إنكار هويته يشعل سخرية.. زعيم الجنجويد يرفض أن يكون “كوشيب”

في لحظة مثيرة للدهشة أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا، فاجأ زعيم ميليشيا الجنجويد علي كوشيب الجميع بإنكاره لهويته، قائلاً: “أنا لست علي كوشيب ولا أعرف أحداً بهذا الاسم”.

التصريح الذي اعتبره الكثيرون غير قابل للتصديق، أشعل مواقع التواصل الاجتماعي في السودان، حيث اعتبره المواطنون مجرد محاولة يائسة للهروب من العدالة، في قضية بهذا الحجم.

في التفاصيل، تفاجأ قضاة المحكمة الجنائية الدولية بموقف علي عبد الرحمن، الملقب بـ”كوشيب”، المتهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور خلال الحرب الأهلية التي عصفت بالإقليم الواقع غرب السودان.

وأوضح كوشيب في أقواله أمام المحكمة يوم الجمعة الماضي أنه سلم نفسه طوعاً للمحاكمة، مشيراً إلى أنه قد اعترف بأنه هو علي كوشيب في البداية لحماية نفسه، بعدما كان مختبئاً لمدة شهرين بسبب خوفه على حياته.

هل سيكون الإنكار حلاً في محكمة لاهاي؟
وأضاف كوشيب أنه سلم نفسه لأن لا علاقة له بالتهم الموجهة إليه، وكشف عن معاناته الشخصية جراء فقدانه اثنين من أبنائه خلال فترة احتجازه، فضلاً عن قلقه الدائم على أفراد أسرته، الذين لا يعرف مصيرهم في ظل الوضع المأساوي الذي يعيشه. وأشار إلى أنه يرسل أموالاً لأسرته من مكان احتجازه لتغطية نفقات الحياة، من دون أن يعرف ما إذا كانوا في أمان.

محامو الدفاع.. تكتيكات متوقعة
في السياق، قال الصحافي والروائي الشهير منصور الصويم لـ”العربية.نت” إنه توقع أن يتجه علي كوشيب إلى الإنكار أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، إذ كان واضحًا أن هذا التكتيك جزء من استراتيجية الدفاع، التي بناءً عليها حاول المحامون الدفع بأن موكلهم ليس الشخص المعروف بـ”علي كوشيب”، بل هو شخص آخر يُدعى “علي عبد الرحمن”. الصويم أضاف أن هذه الحيلة لم تكن فكرة كوشيب نفسه، بل كانت نتاجًا لتلقين من المحامين الذين بدا أنهم يوحون له أن هذا الإنكار قد يكون مفتاحًا للنجاة في قضية معقدة.

الإنكار إهانة للعقول والوقائع
لكن في الجهة المقابلة، يشير الصويم إلى أن أي متابع دقيق لإجراءات المحاكمة يدرك تمامًا أن القضية تتجاوز مسألة الاسم أو اللقب. “الأمر مرتبط بشهادات الشهود والضحايا الذين نجوا من المجازر الوحشية التي ارتكبها كوشيب”، وفقًا له. العديد من هؤلاء الشهود قد مثلوا أمام المحكمة الجنائية الدولية، وشهاداتهم لا تترك مجالًا للشك في أن علي كوشيب وعلي عبد الرحمن هما نفس الشخص الذي يقف اليوم أمام المحكمة. وأضاف: “الإنكار يمثل إهانة للعقول والوقائع التي لا يمكن التلاعب بها”.

الألقاب والكنيات ثقافة متجذرة
إلى جانب ذلك، لفت الصويم إلى أن المحامي لم يعطِ اهتمامًا كافيًا للسياق الثقافي في السودان، وقال لـ”العربية.نت”: “ربما لم تبحث هيئة الدفاع، وممثلوها، عن خلفيات المتهم جيدًا في السياق الثقافي السوداني–الدارفوري، أو لم يهتم محامو الدفاع بالتقصي الدقيق عن دور (الألقاب والكنيات) في البيئة السودانية–الدارفورية، العربية أو الإفريقية، وما يعنيه ذلك– لاسيما في الريف– في تمييز الأشخاص وفرزهم اجتماعيًا، وتقريبهم محبةً أو إبعادهم كرهًا، أو السمو بهم تباهيًا وتفاخرًا في مركز القبيلة، خاصة في أوقات الحروب والنزاعات.

وفي دارفور، وفي السودان عامة، لدى النساء المغنيات والحكّامات، والشعراء الحماسيين والهدايين، تتوالد الألقاب بسلاسة شعرية مدهشة، مثلما تنتجها مراتع الطفولة، ومجالس الشراب، وفي حصاد المزروعات وشتى مناحي الحياة. اللقب في السودان ودارفور، ثقافة متجذرة، وقيمة دلالية عظمى لمعرفة حجم الرجال ومقدار النساء”.

جرائم كوشيب
يشار إلى أن علي كوشيب، أحد أبرز قادة ميليشيا الجنجويد في السودان، لا يزال يُعد رمزًا لجريمة الحرب في دارفور. ففي 27 فبراير 2007، وجهت له المحكمة الجنائية الدولية تهمًا خطيرة تشمل القتل الجماعي، الاغتصاب، والنهب، وذلك في سياق الفظائع التي ارتكبت في دارفور خلال عامي 2003 و2004. هذه الجرائم التي أودت بحياة آلاف المدنيين كانت جزءًا من حملة واسعة النطاق لإخماد المقاومة في الإقليم.

وفي تطور درامي، وفي 9 يونيو 2020، أعلن كوشيب عن تسليم نفسه طوعًا إلى السلطات في جمهورية إفريقيا الوسطى، ليتم نقله إلى لاهاي حيث بدأ محاكمته في أبريل 2022. هذا التسليم المفاجئ كان بمثابة خطوة مفصلية في مسار العدالة الدولية، حيث بات كوشيب أول قائد من الجنجويد يُحاكم في محكمة لاهاي.

لكن محاكمة كوشيب ليست سوى جزء من مشهد أوسع. إلى جانبه، تلاحق المحكمة الجنائية الدولية أربعة آخرين من أبرز المسؤولين السودانيين، بينهم الرئيس المخلوع عمر البشير، ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين، وكذلك أحمد هارون وعبد الله بنده.

العربية نت


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.