زهير السراج : خياران .. لا ثالث لهما !!

* ظللت ادعو في الأيام الماضية قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكرى لتقديم تنازلات للوصول الى اتفاق معقول، بسبب ظروف البلاد وتعقيدات الوضع الامنى، والضعف الذى أصاب القوات المسلحة خلال العهد السابق مما يجعلها (غير قادرة) على فرض سيطرتها على بعض التنظيمات العسكرية (مثل قوات الدعم السريع) التى لا تأخذ أوامرها من القيادة العامة للقوات المسلحة وﻻ تتبع لها اداريا، وإنما لرئيس الجمهورية مباشرة، حسب الدستور (المجمد)!!

 

* عند ما وقع الانقلاب تحت ضغط الثورة الشعبية، جاء في البيان الاول لوزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة ان (اللجنة الأمنية العليا) التى تضم في عضويتها القائد العام للجيش وقائد قوات الدعم السريع ومدير جهاز الامن، (قررتْ إقتلاع الرئيس المخلوع)، وهو أمر يحدث لأول مرة في السودان، إذ ان القرار كان دائما فى يد الجيش وحده، ما عدا هذه المرة التى كان فيها بيد الجيش بمشاركة قوى أخرى !!

 

* السبب في ذلك هو ضعف الجيش لما لحقه من تدمير خلال الحقبة السابقة، وإنشاء قوات موازية له ومستقلة عنه مثل قوات الدعم السريع التى رفض قائدها (حميدتى) ان يتبع لقيادة الجيش عندما كان النظام المخلوع يبحث عن تأطير دستورى وقانونى لها تحت ضغط (قوى أجنبية) كانت ترغب في التعاون معها (مثل الإتحاد الأوروبى) ولكنها تخشى غضب المنظمات العالمية لعدم وجود وضع قانونى لها، فاضطر النظام لتقنين وضع دستورى لها يضعها مباشرة تحت إمرة رئيس الجمهورية بدلا عن القائد العام للجيش، وكلنا نذكر قول قائدها في لقاء تلفزيونى إنه ووزير الدفاع والقائد العام للجيش (في سرّج واحد)!!

* خلق هذا التقنين الدستورى الشاذ وضعا عسكريا وأمنيا معقدا في البلاد، إزداد تعقيدا بعد خلع رئيس النظام وتعليق الدستور وعدم صدور أمر دستورى من المجلس العسكرى يوضح الوضع القانونى لهذه القوات، ولمن تتبع، وممن تأخذ أوامرها، بالاضافة الى سيطرتها المطلقة على الشارع والقبول الذى وجدته من الثوار لموقفها الايجابى من الثورة، مما استدعى وجودها ضمن المعادلة السياسية، وكسب ودها، خاصة مع وجود قوة ثالثة لا يثق فيها الشعب (جهاز الأمن) تتمتع بتسليح ضخم وسلطات تنفيذية واسعة، ومليشيات مسلحة (خفية) تابعة لحزب المؤتمر الوطنى ربما تقوم بتحرك مضاد يتطلب وجود قوة عسكرية تتميز بسرعة اتخاذ القرار وسهولة الحركة لمواجهتها إذا لزم الأمر !!

 

* نتج عن ذلك نشوء وضع خاص لقوات الدعم السريع وقائدها في المشهد السياسى، لا يمكن لأحد أن يتجاهله أو ينكره ـ رغم آحادية تكوينها ورفض الكثيرين لها ــ وكان من الطبيعى ان يطالب كثيرون بتقديم بعض التنازلات للمجلس العسكرى الذى هى مكون اساسى له للوصول الى صيغة حكم خلال الفترة الانتقالية تكون مقبولة للجميع!!

* غير أن إصرار المجلس العسكرى على مواقفه المتشددة، وتهديدات (حميدتى) الأخيرة تظهر بوضوح أن هنالك من يريد ان يتحكم فى البلاد، اما لانه يرى انه صاحب القوة والسلاح يستطيع ان يفعل بهما ما يشاء، او بتحريض خارجى لا يريد للسودان ان يشهد حكما مدنيا ديمقراطيا، وهى تصرفات لا تنذر بخير، ولا تترك للشعب سوى خيارين: إما دولة مدنية ديمقراطية كاملة، او اللحاق بركب الشهداء.

الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.