عمر البشير و فكرة اللي تعرفه خير من الذي لا تعرفه…احمد الحباسي

عندما اندلعت الثورة التونسية و ربما قبلها بسنوات كان هناك من الكتاب العرب و لا يزال من يسوق لفكرة تقول ” اللي تعرفوا خير من اللي ما تعرفوش ” ، فكرة تريد من الشعوب العربية أن تبقى على الحال السوء من الفساد و الرشوة و بيع الأوطان و تفشى البطالة و سوء الحالة الاقتصادية و انعدام الديمقراطية و هي دعوة مبطنة فيها كثير من خطاب التحذير و التهديد للصبر على السائد بدل السقوط في المجهول ، هؤلاء الكتاب العرب الكبار كانوا يخدمون السلطة القائمة و يوجهون الرأي العام في اتجاه معاكس لبيت شعر شاعرنا العظيم المرحوم أبو القاسم الشابى” و من لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر ” ، لو عدنا إلى سنوات لوجدنا كثيرا من هذه المقالات المحبطة و لعل المثير أن هؤلاء الكتاب هم أنفسهم من تنصلوا منها و باتوا يقودون الرأي العام اليوم بعد حصول التغيير في تونس و مصر و اليمن .
نظرية الإبقاء على ما كان هي التي نسمعها اليوم من نفس كتاب البلاط و الحاشية في السودان و في كل دول الخليج و في حين خرج علينا الأكاديمي البريطاني تشارلز تريب بكتابه الشهير ” السلطة و الشعب ” و فيه يرصد للمتابعين المقموعين العرب الطريق لكيفية إسقاط الأنظمة القمعية و خلخلتها لا يزال هناك في المشرق و المغرب من يطلق محاولات بائسة في تصوير المستقبل الحالك الذي ينتظر الشعوب العربية إن ظهر إليها الخروج للشارع لإيقاد لهيب الثورات و الانقلاب على النظم الحاكمة الفاسدة ملوحين بأن مثل هذه التصرفات هي من ستعيد الاستعمار و تمكنه مجددا من التحكم في ثروات الدول و اختراق ” استقلالها ” ، بطبيعة الحال ما قيل و سيقال كاذب لان التجربة الثورية التونسية بالذات قد كشفت للمتابعين حجم الخرافة و الأراجيف التي حاولت الأنظمة العربية ترسيخها في النفوس بكل الأساليب البوليسية و القضائية و الإعلامية لوئد كل رغبة في التغيير إلى الأفضل .
في نطاق حرب الأراجيف و في سبيل بث الخوف و إبقاء الوضع المتعفن في السودان خرج علينا رئيس المخابرات في هذا البلد المنتهك و المنهوك بتصريح يقول أن هناك خمسة جيوش تنتظر لحظة الصفر لإسقاط النظام ، النكتة ” كبيرة ” و مثيرة للاستهزاء أكثر من الضحك خاصة أنها تصدر من رئيس جهاز استخبارات يتحدث الجميع عن ضرورة محاكمته بسبب تصرفاته البوليسية القمعية التي زادت من منسوب الاحتقان لدى الطبقات الشعبية التي فقرها النظام ، لذلك تجاهل أهل السودان الغاضبين مثل هذا التعليق و فيهم من تساءل بعفوية و حسن نية معروفة عندهم : هل بلغ الغباء السياسي بالنظام أن يلتجئ إلى مثل هذا الأسلوب الرخيص في إطلاق الشائعات البليدة المملة أم أن مخابراته قد أفلست حتى تطلق مثل هذه الأراجيف الساقطة ، ثم ما هوية هذه الجيوش و هل أصبح النظام مهددا في وجوده من كل دول الجوار بل لماذا لم تتحدث أجهزة المخابرات الأجنبية و طائرات الأواكس و الأقمار الصناعية عن تحركات هذه الجيوش و فشلت في كشفها في الوقت المناسب.
لقد كان على الرئيس البشير أن يخرج من الباب الكبير تماما كما فعل المشير عبد الرحمان سوار الذهب سنة 1986 حين سلم السلطة حسب الوعد الذي قطعه على نفسه قبل سنة من تلك الواقعة المشرفة خلافا للرئيس الحالي الذي وعد بالتخلي سنة 2015 ، لقد كان من الممكن أن تمضى الحياة السياسية و الاقتصادية و الأمنية بصورة أفضل دون حكم البشير بل لقد كان ممكنا أن يتحول هذا البلد من مساحة صراعات دموية إلى مساحة خضراء منتجة تمون كل الدول العربية لولا تمسك الرجل بعصا السلطة التي يلوحها على الشعب في كل مقابلة أو مناسبة من باب بث الرهبة في النفوس و لولا سعى بطانته الفاسدة و إعلامه الفاقد للشرف المهني لإبقاء الوضع على ما هو عليه من تعفن و إحباط و نذر شؤم على السودان لتغير الحال و تنفست أرض السودان و لم يرق فيها دماء الشرفاء على يد استخبارات النظام .
آخر الاخبار



