احذروا هذه الشخصية: محتالون في شوارع الخرطوم.. مجرمون أم مرضى
تعددت أنواع الاحتيال في بلدٍ اختلط فيه الحابل بالنابل، يخطط المحتالون بذكاء خارق وأساليب تموه العقول حتى ينفذوا من خلالهم أفكارهم الشيطانية، وكأنهم يمتلكون السحر في إيقاع ضحاياهم في ما خططوا له، بكل يُسر.
سايكولوجيا الاحتيال:
يُعد الاحتيال من الناحية النفسية واحداً من مظاهر تدهور الشخصية وانحطاط القيم والمثل وتنفيساً عن رغبات نفسية سالبة يكون محركها الأساسي هو الشخصيات المضطربة التي لا تؤمن بالقيم المجتمعية خلال تعاملها اليومي مع الآخرين. بهذه المداخلة ابتدر البروفيسور (علي بلدو) مستشار الطب النفسي والعصبي وأستاذ الصحة النفسية حديثه حول الموضوع، واصفاً المحتال بأنه شخص معقد التكوين فاقداً للشعور بالثقة، ويعتمد على الآخرين في توفير الأمان النفسي، كما أنه يعاني من صراعات عميقة على مستوى العقل التناظري ومستوى الاستتباب العقلي والتقابل السمبتاوي ومستوى استثارة الخلايا العصبية ودرجة إفراز النواقل العصبية ذات التأثير البيوكيميائي على العقل ما يحفز ظهور السلوك الاحتيالي والنصب ويعزز الجشع والطمع والرغبة في التشفي والانتقام، وهذه تعد نوازع أساسية في تحريك هذا النوع من المجرمين لإلحاق الأذى بأكبر شريحة من المجتمع بكل طبقاته داخل حدوده الجغرافية والزمانية.
أنا وصاحبتي أكلنا المقلب:
بينما كنا – كعادتنا – نتجاذب حديثاً لا يخلو من السخرية والفكاهة قطعه علينا رجل أربعيني كما يبدو عليه، فبعد أن حيانا بأدب واحترام، طلب منا (5) جنيهات، معللاً ذلك بأن جزلانه سُرق، فرقت قلوبنا لحالته ونال منا أكثر مما طلب، ولم نكن نعلم بأننا (أكلنا المقلب). شاءت الظروف وجمعتني مرة أخرى معه، استوقفني كعادته ولكن (قَطَعَتْ جَهِيْزَةُ قَوْلَ كُلِّ خَطِيْبٍ)، عندما سمعتُ احدهم ينبهني: “يا أخت الزول ده محتال ما تديهو قروش”. فوراً أسعفتني ذاكرتي فاستدركت (المقلب)، امتزج في داخلي الأمل بالإحباط، واقشعر بدني لأمثال هؤلاء وكأنهم يرددون كالباعة المتجولين (مشاعر للبيع.. مشاعر للبيع).
احذروا هذه الشخصية
كنت أقطن جوار أشهر محلات الآيسكريم، فإذا بالرجل ذاته يقصدني وكأن ليس غيري في هذا البلد، اختلف سلوكه هذه المرة فبدا واثقاً من نفسه مرفوع الرأس، دعاني ببجاحة لتناول الآيسكريم، تملكتني الحيرة والغيظ في آن. وقلت له: “إنت ما بتخجل؟ بالنهار كاتل حيلك تشحد، وبالليل آخر قشرة وتعزم للآيسكريم؟.. والله عجائب”، فما كان منه إلا أن صب علي حزمة من الشتائم. تلك هي الشخصية السايكوباتية التي نبهنا إليها الدكتور علي بلدو في حديثه لـ (اليوم التالي) عن أنواع الشخصيات قائلاً: (احذروا هذه الشخصية) وتتميز هذه الشخصية بحب الظهور والسحر الأخاذ والجاذبية الطاغية والرومانسية المفرطة والقدرة على الإقناع، وإجادة اللعب على الأوتار الدينية والعاطفية للإيقاع بالضحايا لدرجة أنه يحتالون على الناس وهم يبكون تأثراً وتعاطفاً، كما تتميز هذه الشخصية بعدم الشعور بالذنب والقدرة على اقتراف الجرائم والاحتيالات حتى داخل السجن. إنها شخصية اعتادت الإجرام ولا تستطيع تركه بسهولة.
انتحار ضحايا الاحتيال
أشار بلدو إلى الآثار الإجتماعية والنفسية على ضحايا الاحتيال، يفقدون الثقة والمصداقية ويشعرون بالخوف وعدم التعامل مع الآخرين وسوء الظن بنواياهم، وكذلك عدم الحماس لقيم الشهامة والمروءة والكرم، الأمر الذي يجعلنا نطلق أحكام عامة على الآخرين بأنهم محتالون، حتى وإن لم يكونوا كذلك، وكما أن الاحتيال يؤدي إلى إشكالات اجتماعية واقتصادية منها النزاعات الأسرية والمشاجرات والمشاحنات بين الأفراد جنباً إلى جنب مع زيادة في معدلات التقاضي وإرهاق الخزينة العامة إزهاق الزمنين الرسمي والخاص، كما أن بعض الذين يتم الاحتيال بمبالغ طائلة أو ممتلكات ثمينة يشعرون بنوع من الاكتئاب الحاد الذي قد يؤدي بحسب ما ذكره دكتور بلدو: “بعض ضحايا الاحتيال قد يموتون انتحاراً”.
تأهيل وإرشاد
إلى ذلك، ختم الخبير النفسي الاجتماعي البروفيسور بلدو إفاداته حول سايكلوجيا الاحتيال، مؤكداً أن ضحايا الاحتيال والمحتالين أنفسهم يحتاجون إلى تأهيل نفسي وإرشاد اجتماعي من أجل امتصاص الشحنات السالبة، وتعزيز السلوك الإيجابي، وإعادة الدمج في المجتمع، وبناء الثقة بين الأفراد، مما يمنع النسيج المجتمعي من التهتك ويعيد الثقة وروح الأمل والقيم النبيلة لأشخاص في طريقهم لفقدان الإيمان بها
المصدر:صحيفة اليوم التالي