أمريكا تطمع في تدخل الخرطوم أحداث جوبا.. مشكلات الجنوب تنتهي متى اتجهت شمالاً
بأغلبية كاسحة، أيد شعب جنوب السودان في العام 2011م خيار الانفصال عن السودان في استفتاء أقرته اتفاقية السلام الشامل “نيفاشا”، غير أن هذه الغلبة ما استطاعت أن تقطع شعرة معاوية التي تصل الجنوب بالشمال وما تزال. جوبا لا تزال تتوجع للأم الخرطوم، فيما تسهر الأخيرة من الحميات الكثيرة التي تضرب أحدث الدول انضماماً لعصبة الأمم.
وعلى وتر هذه الصلة التي تمتد شداً وجذبا، وخيراً وشراً، ناشدت الولايات المتحدة الأمريكية، الخرطوم بلعب دور فاعل يسهم في نزع فتيل التوتر الذي انقدحت شرارته مؤخراً بين الأطراف الجنوبية وأودى بحياة المئات في العاصمة جوبا فقط، وسلب من 36 ألف جنوبي صفة المواطنين محيلاً أياهم إلى محض نازحين ولاجئين.
تعويل أمريكي
اتفقت صحف الخرطوم الصادرة أمس، أن القائم بالأعمال الأمريكي ستيفن كوتسيس، بحث مع وكيل وزارة الخارجية عبد الغني النعيم، سبل إعادة الاستقرار في دولة الجنوب، مشيراً إلى الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه الخرطوم في هذه العودة.
وبعد سنوات من انفصال البلدين، تسعى واشنطون إلى تدارك ما احدثه انفصال جنوب السودان، ووقوعه في براثن الفوضى، وتحوله من دولة ينتظر الاعتماد عليها، إلى دولة فاشلة، تهدد الأمن والسلم الإقليميين.
وبعد محاولات يمكن وصفها بالقاتلة للإدارات الأمريكية المتعاقبة في ما يخص التدخل العسكري المباشر، تتجنب الولايات المتحدة حالياً زج قواتها في أتون صراعات ونزاعات خارجية، مع العمل على تحقيق مصالح دولة العم سام من خلال حلحلة المشكلات عن طريق إبرام تحالفات دولية، فضلاً عن ضرب طوق على الدول التي تهدد الأمن الإقليمي بواسطة جيرانها، وأخيراً بحمل الأطراف المتنازعة للجلوس إلى طاولات التفاوض.
حياد موفق
تؤمن كل من الخرطوم وجوبا بأن المصالح المشتركة بينهما لا حصر لها، ولكن مع ذلك كثيراً ما اختارت الجارتان تبادل الإيذاء عوضاً عن تبادل المصالح.
على هذا الأمر أن يتوقف الآن، فانهيار الأوضاع في جوبا ينبئ بأوضاع كارثية قد تحيق بالخرطوم، وعلى مستويات متعددة.
وحسناً فعلت الحكومة السودانية بإعلانها عدم انحيازها لأي من الأطراف الجنوبية المصطرعة حالياً، فمحاولات فرض أنظمة حكم في الدول المجاورة عادت على السودان بعداوات وتجارب مريرة لا توجد رغبة في بعثها مجدداً ويستبين ذلك في نهج وزارة الخارجية المنفتح والمتأسس على مراجعات عميقة لما جرى في فترات سابقة.
التدخل العسكري
نقلت الزميلة (ألوان) طلباً لرئيس دولة جنوب السودان، الفريق سلفاكير ميارديت، بارسال قوات سودانية تتضافر جهودها مع القوات الأفريقية المنضوية تحت لواء “إيقاد” وذلك لفرض الأمن والاستقرار في التراب الجنوبي.
وكانت القوات السودانية انسحبت من الجنوب كلية في أعقاب التوقيع على اتفاق السلام الشامل مع الحركة الشعبية العام 2005م.
وفي وقتٍ سابق، نفى حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان، على لسان أمين أمانة أفريقيا بالحزب، سيف الإسلام عمر، رغبة السودان في التدخل العسكري بجنوب السودان وأن جهوده منصبة حالياً على فرض الاستقرار.
أزمة اللجوء
بالرغم من الانفصال، والقضايا العالقة بين دولتي السودان وقادت إلى توترات بعضها عسكري، فإن المنكوين من نير الأوضاع في الجنوب، يفضلون النزوح شمالاً إلى الدولة الأم التي فارقوها العام 2011م عوضاً عن اللجوء إلى بقية الدولة المحيطة بالخاصرة الجنوبية.
وبحسب تقديرات فإن 221 ألف لاجئ جنوبي فروا إلى السودان بداية من العام 2013م، فيما يتوقع وصول أعداد جديدة إلى الحدود السودانية من جملة 36 ألف غادروا العاصمة جوبا بحثاً عن الأمن.
وحتى قبيل دعوات الأمم المتحدة للسودان بفتح حدوده أمام الفارين من نير الحرب الأهلية في جنوب السودان، ابدت الحكومة السودانية ترحيبها بموجة اللاجئين المنتظرة، ولكن في ظل دعوات لإحكام التنسيق بين الجهات ذات الصلة في مسعى لإدارة الأزمة.
توقف النفط
اقتصادياً يتخوف السودانيون من امتداد القتال الدائر في الجنوب إلى حقول النفط، مسبباً مزيداً من الضغوط على اقتصاد بلادهم الذي لم يتعافَ بعد من صدمة انفصال الجنوب بثلثي حقول النفط العام 2011م.
غير أن خروج النفط الجنوبي من الموازنة الشمالية عدة مرات سابقة، وانفتاح السودان على دول الخليج، مع التحسن الملحوظ في علاقاته الخارجية، يتوقع أن تمر الأزمة كأخف مما حدث مع سابقاتها، وأن كان من المؤكد أنها ستخلف تشوهات على السوق السودانية.
كرت مهم
أهم الكروت التي ينتظر أن يلعبها السودان في الجنوب، تتمثل في حمل الأطراف المتنازعة هناك على الجلوس في طاولة مفاوضات جدية. فالخرطوم لا ترغب في ترك مصالحها والجنوب نهباً لقوى خارجية، وعليه ينتظر منها استخدام صلاتها بالمتصارعين وصولاً لتقريب الشقة بين الرئيس سلفاكير ونائبه د. رياك مشار.
عوائد هذه الخطوة ستكون استمرار انسياب النفط، وتوقف تدفق اللاجئين، وتقليل احتمال حدوث توترات أمنية في الحدود السودانية، وتحصيل مكاسب وثقة عند جميع الأطراف الجنوبية بما يضمن توقف حالات الإيذاء والإيواء لمناوئي الخرطوم مستقبلاً.
ولكن هل من فوائد مرجوة من ذلك على العلاقات السودانية الأمريكية؟ سؤال صعب الإجابة عليه إذْ تحكم حسابات العلاقة بين الخرطوم وواشنطن دوال رياضية معقدة على رأسها انتخابات أمريكية منتظرة قد تتحصل الخرطوم بعدها على مكاسب جمة، كما وقد تكون المحصلة النهائية صفراً.
على كلٍ؛ حتى وإن لم تسهم التدخلات السودانية في تطبيع العلاقات مع الغرب، فلا يجب أن نخسر الجنوب الذي يساوي الكثير.
الصيحة