يبدأ ميناء بورتسودان (شرق السودان)، غداً الأربعاء، في استقبال أول شحنة صادرات نفطية عبر خط الأنابيب الناقل للخام
من حقول دولة جنوب السودان، في خطوة رجّح مراقبون أنها تمثل بداية لخلق استقرار اقتصادي ومجتمعي للدولتين، في ظل انتعاش مرتقب للتجارة بينهما، ما يعيد للعملة المحلية عافيتها تدريجيا مقابل الدولار، كما سيزيد من العائدات المالية للجارتين.
ويمتلك السودان خطين لنقل خام النفط، الخط الأول من هجليج بولاية غرب كردفان إلى ميناء بشائر ببورتسودان، والخط الثاني من الجبلين بولاية النيل الأبيض إلى ميناء بشائر ببورتسودان.
وسيستفيد السودان من إعادة تشغيل وتصدير النفط في بنيته التحتية وتشغيل المصانع المتوقفة عن العمل، بجانب الحصول على مخزون استراتيجي يعمل على تشغيل المصافي المحلية وتشغيل أكبر عدد من العمالة خاصة وأن إعادة تأهيل آبار النفط تم بخبرات سودانية خالصة، حسب خبراء اقتصاد.
ووقعت وزارة النفط والغاز والمعادن السودانية بمقرها في الخرطوم مع الشركات العاملة في مجال النفط بدولة جنوب السودان، يوم الخميس الماضي، اتفاقية بموجبها تدفع الشركات العاملة “الهندية، الصينية، الماليزية” 14 دولارا للبرميل الواحد لحكومة الخرطوم، مقابل معالجة ونقل النفط من حقول هجليج إلى ميناء بشائر ببورتسودان عبر خط أنابيب شركة بترولاينز السودانية لخام النفط (بتكو).
ويقول الرئيس السابق للجنة الاقتصادية بالبرلمان بابكر محمد التوم لـ”العربي الجديد” إن إعادة تشغيل آبار نفط دولة جنوب السودان والبدء في صادرات النفط يعيد للأذهان القدرة الكبيرة للمهندسين السودانيين والاستفادة منهم في مجال النفط، حيث استطاع السودان أن يخلق كادرا وطنيا يستطيع استخراج الثروات النفطية وغيرها، كما يعطي إشارة لجاهزية الشركات المحلية للعمل في هذا المجال.
وحسب التوم فإن هذه الخطوة وثقت العلاقة بين جوبا والخرطوم، ما يستدعي تفعيل التعاون التجاري بما يعود بمنفعة اقتصادية مشتركة، مشيراً إلى وجود فرصة لسداد ما تبقى من أجرة عبور النفط المتأخرة على جنوب السودان، خاصة في ظل تكهنات بأن يصل إنتاج هذه الدولة الوليدة من النفط إلى مستواه السابق بحوالي 350 ألف برميل يومياً.
وطالب بالاستفادة من التعاون النفطي في تشغيل المصانع المتوقفة بالاستفادة من الخام في المصافي المحلية لتوفير وقود للزراعة والصناعة.
وحسب تقارير رسمية، تراجع انتاج النفط في السودان إلى 72 ألف برميل يومياً من مستوى 125 ألف برميل عقب انفصال جنوب السودان عام 2011، كما تراجع إنتاج دولة جنوب السودان إلى 130 ألف برميل قبل أن يرتفع إلى 160 ألف برميل بعد توقف الحرب، ويتوقع أن يتضاعف الإنتاج بعد الاتفاق النفطي الأخير بين البلدين.
ويعلق الخبير الاقتصادي محمد الناير على التطورات الأخيرة قائلا لـ”العربي الجديد” إن ما تم الإعلان عنه يشكل إضافة حقيقية للبلدين ولكنها لا تعالج القضية جذريا، متوقعاً دخول حقول انتاج النفط المتبقية والتي من خلالها سيتحصل السودان على نحو 100 مليون دولار شهرياً على الأقل من رسوم عبور نفط جنوب السودان.
وأشار إلى أن ضخ النفط وصادراته سيخفض أسعار الدولار بالسوق الموازي، لكنه يرى أن الدولة إذا لم تستفد من المناخ الحالي في تحقيق استقرار اقتصادي فإن ضخ النفط لن يكون له أثر ملحوظ، مطالبا الفريق الاقتصادي باستثمار هذا الاتفاق وتوظيف الموارد للقضاء علي الأزمات الاقتصادية التي أدت إلى ارتفاع التضخم وتفاقم المشاكل المعيشية.
ويشهد الاقتصاد السوداني ارتفاعاً قياسياً في معدل التضخم الذي بلغ وفق إحصاءات رسمية في أغسطس/ آب الماضي 66.88% من 63.94% في يوليو/ تموز السابق له. وأرجع الجهاز المركزي للإحصاء في السودان (حكومي) الارتفاع إلى صعود أسعار مجموعة الأغذية والمشروبات.
وتوقع نائب الأمين العام للغرفة التجارية سمير أحمد قاسم في حديثه لـ”العربي الجديد” أن تشهد الفترة المقبلة تحسنا في الميزان التجاري بالنسبة لدولتي السودان، واستقرارا في سوق العملة.
وقال: نعتقد أن التضخم إذا وصل إلى 50 % يعتبر خطا أحمر، فما بال الأوضاع الحالية في ظل تضخم ناهز 65 %، إلا أن دخول النفط يعد انفراجه ستساعد الحكومة على تحسين مستوى الدخل وتخفيف التضخم.
وحسب قاسم، فإن التحسن يظل مؤقتا، لكن الحل النهائي للأزمات هو استدامة الاستقرار السياسي والاقتصادي وزيادة الإنتاجية لتزيد صادرات البلاد عن وارداتها وبذلك تنتهي مسألة تفاقم التضخم.
وتوقع أن تتراجع الأسعار في حال التزمت الحكومة بتوظيف مواردها بشكل أفضل، مبينا أن تذبذب سعر الصرف سببه ارتفاع الواردات إلى 8 مليارات دولار مقابل 3 مليارات صادرات بعجز 5 مليارات دولار، الأمر الذي ترتب عليه حدوث خلل اقتصادي أثر سلبا على معيشة المواطن.
وتابع قاسم أن كل تلك التداعيات السالبة زادت من هجرة العقول التي تعتبر أهم عنصر في الاستقرار المجتمعي، مشيراً إلى أن ضخ نفط جنوب السودان سيعمل على جذب الكفاءات مرة أخرى وخفض البطالة وتقليص مستوى الفقر. ورجّح تحقيق الخرطوم عوائد بنحو ملياري دولار صادرات سنويا.
ومن جانبه، أكد أستاذ الاقتصاد، الكندي يوسف لـ”لعربي الجديد” أن دولة الجنوب تعتمد على عائدات النفط في رفد الموازنة العامة، فضلا عن عمل قطاع كبير من العمالة بمواقع النفط والآبار والاستكشافات الجديدة وعمليات التكرير والنقل إلى مواقع الاستهلاك.
أما فيما يتعلق بالسودان، فقال الكندي إن إعادة تشغيل خط الأنابيب واستغلاله يمثل تحريكا لطاقات كبيرة لعمليات التكرير والتخزين بالسودان باعتبارها أنشطة متكاملة تزيد موارد النقد الأجنبي.
وأشار إلى أن زيادة إيرادات النفط تفتح الباب لتقوية الاقتصاد السوداني ورفع الناتج المحلي الإجمالي وبالتالي يزداد نصيب الفرد ويرتفع مستواه المعيشي. وقال يوسف: كلما زاد دخل الفرد من الناتج القومي أصبح مؤشرا على قوة الاقتصاد وجاذباً للاستثمارات الأجنبية.
واستؤنف إنتاج النفط من حقول جنوب السودان المتوقفة من حقل “توما ثاوث”، بواقع 45 ألف برميل، ينساب منه في الخط الناقل إلى هجليج بعد المعالجة 20 ألف برميل نفط صاف يوميا.
وقال وزير النفط والغاز السوداني أزهري عبد القادر، في تصريحات صحافية سابقة، إنه بنهاية العام الحالي سيصل إنتاج حقول النفط المتوقفة بدولة الجنوب إلى 80 ألف برميل في اليوم بإنتاج كلي لجنوب السودان يبلغ نحو 210 آلاف برميل يوميا، بعد إضافة 130 ألف برميل عبارة عن حصيلة الحقول الأخرى المنتجة.
العربي الجديد