ليبيا .. حرب بنكهة ” سودانية ”
مجدداً برزت إلى الواجهة الاتهامات بمشاركة الحركات المسلّحة الدارفورية في الحرب الليبية، إلى جانب قوات عملية “الكرامة” التي يقودها خليفة حفتر، من بوابة المواجهات في مدينة الكفرة الليبية وواحة زالة. وكان نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي قبل سقوطه يُمثّل داعماً أساسياً لهذه الحركات، خصوصاً بعد تحسّن علاقات السودان مع تشاد وإقدام الأخيرة على طرد الحركات الدارفورية من أراضيها في 2010. لكن الخرطوم وقتها تدخّلت في ليبيا لصالح الثوار ضد القذافي، فيما أطلقت عليه “رد الصاع صاعين ورد التحية بأحسن منها”.
وتُعتبر مدينة الكفرة من أكبر المدن الليبية مساحة، وتقع على الحدود مع دولة تشاد من جهة الجنوب، ومن الجنوب الشرقي مع السودان، ومع مصر من جهة الشرق. وهي تمثّل القلب النابض للتجارة مع السودان وتشاد، كما تمثّل نقطة لنقل المساعدات الدولية من الأمم المتحدة إلى إقليم دارفور. وللمدينة، وفق خبراء عسكريين، أهمية قصوى لأي خطط موضوعة للسيطرة على الحدود بين السودان وليبيا.
وشهدت واحة “زلة” في جنوب ليبيا مواجهات مسلحة بين مسلحين تابعين لحركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور والأهالي أسفرت عن مقتل أحد المواطنين يدعى خالد لفيطح وإلحاق أضرار بثلاثة منازل.
حواجز عسكرية للعدل والمساواة
وساد الواحة الواقعة على بعد 750 كيلو مترا جنوب شرق العاصمة طرابلس أمس الجمعة هدوء بحسب مصادر تحدثت لـ(التيار) أمس “الجمعة” ، فيما ذكر رئيس المجلس المحلي التسييري صالح الأمين في تصريح لوسائل إعلام محلية أن مسلحي حركة العدل والمساواة السودانية كثّفوا من تواجدهم العسكري على مداخل البلدة، وأقاموا حواجز عسكرية في ظل حالة من الاحتقان وغضب الأهالي من اعتداءات هؤلاء المسلحين الدخلاء. وأظهرت المواجهات المسلحة التي دارت في زلة وجود أعداد كبيرة من المسلحين الأفارقة ومسلحي حركة العدل والمساواة المتمردة التي كانت تربطها علاقات وثيقة بنظام القذافي، في الواحة التي يبلغ عدد سكانها نحو 9 آلاف نسمة.
جولة حاسمة في أديس
الباحث في الشأن الدارفوري عبد الله آدم خاطر يلمح إلى أن أي تطور إعلامي أو كلامي مرتبط بشكل أساسي بطبيعة المفاوضات الجارية في أديس أبابا وبرغبة إنهاء النزاع بين الأطراف، ويقول لـ (التيار) أمس”الجمعة” إن الارتباطات ليست فقط في ارتباطات العدل والمساواة بالأزمة الليبية فقط وإنما الوضع الهش أيضاً في دولة جنوب السودان، والتشويش بين أطراف المعارضة والحديث عن مقاربات وعدد آخر من المسائل قد تؤثر على سير محادثات أديس، ويضيف خاطر من خلال ملاحظتي ومتابعتي مهما كانت النقاشات والاتهامات مستمرة أو هي مستمرة واضح أن الجذب الداخلي للمفاوضات لإنهاء النزاع هي الماكينة الرئيسية لوقف الحروب الكلامية، ويعتقد الباحث في الشأن الدارفوري بأن الجولة الأخيرة لمفاوضات (أديس) ستكون حاسمة يستكمل فيها الجانب الأساسي المتعلق بوقف العدائيات وإيصال العون الانساني للمناطق المعزولة وتابع:” هو الأساس لإنهاء هذا النوع من النقاش أو الاتهامات للحركات الدارفورية بالحرب كمرتزقة في ليبيا أو جنوب السودان” وتمنى خاطر أن تكلل الجولة القادمة بالنجاح حتى يبدأ الاتجاه نحو استكمال العملية السلمية وعودة السودانيين إلى الداخل. ومن ثم بداية حركة سياسية جديدة تخدم مصلحة البلاد
آلف مقاتل للعدل والمساواة في ليبيا
وتقدر إحصاءات أعداد المسلحين من متمردي دارفور في ليبيا بنحو 1000 يقودهم جابر إسحاق ورجب جو، ويُعزا تجمع هذا العدد في زلة مؤخراً إلى طردهم من منطقة الكفرة مطلع العام الجاري.
وكانت قوة حماية مدينة الكفرة الواقعة أقصى الجنوب الشرقي قد أعلنت وفقاً لما نقلته(الصحيفة أنها قضت على 3 من متمردي دارفور خلال اشتباكات جرت في “وادي الفارغ” بصحراء الكفرة، وأن وحداتها تحاصر مجموعة من المسلحين الدارفوريين يستقلون 15 عربة.
تقرير أممي
يُذكر أن التقرير النهائي لخبراء الأمم المتحدة في ليبيا الصادر في فبراير 2016 قد اتهم طرفي النزاع الرئيسيين في ليبيا بالاستعانة بمسلحين ينتمون إلى حركات التمرد في دارفور حيث ورد فيه ” أن فريق الخبراء تلقى أدلة قوية على تورط جماعات “دارفورية” مسلحة في أوباري والكفرة، وحسب شهادات “دارفوريين” أفادوا بوجود أفراد مقاتلين من كل من حركة العدل والمساواة، وفصيل جيش تحرير السودان بقيادة علي كاربينو، ووحدات كاملة من جيش تحرير السودان فصيل ميني ميناوي جنباً إلى جنب مع الجيش الوطني الليبي، فيما لجأت الجماعات “الدارفورية” المسلحة الضعيفة للبحث عن ملاذ آمن، وهو ما جعل حكومة طرابلس تتصل بها”.
علاقة حفتر وحركات دارفور ليست جديدة
الخبير في الشئون السياسية د. صلاح الدومة لديه رؤية مختلفة مفادها أن مشاركة الحركات الدارفورية في الصراع الدائر في ليبيا غير مستبعد أصلاً ويشير في حديث أدلى به لـ(التيار) أمس”الجمعة” أن العلاقة بين اللواء خليفة حفتر وحركات دارفور ليست بالغربية، وقتال العدل والمساواة وتحرير السودان في ليبيا لصالح طرف من الأطراف حدث من قبل ويمكن أن يحدث مرة آخرى، بيد أنه عاد ثانية ليقول أن الجماعات المسلحة بدارفور وصلت نقطة تعصب خطيرة جداً، ويرى أن هذا الحلف ربما يبث الروح من جديد في الحركات بأي شكل من الأشكال، وينبه إلى أن ذلك لا يخدم قضية دارفور ولا محادثات أديس أبابا خاصة وأن الطرف المعترف به دولياً ” أي حكومة السراج في طرابلس لا دور لها في هذا التحالف، ويحذر الدومة من انعكاس مشاركة حركات دارفور في المشهد السياسي الليبي على أوضاع السودانيين المقيمين هناك.
بداية ظهور المقاتلين ببلدة زلة
لم يعرف توقيت ظهور المقاتلين الدارفوريين ببلدة زلة على وجه الدقة، فبينما أرجع محللون تحدثوا إلى « التيار» سبب تواجد الفصائل السودانية من متمردي دارفور في الجنوب الشرقي لليبيا إلى «العلاقة التي كانت سائدة بين القذافي وزعيم الحركة خليل إبراهيم»، إضافة إلى الانفلات الأمني الذي صاحب أحداث فبراير 2011 في ليبيا، وكذلك تضييق الخناق من قبل السلطات السودانية على هؤلاء المتمردين، الذين نجحوا في تهريب كميات كبيرة من السلاح ورثتها حركة العدل والمساواة عن نظام القذافي الذي كان أهم حليف استراتيجي لها.
غير أن الأهالي ببلدة زلة لاحظوا تزايد أعداد المقاتلين الأفارقة عقب الإعلان عن العملية العسكرية المعروفة بـ«القرضابية 2»
قادمون من معسكر «خالد بن الوليد» بخليج البمبة، حيث ذكر عدد منهم أنهم شاهدوا عددًا منهم يقود سيارات تحمل «استيكارات» الجيش الليبي، وهو ما يتطابق مع تقرير الخبراء التابع للأمم المتحدة في فبراير 2016 الذي كشف عن «وجود فصائل مسلحة من العدل والمساواة وجيش التحرير السوداني (فصيل أركو مناوي) بقيادة علي كاربينو جنبًا إلى جنب مع الجيش الوطني الليبي» وفق ما جاء بالتقرير.
تمركزات المسلحين
وذكر نشطاء من البلدة » أنه في البدايات كانت حركة المقاتلين الدارفوريين غير ظاهرة للعيان، إلا أنه في الآونة الأخيرة باتت واضحة للجميع. ونقل النشطاء قولهم: «إن هذه الفصائل التي تتوزع على ثلاث قوى محلية تتمركز في كل من الترزة 7 كلم شمال البلدة وتليسم 15 كلم من ناحية جنوب زلة».
وكان قائد قوات الدعم السريع اللواء محمد حمدان دلقو (حميدتي) قد أوضح خلال مؤتمر صحفي بوزارة الدفاع الوطني الثلاثاء الماضي، إن حركات متمردي دارفور المسلحة انتقلت بعد طردها من الإقليم إلى ليبيا، وهي تعمل هناك “كمرتزقة وتهرب البشر”.
وتجيء هذه التطورات مع زيارة قام بها فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي الليبي برفقة عدد من أعضاء المجلس مدينة سرت التي تدخل المعارك فيها ضد داعش مرحلتها النهائية.
وجاءت هذه الزيارة التفقدية في وقت تضيِّق فيه قوات البنيان المرصوص الخناق حول تنظيم “داعش” في آخر معاقله، حيث تمكنت أولاً من التقدم في منطقة عمارات 600، وأجبرت ما تبقى من فلول التنظيم على الفرار إلى حي الجيزة البحرية، آخر معقل للتنظيم في المدينة.
ونقلت مواقع ليبية عن محمد الغصري الناطق باسم غرفة عمليات البنيان المرصوص تأكيده أن اقتحام قوات الغرفة لمنطقة طعمارات 500″ وحدة سكنية، مشدداً على أن مرحلة الحسم بدأت ضد بقايا مسلحي تنظيم “داعش” بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، مشيرا إلى أن عشرات الجثث لمقاتلي داعش من مختلف الجنسيات منتشرة في الشوارع.
من جهة أخرى، أعلن أحمد المسماري المتحدث باسم القوات المسلحة الليبية التي يقودها الفريق أول خليفة حفتر أن وحدات من الجيش الليبي الخاضع لمجلس النواب دخلت إلى مدينة سبها الواقعة في الجنوب الغربي من البلاد وسيرت دوريات داخلها وفي المناطق الصحراوية المحيطة.
احداث العاشر من فبراير الماضي
في العاشر من فبراير الماضي أعلن مسؤول في بلدة الكفرة الليبية الجمعة عن مقتل عشرة من متمردي دارفور على خلفية اشتباكات عنيفة تجددت بين فصائل ليبية ومتمردي دارفور. في وقت متزامن قال المتحدث الرسمي باسم الجيش السوداني أحمد الخليفة الشامي، ، إن نحو عشرين عنصراً من حركة “تحرير السودان” قُتلوا بالقرب من الحدود الليبية السودانية، فيما دخل آخرون إلى الأراضي الليبية بعدما تمكنت القوات السودانية من دحرهم باتجاه الحدود وأحكمت قبضتها على المناطق التي نشطوا فيها. وحذر اتحاد “سرايا ثوار مدينة اوباري” الليبية في بيان لها، الحركات الدارفورية من إثارة الفوضى وزعزعة أمن واستقرار الجنوب الليبي، وطالبها بمغادرة الأراضي الليبية فوراً، رافضاً تماماً الاستعانة بقوات أجنبية من خارج الحدود وإقحامها في الأزمة الليبية، والتي أكد ضرورة حلها عبر الحوار الليبي-الليبي.
الحصول على الأموال والسلاح
ومع احتدام الأزمة الليبية واندلاع القتال في دولة جنوب السودان وفقدان الحركات المسلحة الدارفورية للسند الإقليمي مع التقلّبات التي شهدتها المنطقة، فقدت هذه الحركات الكثير من حلفائها، ما جعلها تبحث عن مخارج، وهو الأمر الذي يفسّره مراقبون بمشاركة قواتها في الحرب الليبية لصالح مجموعة حفتر، وفق اتفاق محدد مقابل الحصول على الأموال والسلاح، ما يسمح لهذه الحركات بالاستمرار في قتال الحكومة السودانية. كما تمثّل منطقة الكفرة أهمية لدى الحركة لسهولة الحصول على السلاح المنتشر هناك، فضلاً عن التزود بالنفط وسهولة الحركة من وإلى مناطق القتال في إقليم دارفور، لا سيما أن الكفرة كانت نقطة ارتكاز لها أيام حكم القذافي. في المقابل، تحرص الخرطوم على قطع كل الطرق أمام الحركات المعارضة للاستفادة من الأزمة الليبية. في 2014، قال وزير الخارجية السوداني السابق، علي كرتي، أمام برلمان الولايات، إن الحركات المسلحة تحاول الاستفادة من حفتر وتحريضه ضد النظام في الخرطوم.
التيار