اما قبل – الصادق الرزيقى – حُمّى المبادرات..!

شهِدنا قبل يومين بـ(طيبة برس) طرَفاً من حلقة مُدارسة ونقاش (مائدة مستديرة)، حول المُبادرات السياسية التي ملأت الساحة السياسية، وربما لم تُشغل الناس كثيراً، لكنها مع ذلك جهدٌ جيّد، وعملٌ له قيمته في مثل هذه الأجواء المُلبّدة بالغيم والدخان، جُل المُبادرات المطروحة تدور وتُحلِّق حول قضايا شملها رئيس الجمهورية في مُبادرته التي قدّمها في خطابه مساء 22 فبراير المنصرم.
ومن الخطأ إهمال بعض، أو بالأحرى التقليل من الآراء النيّرة التي يصوغها أصحابها في مُبادراتهم، لكن الصحيح الذي لابد أن يُقال، هو عدم وجود أية مُبادرة عمَلية قابِلة للتطبيق في ما سمعناه بمائدة “طيبة برس” من أقوال المُبادِرين وأطروحاتهم والمتحدّثين، تذهب في تكرارٍ دائريٍّ للمعلوم بالضرورة في حياتنا السياسية
الراهنة وتقلُّباتها، فهي إما مُبادرات رافِضة للسلطة القائمة ولا تقبل بها وإن كانت مُبرَّأة من كل عيب، ولا تُريد أن تراها قائمة وتتمنَّى زوالها اليوم قبل الغد، والبعض الآخر آراء سياسية قابِلة للتأويل لا تقطع بموقِف مُحدَّد وتفيد بما لا يلزم..
من واجب القوى الحزبية والتنظيمات السياسية والشخصيات من ذوي الحيثيات الوطنية، طرح مُبادرات الحل زرافات أو فُرادى، لكن هل كل ما يُطرح قابِل للنقاش ومُستوجِب للتحاوُر..؟ مع ملاحظة أن الفراغ السياسي الذي خلّفته الأحزاب والقوى الحزبية الحيّة ترك المجالَ لتبيض وتفرّخ فيه بعض المُسميّات واللافتات والواجهات غير ذات الوزن، ما يحلو لها من أفكار وآراء غير مفحوصة ولا تقف على رِجليْن، فهناك الكثير غير الواقعي مما سُمع، وهناك تلخيصات يبرَع أصحابها في سردِها بلا طائل دون أن يكون هناك اجتهاد وقدح ذهني تتفتّق به عقليّات سياسية قادِرة على توليد الحلول المُمكِنة لما تعيشه البلاد.
يفترِض بعض أصحاب المُبادرات أن يقبل الطرف الحكومي فقط بما يطرحونه من آراء وتصوّرات مع التغافُل المُتعمّد عن الأطراف الأخرى التي تقِف على الضفة المُقابِلة، وهذه قسمة ضِيزَى ..لا قيمة لمُبادرة تُوجَّه لطرف واحد دون الآخرين، وإلا فهي ليست صيغة مناسِبة للحل، وكثير من الآراء المطروحة هي في الأصل تعليقات وتحليلات سياسية وآراء شخصية لا تُقدّم مقترحات وحلولاً بديلة.
هنا مُكمَن العطب في ما يُثار هذه الأيام.. ومع ذلك، يُمكِن البحث عن مُتواليات تُسهم في هندسة مُبادرة شامِلة لو تمَّ الاجتهاد في بلورِتها بصورة أفضل.
ما يُمكن أن يكون مقبولاً من المُبادرات المطروحة الآن، هو نشدانُها الاتفاق على ضرورة الأخذ بمبدأ الحوار والاعتراف بأهمية الحلول المُتكامِلة وليست المجزَّأة أو المُتعسّفة كما يطرح بعض المُنتسِبين إلى تيار
المعارضة خاصة اليسار، ولا تصلح أي مبادرة إلا في حالة الابتعاد عن ما يزيد من الشقاق السياسي ويُعمّق النفور الوجداني بين السودانيين، ففي خطاب المعارضة أو بعض ما يُطرَح من أصحاب المُبادرات الفردية أو الجماعية ما يزيد من غلواء التطرّف والمراهنة على الحل غير المُتّفق عليه من الجميع. فحتى تكون الآراء والمُبادرات ذات جدوى وثمار مُستَساغة، يجب أن تُقدَّم في أطُر وقوالب مُتَّفق عليها وتقوم على أسس سليمة وتصلُح للتداوُل والأخذ والرد..
من السابق لأوانه، تناوُل المُبادرات المطروحة من الأشخاص أو الكيانات الحزبية على أنها طوق نجاة، ومن غير المُحتَمل اعتبارها حلولاً خاصة إذا لم تتضمّن الضمانات الكافية لقبولها سواء من الحُكم أو المعارضة، فأهل الحُكم لديهم مُبادرة الرئيس وقراراته ويرونها كافية لمُعالجة التأزُّم السياسي الحادِث، والمُعارضة لا ترى في ما طرحه الرئيس سوى تكريسٍ لما هو قائم برغم ما دفعه الرئيس في خطابه من ثمنٍ غالٍ لا يُناسب ما كان يجري من احتجاجات محدودة.
الصيحه



