ناجون يسردون تفاصيل طائرة القلابات من الإقلاع وحتى السقوط

لم يكن والي القضارف، الشيخ، المهندس، ميرغني صالح، يدري، أنَّ جولته، ليوم أمس (الأحد) على قرى الشريط الحدودي، ستكون الأخيرة له، فسرعان ما تناقلت الوسائط وسرت الأنباء، تشير إلى سقوط طائرة، الوالي ومرافقيه، في حادثة فاجعة ومؤلمة، أدت إلى وفاة الوالي، وزيره للإنتاج، ومسئول ملف الحدود بالولاية، و(4) قيادات عسكرية، بينهم مدير مكتب الوالي، الحادث الذي تابعته (التيار) من لحظاته الأولى كان بشعاً للغاية. وقال شهود عيان، إنهم تفاجأوا بسقوط الطائرة، وفقدانها للتوازن عند الهبوط، مما أدى إلى ارتطامها بالأرض واحتراقها تماماً، فينجو البعض إثر قفزهم من الطائرة قبل احتراقها، بينما لم يتمكن الآخرون، بينهم الوالي لانفجار الطائرة المحملة بوقودها.
تقرير: محمد سلمان
احتراق واستشهاد
وقال شهود عيان، إنَّ الطائرة أثناء هبوطها، ارتطمت مروحيتها بالأرض، وعد البعض أنَّ الهبوط كان خطائاً، لجهة أنه كان على بعد أمتار قليلة من نقطة تفتيش القلابات، فارتطمت مروحة الطائرة بالأرض، مما أفقد قائدها السيطرة عليها، فتدحرجت على الأرض، وتقلبت لمرتين، فغادر بعض ركابها الطائرة عبر بابها، بينما فتح أحد طاقمها، باب نجاة في أعلاها خرج به البعض، فوجدوا نفسهم سقوطاً خارج الطائرة، التي انفجرت مباشرة، انفجاراً قوياً أشعله وقودها المحملة به، فتوفي في الحال والي القضارف، ميرغني صالح، و(6) من مرافقيه، وهم : وزير الإنتاج والموارد الاقتصادية المهندس عمر محمد إبراهيم، وقائد ثاني الفرقة الثانية مشاة، العميد ركن يوسف الطيب عثمان، ونائب مدير شرطة الولاية مدير دائرة الجنائيات والأمن بشرطة القضارف العميد شرطة النور أحمد، مدير مكتب والي القضارف المقدم مجدي حسن النور، وقائد ثاني الاستخبارات بالقضارف الرائد محي الدين الريح، ومسئول ملف الحدود بالولاية، صلاح الخبير. وذكر شهود عيان لـ(التيار) أن الجثث تفحمت تماماً، وتم نقلها لمستشفى القضارف، عصر أمس للتعرف عليها بالمشرحة، إلا أن العملية فشلت، فتقرر دفنهم جميعاً بمقابر الجيش بالقضارف، صباح اليوم، الاثنين.
الناجون يتحدثون
نجا من الحادثة مدير جهاز الأمن والمخابرات بالولاية، عميد أمن عبد الرحمن الحاج، ومدير إعلام الوالي، الطيب أحمد الشريف، معتمد محلية باسندا، اللواء معاش محمد أحمد حسن “ود الشواك”، مدير شرطة مكافحة التهريب عقيد شرطة، الطيب محمد هاشم، مدير جمارك الولاية، عقيد شرطة، عبد الوهاب موسى، مدير جمارك القلابات، عقيد شرطة فكي عبد الله محمد، مدير المراسم، عبد القادر الطاهر، حرس الوالي، نجم الدين الزبير، قائد الطائرة، عميد معاش عبده اللطيف، نقيب شرطة أحمد عبده محمد، ملازم أول، مصعب إدريس، مساعد صلاح جمعة، رقيب أول استخبارات، هاشم الطاهر، والمواطن المزارع، أحمد عبد الرحيم العوض. وقال مدير إعلام الوالي – أحد الناجين- لـ(التيار) أمس :” كنت في آخر الطائرة، ومع أول ارتطام لها بعد أن انقلبت وتدحرجت وجد نفسي في (كابينة) الطائرة ومقدمتها مع الكابتن، كان أحد طاقمها ملازماً على الأرض طلب مني أن أرفعه ففعلت ففتح باب نجاة في أعلى الطائرة، ودفعني خارجها، وخرج هو من خلفي، وسقطنا أرضاً، بعدها احترقت الطائرة واشتعلت بقوة ولم يستطع أحد أن يقترب منها”، وذكر شرفي أنه عند سقوطه وجد كثيرين قد خرجوا عبر بابها، وكانوا ملقيين على الأرض، في مساحات متباعدة بعضهم عن بعض.
مسار الطائرة
روى الطيب الشريف، أنهم تحركوا من القضارف في تمام الساعة الثامنة والثلث صباحاً، فقاموا بجولة بالطائرة استمرت لمدة (ساعتين) شملت جميع قرى الشريط الحدودي بمحليات الفشقة والقلابات وباسندا والقريشة، فكان الطواف “جواً” حول قرى (الهشابة، القضيمة، بركة نورين، ودكولي، أم دبلو، اللقدي، الأسرا وغيرها) حيث وقف الوالي ووفده على القرى الحدودية، ومعسكرات الجيش بكل من (الأسرة – الأنفال – جزيرة الدود)، وكان برنامج الوفد زيارة قصيرة لمدينة القلابات ومن ثم مواصلة الرحلة لمحلية القريشة، التي كان ينتظرهم فيها معتمدها، عقيد أمن، عبد السميع دفع الله، بوجبة الإفطار، ومن ثم بدء الجولة بمحليته، لكن شاءت الأقدار ألا يكمل والي القضارف ووفده جولته، فتكون القلابات هي آخر محطاتهم في الحياة، وقال الشريف، إن الوالي صالح كان ممسكاً بـ”سبحته” منذ تحرك الطائرة وحتى تحطمها واستشهاده.
تصاريف أقدار:
شاءت تصاريف الأقدار، أن يكون رحيل والي القضارف، بنفس الطريقة التي رحل بها عن الدنيا شقيقه العالم، دكتور محمد صالح سيد أحمد، الشهير بـ”زيادة”، حيث أن وفاة الشقيقين كانت عبر حوادث الطيران، ففي فجر الخميس (19 – مايو – 2016) تحركت الطائرة من طراز (أيرباص إيه.320)، تتبع لشركة “مصر للطيران” من باريس في طريقها للقاهرة، لتسقط وتتحطم في البحر المتوسط ، وعلى متنها 66 شخصاً، بعد دخولها المجال الجوي المصري بـ(10) أميال، فتوفي جميع ركابها وطاقمها، بينهم العالم السوداني، شقيق الوالي الراحل، الدكتور محمد صالح زيادة! الذي كان يعمل بمنظمة اليونسكو بفرنسا، وكان العالم السوداني زيادة في طريقه إلى مسقط رأسه جزيرة “بنا” بدنقلا لتلقي العزاء في وفاة والدته، لكن شاءت الأقدار أن يلحق بوالدته بعد أيام قليلة من رحيلها! وتدور عجلة الأيام، وشاءت الأقدار أن يرحل والي القضارف، عن الدنيا بحادثة طيران، بنفس طريقة شقيقه! وأيضاً كان الحادث صباحاً أمس الأحد، حيث تحركت بهم الطائرة في الصباح الباكر أمس، في جولة للوالي للمحليات الحدودية بولايته، لتحترق وتسقط أمس بمنطقة القلابات بالقضارف، ويفصل بين القلابات والبحر المتوسط مئات الأميال، لكن الفقد (واحد) والحادث شبيه، والأسرة تفقد أيضاً أحد فلذاتها وركائزها، ومن المفارقات أن صالحاً وشقيقه، الاثنان معاً لم يتم دفنهما بمسقط رأسهما جزيرة (بنا) رغم ارتباطهما بها.
حوادث طيران بالقضارف:
وشهدت البلاد خلال الآونة الأخيرة العديد من حوادث الطيران، راح إثرها العديد من الضحايا، وفي القضارف، كانت أبرز حوادث الطيران، قبل “ست” سنوات من الآن في (فبراير -2012)، حيث تحطمت طائرة كانت تقل وزير الزراعة الأسبق، دكتور عبد الحليم المتعافي، ومرافقيه إثر انحرافها بمطار الفاو بولاية القضارف، وأسفر الحادث عن استشهاد عدد من ركاب الطائرة بينما نجا المتعافي، وبعض مرافقيه، حيث استشهد في الحادثة كل من، البروفيسور الطاهر الصديق مدير هيئة البحوث الزراعية بود مدني، وعيسى الرشيد الناطق الرسمي باسم وزارة الزراعة الاتحادية، ومهندس جوي محمد علي، وكانت الطائرة تتبع لشركة “الراية الخضراء”، وفي (مارس – 2015) بالقضارف أيضاً، سقطت طائرة الوفد الإعلامي المرافق لرئيس الجمهورية، المشير عمر البشير، إبان تدشين حملته الانتخابية، حيث نجا الأمين السياسي لحزب المؤتمر الوطني، وقتها، المسئول التنظيمي حالياً، وزير ديوان الحكم الاتحادي، حامد ممتاز، والوفد المرافق له من الإعلاميين والصحفيين، بينهم المستشار الإعلامي الأسبق، لرئيس الجمهورية محمد حاتم سليمان، نجوا من الموت المحقق إثر سقوط المروحية، في إحدى المنازل بقرية “الشميلاب” على بعد 5 كيلو مترات من مدينة القضارف، بعد اصطدامها بعمود كهربائي أثناء محاولاتها
الهبوط بالقرية! للحاق بوفد رئيس الجمهورية الذي وصل للقرية لتلبية دعوة وجبة الإفطار من إحدى أعيان القرية فسقطت الطائرة في إحدى القطاطي لكن المنزل خلا من ساكنيه فلم تحترق الطائرة، و تم إجلاء الركاب من الطائرة فور سقوطها .
سيرة ذاتية
أبصر ميرغني صالح النور في العام 1954م، بجزيرة “بنا” إحدى ضواحي دنقلا بالولاية الشمالية، وتلقى تعليمه الأولي والثانوي بها، ومن ثم اتجه صوب مصر التي أكمل دراسته الجامعية بها في جامعة “الزقازيق” كلية الزراعة، وتخصص في الهندسة الزراعية، كما حفظ القرآن الكريم في نضارة شبابه، في خلاوي جدوده الأدارسة، وتقلد صالح منصب رئيس
المجلس التشريعي بالولاية الشمالية في دورتين، ثم تقلد بعدها منصب الوالي من العام ( 2005 -2008)م إلى أن عين والياً للقضارف في (مايو – 2015)م، وعرف صالح بـ”الانضباط الشديد” و”النزاهة” و”طيب الخلق” وقوة الشخصية، وانحيازه لحقوق العامة، كما برز ذلك في قضية سد مروي، حيث وقف صالح بشدة في مواجهة إدارة السدود مناهضاً قرارها بمصادرة أراضي الولاية، ودفع ثمن موقفه بمغادرة منصب الوالي. ويعرف صالح بالاتزان والصبر وقوة الشكيمة.
تعيين وغياب أخير
عين ميرغني صالح سيد أحمد والياً للقضارف في (7 – يونيو -2015)م، ضمن مرسوم جمهوري، أصدره الرئيس البشير عين بموجبه ولاة الولايات، عقب انتخابات العام (2015)، ووصل صالح لمدينة القضارف، في (13 – يونيو -2015)، بعد “ستة” أيام من تعيينه، واستقبل استقبالات حاشدة، من شعبيين ورسميين، وذبحت له “النياق” عند مدخل مدينة القضارف، حفاوة وترحيباً به، وأبدى أهل القضارف تفاؤلا كبيرا بالوالي صالح لدى تعيينه خاصة بعدما سبقته سيرة ذاتية “نضرة”، عرف فيها بـ”الزهد” والأدب والورع والتقوى، ونظافة اليد، وكان صالح قد قال لدى حفل استقباله في ذلك اليوم :”أن مشروع الحل الجذري لمياه القضارف من خزان سيتيت سوف يكون في مقدمة أولوياته”، وبالفعل بذل الرجل جهوداً منقطعة النظير في مشروع مياه القضارف، وحوله من حلم ودراسات إلى أعمال تجري على أرض الواقع! ولكن تشي الأقدار ألا يهنأ الرجل بمشروع منحه معظم وقته وجهده، ولا ينسىى أهل القضارف للرجل أنه أبدى اهتماماً بالعملية الزراعية بالولاية، واستخدام التقانات والميكنة الزراعية فيها لتقليل كلفة الإنتاج والارتقاء بها، بجانب جهوده في التنمية وتعزيز الأمن، وبسط سيادة الدولة. ويمثل ميرغني صالح الوالي رقم (8) من بين الولاة الذين تعاقبوا على ولاية القضارف، في عهد حكومة الإنقاذ، وهم الشريف أحمد عمر بدر، الفقيد د. إبراهيم عبيد الله، البروفسير الأمين دفع الله، د. عبد الرحمن الخضر، ثم أبناء الولاية الضو حسن الفكي، وكرم الله عباس الشيخ، والضو الماحي، على التوالي، وقضى صالح بالقضارف نحو “ثلاث” سنوات، و”ستة” أشهر، قبل أن يغيبه الموت صباح الأمس.
تشييع اليوم:
وهزت الحادثة ولاية القضارف، وهرع مواطنوها لإلقاء النظرة الأخيرة على الشهداء ومواساة المصابين، لكن الأقدار كانت أكبر من ذلك، فصعب التعرف على الجثث، وكانت أسرة والي القضارف ميرغني صالح ترغب في دفنه خارج أرضه، لكن عدم التعرف على الجثة لم يمكنهم من تلك الرغبة فتقرر دفنه ومن معه بمستشفى الجيش اليوم الاثنين، بحضور النائب الأول لرئيس الجمهورية، الفريق الركن بكري حسن صالح، وعدد من ولاة الولايات، ووزراء دولة، ومدير صندوق إعادة بناء وتنمية الشرق، مهندس أبوعبيدة دج، وقيادات عسكرية وأمنية رفيعة.وسيصلي على الشهداء في الساعة الثامنة من صباح اليوم بميدان الحرية بوسط سوق القضارف، وتشيع جثامينهم لتوارى الثرى بمقابر الجيش بحي الثورة بالقضارف.
التيار