هل جاء دور حميدتي؟

من كان يصدِّق بعد هالة البطولة التي أسبغها النظام على موسى هلال ، أنه الآن يقبع في أحدى الزنازين

، ولا يخرج منها إلا لحضور جلسات محاكمته العسكرية ؟ . يستباح موطنه وأهله ، ويؤتى به للعاصمة وهو يرزح في الأغلال.
هي الأنظمة الدكتاتورية التي تبرع في صنع الأصنام ، وتتفنَّن في تحطيمها .ولعل الروائي ماريو برغاس يوسا ، قد تفوق على نفسه في عمله ( حفلة التيس ) إذ لم تقرأ الرواية ما يدور داخل أروقة وعقول رجال الحكم في دولة الدومينيكان فقط، في أيام الدكتاتور حكم الدكتاتور تروخييو ( 1930-1961م ) ، لكنه يحكي كذلك ، كيف تُدار الدول من قِبَل الأنظمة القمعية ، وكيف يحرِّك الرئيس رجالات الدولة كقطع الشطرنج ، يرفع من يشاء حتى يظن الشعب أنه إله ، ثم كش ملك يصرعه ، ويجعله عبرةً لغيره ، وقد يعيده إلى مسرح الأحداث متى ما أراد . قرأ يوسا في التركيبة النفسية للذين كانوا يحيطون بتروخييو ، فوجد فيهم من يؤمن به وعلى استعداد للموت فداءً له ، مع معرفته بكل الفظائع التي ظل يرتكبها الرئيس . بعضهم يهاب بطشه ، ومنهم من أحب السلطة فوجد أن مكانه الطبيعي وسط حاشيته ، وكلّهم لا يستطيعون الخروج من لعبة السلطة ، الجاذبة القاتلة . لذلك مثَّلتْ هذه الرواية سِفْر للدكتاتوريات مع إختلاف الزمان والمكان .
ما علاقة كل هذا بموسى هلال ؟ حسناً ، من يشاهد حوار محمد حمدان حميدتي بقناة سودانية 24 ، أول أمس ، يدرك أن الرجل قد سِيق إلى شَرَك ، وأن إجاباته على الأسئلة ، كانت أدلة إتهام أكثر من كونها مسوِّغات براءة . وتعبير عن تضعضع موقفه وتراجع ترتيبه في مراكز القوة بالنظام ؛ فحميدتي الذي كان في الماضي يتحدث بلهجة حامل السلاح القوي ، يهدد ويستفز ، ويتحدى ، هو اليوم يتحدث عن الإحتكام للقانون ، في سياق دفاعه عن قواته ، وأحياناً أخرى يلتف على السؤال ، ليجيب بسياسة بسمارك الخارجية ، ما قد يفيد أنه محشور في الزاوية ، وأن شعوره بالتآمر عليه وعلى قواته قد بدأ يتعاظم .
آلة النظام التي صنعت حميدتي هي ذاتها التي أنتجت موسى هلال من قبل ، ووضعت آخر الكلمات في قصته ، في هذه المرحلة على الأقل ، وخلاصة حلقة سودانية 24 تقول أن حميدتي قد قطع شوطاً كبيراً نحو نقطة النهاية .
بدأ ذلك منذ أن أصبحت قواته نظامية بموجب قانون الدعم السريع ، الذي تمت إجازته في يناير من العام الماضي ، ثم أصبح لهم مقر للقيادة بالخرطوم ، وبدلاً من المهام القتالية الصرفة ، أصبحت لهم مهامٌ أخرى وفقما تقتضي الضرورة ، وكل مكانٍ تُرسَل إليه هذه القوات ، تعود وتسبقها سيرتها في التفلت وإثارة الفوضى وأخذ القانون باليد . إبتداءً من اليمن ، مروراً بالأبيض وكسلا ، وليس انتهاءً بفوضاها الأخيرة بالخرطوم . ولعل ذلك يعود لطبيعة وظروف تكوينها؛ ستة ألف مقاتل ، كما ذكر حميدتي ، قوامها نهَّابين وقطاع طرق وتجار مخدرات ( فيما يُعرف بالتائبين ) ، ومقاتلين سابقين في الحركات المسلحة ، إضافةً لمغامرين يقاتلون من أجل المال ، في غالبهم .لا يعلمون من العسكرية سوى السلاح والعربات والقتل ، ما يجعل قوات الدعم السريع نهباً لصراعات الأجهزة الأمنية والعسكرية بالخرطوم ، وعرضةً للإضعاف بإرسالها في محارق خارج البلاد كما يحدث باليمن .
هل بدأ النظام فعلاً في التخلص من حميدتي واختراق قواته ؟ وهل سينجح في هذه المهمة ؟ هل لدى حميدتي ما يقدمه للنظام بأكثر ما قدَّم هلال ؟ وهل تجدي براغماتيته في ظل ضعف قدراته السياسية مع حيتان النظام ؟
هذا ما ستسفر عنه الأيام .
المصدر : سودان تربيون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.