زواج المسيار في الخرطوم!! حي كامل من أرقى الأحياء يحتضن المرتبطين بهذا الزواج
عاد الى السطح مرة أخرى ما يعرف بزواج (المسيار)، فلقد أودت الأنباء عن وجود حي كامل من أرقى أحياء العاصمة يحتضن بداخله لفترات محدودة من الوقت، المرتبطين بزواج المسيار، وهو صيغة للزواج موجودة في بعض دول الخليج تتنازل فيها المرأة (الزوجة) عن حقها في السكن والانجاب مقابل زوج ينفق عليها، وكانت هذه الصيغة قد انتشرت قبل حوالي عشرة أعوام في الخرطوم مع الثراء الفاحش الذي تحقق لأهل السلطة وأعضاء الحزب الحاكم، فأخذوا يعبُّون من ملذات الدنيا، ومن بينها إقتناء الزوجات بكل أنواع الزواج المعروفة من شرعي الى مسيار الى زواج متعة وغيرها!
* أذكر جيداً أن قاضية محكمة الأحوال الشخصية بالخرطوم مولانا (كوثر عوض) كانت قد أصدرت حكماً قاطعاً لا يقبل الجدل (واللولوة)، وأعادت الأمور الى نصابها الطبيعي برفض الطلب الذي تقدم به شخصان (رجل وامرأة) لإجراء عقد زواج (مسيار) تنازلت فيه المرأة عن حقها في الانجاب والسكن، وقالت مولانا كوثر إن المحكمة تتقيد بأحكام الشريعة الإسلامية، وقانون الأحوال الشخصية السوداني الذي لا يبيح زواج المسيار، وانها غير ملزمة بأي فتاوى تصدرها أية جهة من الجهات.. (انصر دينك يا كوثر)!!
* هذا الحكم الواضح والقاطع لم يضع حداً لزواج المسيار فقط، ولكنه أجهض أحلام البعض في ان يكونوا دون سواهم من خلق الله (المرجعية الدينية) لجمهورية السودان، التي ظلت منذ استقلالها ذات (مرجعية واحدة) هي الدستور والقوانين المنبثقة منه، ولم ترهن قرارها يوماً لأحد أو جهة، أو جماعة تدعي أنها صاحبة (الحل والعقد) والرأي والقرار في حياة الناس، وما يصلح لهم وما لا يصلح من أساليب حياة، ومبادئ وقواعد يهتدون بها!.
* بذلك الحكم الواضح، ظل القانون وحده ــ ولو استهان به البعض، أو لم يجد طريقه الى التطبيق لسبب أو لآخر، أو أساء البعض استخدامه ــ هو المرجعية الوحيدة لأحوال الناس الشخصية في السودان، ولم يرهن أهل السودان يوماً حياتهم لأحد، مهما كان صاحب حظوة وفضل وعلم واسع وتفقه في أمور الدين والدنيا، ولهذا ظل المجتمع السوداني رغم ما يكتنفه من صعوبات ومشاكل وأزمات، مبرأً من كل العيوب والمشاكل التي تنجم من (الطبقية) الدينية التي تضع البعض في مصاف الأنبياء والرسل وتحيطهم بهالات من القدسية، وتهبط بالبعض الى مرتبة الاتباع وتلغي عقولهم، وتحولهم الى تروس تدور أو تتوقف تبعاً لأوامر البعض وقراراتهم وفتاويهم، مثلما يحدث في العديد من المجتمعات الإسلامية التي تحيط بنا، أو التي تبعد عنا!!
* لسنا دولة مرجعيات، وإنما دولة قوانين، والقوانين وحدها هي التي تحكم وتنظم حياتنا، وليست الفتاوى والقرارات التي تصدرها الجماعات والمجالس والهيئات الفقهية، مهما كان احترامنا لها، وللنفر الكرام والعلماء الأجلاء الذين يتمتعون بعضويتها، هذا ما حكمت به، وأكدته، بدون لبس أو غموض، محكمة الخرطوم للأحوال الشخصية عندما قالت بوضوح شديد إن مرجعيتها (الشريعة الإسلامية وقانون الأحوال الشخصية، وليس الفتاوي والاجتهادات الشخصية)!!
* بهذا القرار وضعت المحكمة حداً لبعض الجهات التي ظلت تحاول سحب البساط من القوانين، واستبدالها بآرائها واجتهاداتها وفتاويها كلما سنحت لها الفرصة، والأمثلة كثيرة، على رأسها (ختان الإناث) الذي ظل الموضوع الأثير والمحبب لها، وهو في حقيقة الأمر ليس هدفاً في حد ذاته وانما لإثبات الذات، وعندما نجحت في هذا الموضوع انتقلت الى موضوع آخر، لتفرض سيطرتها وشرعيتها، ثم تنطلق منه الى الأمام لتتحكم في حياة الناس اذا تحقق لها النجاح المطلوب، فكان ما كان من أمر (زواج المسيار) الذي كان الهدف منه هو اختبار مدى تقبل الناس وانصياعهم لاجتهاداتها وقراراتها، قبل الانطلاق الى موضوعات أخرى، ولكن الهجوم الشرس والرفض الواضح من كافة قطاعات المجتمع لهذا (الزواج) الغريب.. ثم حكم المحكمة القاطع، والحيثيات الواضحة التي بررت بها هذا الحكم، أثبت أن السودانيين لا يخضعون للفتاوى التي يصدرها (فقهاء النكاح) بإيعاز من مستجدي النعمة، وإنما للإرث الفقهي العظيم الذي توارثوه كابراً عن كابراً ولتقاليدهم الصارمة التي لا تقبل التلاعب في شؤونهم الخاصة وعلى رأسها الزواج!!
* نحن شعب عميق التدين، صارم التقاليد، ونقول للذين عادوا لفرض عادات وسلوكيات غريبة علينا، بأنه لا مجال بيننا لزواج مسيار أو زواج عرفي أو زواج متعة، أو أي نوع من هذا الانحلال الخلقي الذي تشهده بعض المجتمعات من حولنا !!
المصدر : الراكوبة