذ الأيام الأولى من حكمه سياسة مستقلة، ولم ينسق قراراته مع اسطنبول.
ظهر البريطانيون في مارس عام 1807 في حملة عسكرية قادها الجنرال ألكسندر ماكنزي فريزر بقوة قوامها 6000 عسكري أمام السواحل المصرية تمكنت من احتلال الإسكندرية، إلا أن محمد علي لم يسمح للبريطانيين بالتقدم شرقا وقام بمهاجمة الدخلاء وهزيمتهم وأجبرهم على الجلاء عن مصر.
بعد أن ثبت أركان حكمه بمهرته السياسية والعسكرية، شرع في إصلاح الدولة، وبدأ بمساعدة ضباط أجانب في تحديث الجيش المصري، وتخلى عن التقاليد العسكرية القديمة التي اتبعها المماليك، وأعاد تشكيل قوات المشاة والمدفعية وجهزها بأسلحة حديثة، ومضى أبعد ببناء أسطول بحري قتالي.
على خلفية تمرد للماليك على الإصلاحات الجارية وحرمانهم من امتيازاتهم، لم يتردد محمد علي في القضاء على تلك البقايا وعزز سلطاته بإنهاء الحكم المملوكي لمصر إلى الأبد.
بطلب من السلطان العثماني محمود الثاني في عام 1816، أرسل محمد علي جيشا بقيادة ابنه البكر إبراهيم إلى شبه الجزيرة العربية، ثم أرسل حملة عسكرية إلى السودان، وبطلب من البابا العالي، أرسل حملة عسكرية لقمع انتفاضة حصلت في اليونان، وحينها بدأ تدخل القوى الأوروبية أمام تمدد الجيش المصري القوي.
التحول الهام جرى في عام 1831 حين شن الجيش المصري بأمر من محمد علي حربا ضد السلطان العثماني، وزحف شمالا وسيطر على سوريا، وعبر الأناضول وهدد بشكل مباشر القسطنطينية، إلا أن القوى الأوروبية أجبرته على التراجع.
بعد محاولة عثمانية فاشلة لاستعادة السيطرة على سوريا في عام 1839، أرسل محمد علي باشا حملة عسكرية جديدة ضد الدولة العثمانية في عام 1940، وهزم قواتها وفتح الطريق أمام التقدم إلى القسطنطينية.
هذه المرة أيضا لم ينقذ الدولة العثمانية من السقوط في قبضة الجيش المصري إلا تدخل بريطانيا والنمسا. قطعت الدولتان اتصالات الجيش المصري البرية والبحرية في خريف عام 1840، واستولى البريطانيون على بيروت وعكا، وأجبر محمد علي بموجب اتفاقية وقعت في 13 يوليو 1841 على إعادة معظم الأراضي في سوريا إلى الدولة العثمانية، إضافة إلى الأسطول الذي كان انشق في السابق وانضم إلى الجيش المصري.
احتفظ محمد علي بحكم مصر والسودان وراثيا، وبقيت سلالته في سدة الحكم حتى عام 1952، حين أطاحت حركة الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر بالملك فاروق، وتأسست جمهورية مصر.
المصدر: RT