المساليت.. قبيلة عريقة تقع بين السودان وتشاد

قبيلة المساليت من أشهر القبائل العريقة المستقرة بين غرب السودان وشرق تشاد وبالتحديد في ولاية غرب دارفور. قاومت الاستعمار الفرنسي والبريطاني، وخضعت للتقسيم في إطار توقيع معاهدة بين فرنسا وإنجلترا عام 1920، لتستقر في المنطقة الحدودية الفاصلة بين السودان وتشاد.

تُشكّل القبيلة نموذجا للتعايش الاجتماعي، فأهلها مسلمون، وأصولها عبارة عن خليط لسلالات مختلفة، ويغلب عليها العنصر الزنجي، إلا أنها لم تسلم من تأثير النزاعات القبلية والحروب التي عرفتها دارفور وتشاد.

التعريف
هي إحدى القبائل المستقرة غرب دارفور، يتحدث أهلها لغة المساليت التي تشهد انتشارا واسعا، وجزء منهم يتكلم لغة النيلية الصحراوية.

اتخذت القبيلة من منطقة دارفور السودانية موطنا لسلطنتها التاريخية المعروفة باسم “دار مساليت” التي قاومت الاحتلال الفرنسي ودحضت محاولاته الرامية إلى الاستيلاء على أراضيها من أجل ضمها إلى مستعمراته في بلاد تشاد.

يُعرف سلطان المساليت بالرجل الحكيم، ويرأس الوساطة لحل النزاعات القبلية سواء في دافور أو في السودان عموما.

وتُعرف قبيلة المساليت بأنها من القبائل المسالمة، وتقبل التعايش مع وافدين من مناطق أخرى، فقد استضافت قبيلة القمر في “الجميزة” ومناطق “سرف عمرة” و”التامة” على “وادي باري” في “قندريني وأم شالا وسالا” ومناطق أخرى، وكذلك مختلف بطون القبائل العربية المهاجرة، وأصحاب المواشي والأبقار الذين قدموا من تشاد.

وتشهد القبيلة خلال فترات من السنة، توافد مجموعات المحاميد والعريقات والجلول الذين يأتون بحثا عن الماء والكلأ.

التسمية
عندما أسس المساليت دولتهم، أطلقوا عليها اسم “دار المساليت”، والدار تطلق على منزلة القبيلة، لذلك سميت “دار المساليت” وتعني الديار أو وطن طائفة المساليت، كما سُميت دارفور ودار رزيقات ودار الشايقية ودار الجعليين للسبب ذاته.

الموقع الجغرافي
وتعتبر قبيلة المساليت من القبائل المشتركة بين السودان وتشاد، وأغلب مساحتها توجد في أقصى غرب السودان، وجزء في الشريط المحاذي لحدود جمهورية تشاد.

تحدها 4 أودية، ويتعلق الأمر بوادي السيما من الناحية الغربية، وكمبا وباري وأزوم من الناحية الشرقية، ويحدها من الجهة الشمالية وادي جبل ودار أرنقا.

سكانها
وتتميز قبيلة المساليت بتنوع ديمغرافي كبير، فهي تمثل غالبية السكان بنسبة 60% حسب إحصائيات القبيلة التي أشارت إليها في ندائها للرأي العام العالمي في ديسمبر/كانون الأول 2023.

ورغم ذلك فإنه يوجد بها بعض القبائل الأفريقية الأخرى، مثل الداجو والبرجو والبرنو والأرينجا والجبل والسنجار ومستوطني قبائل شبه الجزيرة العربية مثل المهدى والدروك والهاوتا والترجم والطورية الذين يملكون أراض في دار المساليت.

وتتكون من عدة فروع رئيسية أهمها بنق وفكونق وإمشرونق، وتتفرع عنها فروع أخرى. وتوجد من بين عناصر المساليت المسلات الذين يستقرون غرب البيقو والبرقد.

كما تضم ساكنة القبيلة بعض المهاجرين من الجمالة، وهم شطاية وأولاد زايد والمهرية وأولاد جانوب وأولاد تاكو وأولاد مرمى وشقيرات، وكلهم هاجروا من تشاد نهاية خمسينيات القرن العشرين.

سكانها مسلمون، وينتشر ما لا يقل عن 145 ألفا من المساليت في مختلف أنحاء السودان، حسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أغلبهم يستقرون في قرى واقعة بالجهة الشمالية للبلاد، خصوصا في دارفور ودار مساليت ومنطقة نيالا.

ويتحدث أهلها لغة المساليت التي تشهد انتشارا واسعا، وجزء منهم يتكلم اللغة النيلية الصحراوية.

تاريخها
أسس المساليت دولتهم ما بين عامي 1884 و1921، واختاروا سلطنتهم التاريخية وأسموها “دار المساليت”.

واجهت الاستعمار الفرنسي بشراسة في 3 معارك حاسمة، أبرزها معركة “كِرِيْدِنْقْ” التي تعني “أخرجوهم عنوة”، ودارت عام 1910 وكانت تعوّل فيها فرنسا على إلحاق هزيمة نكراء بالمساليت وبعد ذلك الاستيلاء على أراضيهم لمستعمرتها “السودان الفرنسي” المكونة من عدة دول أفريقيا منها تشاد والكاميرون والنيجر وأفريقيا الوسطى ودول غرب أفريقيا.

إلا أن أهالي قبيلة المساليت استعدوا لهذه الحرب واستغلوا عدم دراية أعضاء الجيش الفرنسي بتضاريس المنطقة، فتمكنوا من الانتصار على القوات الفرنسية رغم توفرها على عتاد حربي وعسكري ضخم ومتطور.

وفي عام 1919، أصبحت سلطنة دار المساليت آخر سلطنة مستقلة معترف بها في تاريخ السودان، ورفعت مطلب تقرير المصير وفقا للاتفاقية التي أبرمت عام 1919 بينها وبين بريطانيا وفرنسا، وخلصت إلى تنازلها عن منطقة “أدري” الواقعة حاليا في تشاد لصالح فرنسا، وضُمت دار المساليت في تلك الفترة للسودان الإنجليزية.

تفيد كتابات تاريخية بأن سلطنة دار المساليت وقّعت يوم 19 سبتمبر/أيلول 1919 معاهدة “قلاني” (هناك من يطلق عليها اسم “غلاني”) مع الحكومتين الإنجليزية والفرنسية بعد أن نشبت حرب بسبب استيلاء الفرنسيين على منطقة “ودّاي”. وتضمّنت المعاهدة مقترحات السلطان بحر الدين (حملها الوفد للفرنسيين) واستعداده للتنازل عن منطقة “أدري” التي احتلها الفرنسيون، وفي الوقت نفسه أرسل سلطان المساليت وفدا آخر إلى القيادة الإنجليزية بالفاشر برئاسة أبو كجام والملك هارون ملك كرومة.

قابل الوفد القائد البريطاني “كلي باشا”، واقترح على الحكومة الإنجليزية عقد صلح مع سلطنة دار المساليت شريطة أن يحتفظ بسلطنته وكيانه الإداري. وتمثلت مطالب السلطان في الانضمام لحكومة السودان شريطة أن تخضع دار المساليت لإدارة غير مباشرة منها، وأن يحتفظ السلطان بإدارته الأهلية داخل سلطنته ويتمتع بحكم ذاتي. فوافق رئيس الوفد البريطاني على مطالب السلطان.

وبالنسبة للعلاقة مع المستعمر الفرنسي، أبدى السلطان استعداده للتنازل عن الإشراف الإداري لمنطقة “أدري” على أن يحتفظ بالإدارة غير المباشرة لها ويعين فيها مندوبا له، مع ضمانٍ لسكان المساليت بحق اختيار استقرارهم أو مغادرتهم المنطقة أو الانضمام إليها من دون تعرضٍ للسلطات الفرنسية. فوافق رئيس الوفد الفرنسي الكولونيل إيريك على المقترح.

وحصلت دار المساليت بعد ذلك على حق الاستقلال عن حكومة السودان، واتفقت إنجلترا وفرنسا، في إطار معاهدة بينهما، على تحديد مناطق نفوذها.

وتاريخيا، لم تسلم قبيلة المساليت من ويلات الحروب والصراعات القبلية التي نشبت في المنطقة بداية القرن الـ21. وبسبب الجفاف الذي دبّ في المنطقة، نشب نزاع بين المزارعين والرعاة، وسرعان ما تحول هذا النزاع إلى أزمة بين القبائل العربية والقبائل غير العربية (قبائل النجعة العربية والرزيقات والزغاوة..)، وزاد من تعقيد الوضع موقف تشاد من قبيلة المساليت التي كانت تتهمها باحتضان المعارضة التشادية المتمثلة في جناح آدم “قرفة”.

وبعد وصول نظام الإنقاذ للسلطة في السودان، تعمقت الأزمة داخل القبيلة، خصوصا بعد تغيير السلك الإداري ومنح العرب مكانة مهمة، فاندلعت الصراعات والاقتتال الداخلي.

الوضع الإداري
اختارت دار المساليت أن تُسيّر أمور القبيلة وفقا لوضع إداري يحتل فيه السلطان أعلى قمة في الهرم باعتباره سلطانا على كل القاطنين سواء أكانوا أفارقة أم عربا، مستوطنين أم مهاجرين.

وهناك العمدة الذي يسيّر القبائل العربية، والشيخ الذي يتكلف إدارة شؤون المواطنين في القرى والتجمعات وتستخدمه القبائل الأفريقية وعرب الكوزي. ويُكلّف شيخ وعمدة تابع للسلطان بإدارة شؤون القبائل المهاجرة، كما يعين السلطان “الفرش” و”العمد” للعرب مع احتفاظه بحقه في فصلهم عند الضرورة. وتتكلف سلطات الفرش والعمدة بكل ما له علاقة بالأرض وامتلاكها.

وداخل القبيلة لا يحق للمهاجرين العرب امتلاك أراض أو منازل، لذلك فإن سلطات العمد والشيوخ على قبائل هؤلاء المهاجرين تهم الأفراد فقط.

وبمبادرة من النظام الحاكم في السودان، اقتُرح تغيير هذه التركيبة الإدارية، وهو ما لم يستحسنه أهل المساليت واعتبروه انتهاكا للأعراف والنظم الموروثة المتعارفة بينهم، وضربا لصمام أمان حياتهم.

وبموجب قرار صدر عام 1994 عن أول والي لولاية غرب دارفور محمد أحمد فضل، عُوّض نظام الوراثة في تعيين السلطان باعتماد مبدأ الاختيار من خلال “الفرش” و”العمد”. وأصبح الوضع الإداري يضم أمير الأمراء بعد تغيير السلطان، وتعيّن أمير لكل منطقة جغرافية، إلى جانب العمدة أو الفرش.

ولقي هذا التعديل معارضة شديدة من قبل فئة ترى أن اسم الأمير كان دائما ذا صلة بالسلطان، وأن إدراج المنصب في السلم الإداري سيجلب مشاكل جمة، لأنه سيفتح الباب لعدد من الشخصيات -خصوصا العربية التي ليست لها جذور في الانتماء لقبيلة المساليت- لتولي مكانة “الأمير”، وسيكثر عدد الأمراء الذين ستكون لهم الأغلبية في تعيين السلطان، بالإضافة إلى أن مكانة السلطان ستهتز ولن تبقى لها هيبتها التاريخية ورمزيتها داخل القبيلة.

الاقتصاد
بالنظر إلى الموارد الطبيعية التي تزخر بها المنطقة، يعتمد أهل قبيلة المساليت على القطاع الفلاحي، ويتخصصون في زراعة الذرة والفول السوداني وحبوب الدخن وبعض الخضر مثل الطماطم والبامية والفلفل، وكذلك الفواكه وفي مقدمتها البرتقال والبابايا والمانغا، وكذلك زراعة المحاصيل المطرية بأنواعها، بالإضافة إلى جمع العسل وصمغ الأشجار.

يهتم المساليت أيضا بتربية الأبقار والأغنام والماعز والإبل، ويزاولون التجارة في المناطق الحدودية لقبيلتهم.

وتاريخيا كانت قبيلة المساليت مكتفية ذاتيا من محصولها الزراعي رغم اعتمادها على وسائل تقليدية، غير أنه بسبب الجفاف الذي ضرب المنطقة في العقود القليلة الماضية اضطر أهلها إلى اللجوء للمناطق المجاورة -خصوصا منطقة دارفور- من أجل جلب حاجياتهم الغذائية. كما أدى الجفاف الشديد والتنافس على الموارد القليلة إلى توتر علاقة القبيلة بالقبائل المجاورة.

نداء المساليت
في ديسمبر/كانون الأول 2003، أطلقت قبيلة المساليت بالسودان نداء للرأي العام العالمي تحت عنوان “من قبيلة المساليت بالسودان.. مناشدة من أجل البقاء”، تناشد فيه الضمير الإنساني العالمي لإنقاذها مما أسمته التعرض من قبل “العناصر العربية” للإبادة الجماعية والنزوح ونهب الأراضي بدعم من نظام الإنقاذ السوداني الذي يحاول -حسب منطوق النداء- “تجريد أهالي المساليت من حقوقهم القانونية بضم دار المساليت إلى السودان بالقوة”.

وتحدث النداء عن خطر يتهدد حياة الأطفال والنساء والشيوخ، مشيرا إلى تعرض بعض السكان للتصفية الجسدية وللتهجير القسري والاضطرار إلى النزوح لمناطق مجاورة بعد نهب ممتلكاتهم وهجر منازلهم.

ومن بين نقاط الخلاف التي وردت في النداء، اعتراض سكان المساليت على من يقول إن الإسلام لا يمكن نشره إلا بواسطة العرب، وإن العناصر العربية لا بد أن تسود على العناصر الأفريقية في السودان، إضافة إلى تكوين قوات في دارفور تحت اسم “الجنجويد” لحفظ السلام في جنوب السودان، وما أثير من اضطرابات أمنية تجلت في تسجيل إبادات والاستيلاء على الأراضي وغيرها من الأفعال التي استنكرها أهل المساليت.

الجزيرة نت


انضم لقناة الواتسب

انضم لقروب الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.