قِيمْتَك كَمْ يَا مُواطِن..؟!

قِيمْتَك كَمْ يَا مُواطِن..؟!
رئيس تحرير صحيفة التيار- عثمان ميرغني
لَيست هذه دعوة للإتجار بالبشر.. لكنّي اسألك أنت، كم تُساوي قيمتك؟ بالجنيه أو الدولار.. طبعاً السؤال يبدو من الصراحة بدرجة وقاحة.. لكن لتخفيف الأثر النفسي من ربط السعر بالعُملة لقيمة المُواطن، أرجو أن تُعيد قراءة السُّؤال لكن بصيغةٍ جديدةٍ.. هل للمُواطن قيمةٌ محسوسةٌ؟ كإحساسنا بقيمة الأشياء نقداً بالجنيه أو الدولار؟.
بصراحة؛ غياب هذا السُّؤال عن خاطرنا الخاص والعام هو السّبب في تدني العائد من المُواطن.. فيصبح الـ(30) مليون سوداني وسودانية داخل وخارج الوطن هُـــــم مُجَرّد أرقام إحصاء.. أو بطاقات شخصية أو جوازات سفر.. لا حاجة لقياس العائد من المُواطن لندرك قيمته الحَقيقيّة في ميزان الوَطَــن.
حسناً، سأُحاول استخدام القياس المهني المُرتبط بطبيعة العمل الذي يحترفه المُواطن، مثلاً، الأستاذ الجامعي كم تبلغ قيمته – بالدولار- في ميزان الوطن؟ ما هو العائد من عمله لصالح الوطن (بالقيمة المالية المُباشرة)؟
الإجابة بالطبع ستتطلّب أسئلةً أُخرى فرعيةً.. التّخصُّص؟ المُؤهِّل؟ الكفاءة؟ الخِبرة؟ قُدراته الشخصية؟ إلى آخر المزايا التي تُفاضل بين الأساتذة الجامعيين.. فيكون سعر الأستاذ (س) ألف دولار فقط، وآخر خمسة آلاف.. وثالث مليون.. وعاشر لا يُقدّر بثمنٍ فهو أقصى المتاح، مليار دولار.
تقدير (المُواطن السُّوداني) نقداً، لا أقصد منه تبخيس الإنسان وتحويله إلى رقمٍ مالي، لكنّي أرسم من خلاله المطلوب لإعلاء قيمة المُواطن.. فدولة مثل الفلبين لا تملك موارد طَبيعيّة أو ثروات غير مُواطنها.. فتبذل جهداً كبيراً في ترفيع القيمة الاحترافية للمُواطن فتصبح – مثلاً – المُمرِّضة الفلبينية في الصدارة عالمياً، فتُصدِّر الفلبين لكل العالم ممرضات من الدرجة المُمتازة لدرجة أنّ ولاية كاليفورنيا الأمريكية وحدها تُشكِّل الممرضات الفلبينيات 20% من عدد الممرضات عموماً.. علماً بأنّ مُتوسِّط دخل المُمرضة حوالي (70) ألف دولار سنوياً.
بحساب بسيط؛ يصدم شُعورنا الوطني أن تكون المُمرضات الفلبينيات في ولاية كاليفورنيا وحدها أضعاف قيمة كل هيئات التدريس في جميع الجامعات السُّودانية.. وطبعاً اخترت القياس بالأستاذ الجامعي لظني أنّه الأغلى كلفَـةً وتأهِيلاً.
بهذا المنطق، فإنّ ما تنفقه الدولة في بناء إنسانها من المَهد إلى اللّحد هو العامل الأكبر في تحديد (قيمة) إنسانها.. والعائد المادي المحسوس منه.
لاعب كرة واحد، مثل “ميسي” العائد المادي منه يفوق ربما كل العاملين في التعليم العام من مرحلة الروضة إلى الثانوي في المدارس الخاصة والحكومية كافّة.. بمعنى أنّ ما يقبضه كل هؤلاء المعلمين من أُجورٍ لا يقترب من نصف ما يناله “ميسي”.
وهنا يبرز السُّؤال الطبيعي.. ما المطلوب لزيادة القيمة المادية لإنساننا السُّوداني؟
طبعاً الإجابة السّهلة البديهيّة ستختصرها كلمةٌ واحدةٌ (التعليم).. وهنا وجه الخلل الكبير الذي نقبع في قاعه المُحبط.
التعليم؛ سادتي كلمةٌ مُبهمةٌ لا تعني شيئاً طالما أنّ القرد في السيرك يستطيع بقليلٍ من مجهود مُدرِّبه أن (يتعلّم) ويُمتِّع المُتفرِّجين ويجلب المال لصاحب السيرك.
الإجابة يجب أن تكون في ترفيع (الغاية من التعليم).. هل نبحث عن خريجين يحملون شهادات مختومة وعليها درجات؟ هذا سَهْلٌ (لا تحتاج إلى بطلٍ) على رأي الجنرال الأمريكي “شوارزكوف”.. فلا حاجة لوزارة تعليم ولا يحزنون.. يكفي أن نعلن عن عطاءٍ سنوي لتخريج مائة ألف من مُختلف التّخصُّصات، وتتنافس الشركات ونرسي العطاء على الفائزة ونستلم منها العدد المطلوب من الخريجين.. مثل هذا الحساب الكمي للخريجين هو سبب مَأساة ضعف العائد من المُواطن السُّوداني.
نحن في حاجةٍ مَاسّةٍ لتغيير (فلسفة) التعليم.. الرؤية التي يقوم عليها كامل العَمليّة التّعليميّة من المَهد إلى اللّحد لتصيح مُرتبطة بالعائد من المُواطن.. ولا أقصد هنا – طبعاً – القياس المادي المُباشر، بل المعيار الحقيقي من واقع ترفيع إحساس المُواطن بقيمته العملية ليتحوّل هذا المعيار لعائدٍ محسوسٍ على المستوى الخاص والعام معاً.
ومن هنا نبدأ.. بناء الإنسان السُّوداني..



