الخبير في القانون الدستوري سامي سعيد يضع نقاط الحكم مراسيم بيان (الإنقاذ) خلت من مصدر التشريع واللغة

تداعيات شتى نجمت عن رد المجلس العسكري على الإعلان الدستوري الذي قدمته له قوى إعلان الحرية والتغيير، باعتباره دستوراً مؤقتاً لحكم الفترة الانتقالية، ابرزها تلويح قوى التغيير بالعصيان المدني رفضاً لملاحظات المجلس على الإعلان، مما اعاد الاوضاع في البلاد لمرحلة صفرية، في ما يلي التفاوض بين الطرفين من جهة، ومن جهة اخرى رفع سقوفات الازمة السياسية التي تمر بها البلاد جراء الفراغ الدستورى الذي تشكوه منذ سقوط النظام السابق على نحو قد يهدد سلامة البلاد واستقراراها.. وللوقوف على ماهية الآلية الدستورية التي تُحكم بها الدول في مثل الاوضاع التي تمر بها البلاد اليوم، فضلاً عن النظر في تجربتي الحكم إبان ثورتي اكتوبر 1964م وابريل 1985م وغيرها من المشاغل الدستورية، استضافت (الإنتباهة) سامي عبد الحليم سعيد الحائز على الدكتوراة في القانون الدستوري ومتخصص في مسائل الإصلاح الدستوري، وعمل في العديد من مبادرات صياغة الدساتير ومشروعات الإصلاح القانوني في السودان، فمعاً نتابع إفاداته الدستورية.
> بداية دكتور سامي ما هو تعريف الفترة الانتقالية؟

< الفترة الانتقالية هي مدة ذات طابع انتقالي، لأنها ليست فترة طبيعية في مسار العملية السياسية في السودان، فالمسار الطبيعي للعملية السياسية ان يمر هذا المسار في دولة مستقرة بها نظام ديمقراطي، وحكم منتخب من الشعب، ولديها مؤسسات السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، ومحكومة بموجب دستور، ولو حدث اي تغيير يجب ان يتم وفق المقتضيات الدستورية المتفق عليها بين الاطراف في العملية السياسية، ولكن عندما يغيب الدستور فجأة بفعل فاعل كالثورة او الانقلاب العسكري، فهذه تعتبر مرحلة غير طبيعية وتخلو من الدستور. وبالتالي كما في الحالة السودانية الراهنة، نجد ان المجلس العسكري يريد ان يؤسس لمرحلة جديدة، وهي حتى الآن ليست معلومة لدى الكافة، وغير محكومة باية وثيقة دستورية، ولذا تحاول مختلف الاطراف التوافق مع بعضها حول فكرة معينة، والى ان يتم ذلك التوافق لا بد للفترة الانتقالية من وثيقة تحكمها، تسمى وثيقة دستورية او اعلان دستور او دستوراً انتقالياً او مراسيم دستورية، فهي انتقالية لانها تؤسس لاشياء انتقالية. وتقوم المرحلة الانتقالية بمهام تستهدف استقرار الاوضاع، وبناء مؤسسات الدولة الجديدة وتكوين هيئات دستورية في الفترة التالية للمرحلة الانتقالية. > ما هي اهداف الفترة الانتقالية؟

< تهدف المرحلة الانتقالية لصياغة دستور دائم، بمشاركة كل فصائل الشعب، عبر الاستفتاء او هيئة تشريعية منتخبة تؤسس للدستور، وذلك بإنشاء المؤسسات التي تساعد في وضع الدستور الدائم، وفي المرحلة التي تمر بها البلاد الآن هناك متطلبات تتعلق بمحاسبة المفسدين، ومن انتهكوا الدستور ونفذوا انقلاباً في فترة سابقة، وذلك تهيئة للديمقراطية وإقامة دولة العدالة والحريات والقانون، وعلى الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية ان تعالج هذه القضايا. > من الذي يضع الوثيقة او الاعلان الدستوري الانتقالي في الفترة الانتقالية؟

 

< في مثل الاوضاع التي تمر بها البلاد حالياً هناك فئة تكون ممسكة بزمام الامور وقابضة على الحكم، بسلطة الامر الواقع وتفرض سياسة الامر الواقع، عبر شرعية الثورة او الانقلاب او التفويض الشعبي، عليه فإن الذين يمسكون بزمام الامور هم من يضعون احكام وثيقة الدستور الانتقالية، ولا بد من النص فيها علي تأسيس مؤسسات مرحلة الانتقال، واجراءات التحول الديمقراطي، والانتقال من مرحلة الحرب الى مرحلة السلام، او من مرحلة العنف لمرحلة التعايش السلمي، اي الانتقال من مرحلة سلبية إلى اخرى إيجابية، من مرحلة انتفض الناس عليها وثاروا عليها، إلى مرحلة تحقيق احلامهم واهدافهم، والقابضون على السلطة في الفترة الانتقالية هم من يضعون الوثيقة الدستورية، وقد لا يقومون بوضعها بانفسهم، انما عبر مراكز علمية او بيوت خبرة، ولكن الكلمة الاخيرة لديهم، لذا فمثل هذه الدساتير تسمى دساتير ممنوحة، وفي الوضع الحالي نجد ان القوى الثورية السودانية قدمت مقترحات للمجلس العسكري باعتباره القابض على السلطة، وعلى المجلس ان يتوافق مع هذه المجموعات باعتبارها تمثل مصدر شرعية الثورة، ويمكننا ان نصنف العلاقة بين المجلس والثوار المعتصمين في الساحات وقوى الحرية والتغيير بأنها علاقة تكاملية، فالشعب خرج للشارع وقدم الشهداء، والجيش عمل على حماية الشعب من بطش السلطة الدكتاتورية، ومن ثم قام بعزلها، ليحقق احلام الجماهير التي ثارت وينهي عهد الدكتاتورية. > قارن لنا بين مراحل الانتقال في ثورتي اكتوبر 1964م وابريل 1985م وثورة 19 ديسمبر 2019م؟

< في ثورتي اكتوبر وابريل الواقع يختلف دستورياً عما نحن عليه الآن في ثورة ديسمبر، ففي اكتوبر لم يكن هناك مجلس عسكري قابض على السلطة ليفرض سياسة الأمر الواقع، اما ثورة ابريل فتشبه ثورة 19 ديسمبر إلى حد ما، فقد انحاز الجيش للجماهير المنتفضة، وكانت العلاقة بين التجمع النقابي والمهني والمجلس العسكري في انتفاضة ابريل علاقة تكاملية، وتم التوافق بينهما حول المرحلة الانتقالية، واحتفظ المجلس العسكري بالسلطة السيادية، وترك الحكومة التنفيذية للنقابات، وجعل رئاسة الوزراء لنقيب الاطباء آنذاك، وعملوا على تطبيق احكام دساتير سابقة، وجعلوها دستوراً انتقالياً لهم، ولم يستخدموا قاعدة إعداد إعلان دستوري للفترة الانتقالية. وفي ثورة ديسمبر الغى المجلس العسكري دستور 2005م ولم يتم الاعلان عن دستور تحكم به الفترة الانتقالية، وظلت البلاد في حالة فراغ دستوري، ولا بد من إكماله بوثيقة دستورية تلبي حاجة المرحلة الانتقالية وتستلهم الأهداف التي يريدها الشعب في هذه المرحلة. > هناك تباين بين فترة العامين التي يتبناها المجلس العسكري وفترة الاربع سنوات التي تتبناها قوى الحرية والتغيير؟

 

< لطالما علمنا بأن هناك مقتضيات لوثيقة دستورية انتقالية تحكم الفترة الانتقالية، مثل مدة الفترة الانتقالية ومدة سريان الوثيقة او الاعلان الدستوري، علينا ان ندرك ان مدة الفترة الانتقالية تعتمد على مدى حجم الاهداف التي تسعى الدولة لانجازها في الفترة الانتقالية، فاذا كانت عملية الانتقال طويلة وتتضمن صناعة دستور جديد وإقامة مؤسسات تشريعية وإصلاح قوانين ومكافحة الفساد وغيرها، كانت الفترة الانتقالية طويلة، وكلما كانت الاهداف قصيرة وواضحة كانت الانتقالية قصيرة المدة، ويبدو ان قوى الحرية والتغيير تهتم لجعل الفترة الانتقالية طويلة استلهاماً للتجرية السابقة في ابريل 1985م التي كانت فيها الفترة الانتقالية سنة واحدة، بحيث لم يتم استكمال بنية التحول الديمقراطي من مؤسسات وإلغاء قوانين وانشاء اخرى ومحاكمة مرتكبي الجرائم، فلم تستطع تلك المؤسسات ان تكمل ادوارها بحيث تؤسس لديمقراطية معافاة من اية شوائب، وحالياً مهام الفترة الانتقالية كبيرة لأن الدولة مرت بثلاثين سنة من الحكم الشمولي، بحيث تم تغيير ملامح الدولة بتطبيق معايير احادية دكتاتورية، فالواقع الراهن يستدعي استنفار الجهود وبذل الكثير من الوقت لاجراء هذه التعديلات، بما يجعل الواقع ملائماً لعملية الإصلاح الدستوري، ويسهل عملية الانتقال من واقع الحكم السابق، الى واقع حكم تسوده الحريات. > هل تقتضي الضرورة الدستورية ان تنص المواثيق او الاعلانات الدستورية على مصادر التشريع واللغة الرسمية للدولة؟

< ليس للاعلانات الدستورية او المراسيم الدستورية المؤقتة محتوى معين، او شكل معين، ولكنها يجب عليها الا تنتهك الحقوق والحريات، ولا يجب عليها ان تنتهك استقلالية السلطة القضائية، والسلطة القضائية هي حامية الحريات العامة، فلا بد من ان تكون موجودة، ولا بد من النص على استقلاليتها، ولذلك يجب على اي اعلان دستوري متوقع ان يعمل بادئ ذي بدء على تضمين هذين الامرين، والدولة السودانية بوصفها عضواً في المجتمع الدولي لديها التزام في العهد الدولي للحقوف المدنية والسياسية على كفالة الحقوق الاساسية، وضمان استقلال القضاء.. اما في ما يتعلق بمدى ضرورة ان يتضمن الاعلان الدستوري اللغة الرسمية للدولة او مصادر التشريع، ليس هناك ما يلزم على النص بهذه الاشياء، ولا حتى التجارب الدستورية المشابهة نصت على ذلك، فتجربة المراسيم الدستورية التي اصدرها انقلاب الرئيس المخلوع في الثلاثين من يونيو 1989م لم تتضمن مثل تلك الاحكام، وانما جعل مجلس قيادة الثورة مصدر التشريعات، فقد نص المرسوم الدستوري الاول على: باسم الله وباسم الشعب وبأمر مجلس الثورة يصدر المرسوم التالي: ثورة الانقاذ الوطني هي التعبير عن الشرعية السياسية والدستورية الممثلة للارادة العامة للشعب في جمهورية السودان. > ما هي مهام مجلس السيادة؟

< مجلس السيادة في النظام البرلماني هو رمز السيادة في اعلى صورها وممثل لوحدة الامة وليست له سلطة تنفيذية، وبالتالي لا يتدخل في السياسات، وهو يصادق على الاتفاقيات والمعاهدات والتعيينات في المناصب الدستورية العليا، وكانت للسودان تجربة المجلس السيادي في آخر ديمقراطية، حيث تكون من خمسة أعضاء، من بينهم ممثلون لحزبي الاغلبية في البرلمان (الأمة والاتحادي) ومقعد للمهنيين ومقعد لجنوب السودان. > هل تشي ملاحظات المجلس العسكري على الإعلان الدستوري بأنه يميل لنظام حكم معين، برلماني او رئاسي او مختلط؟

< حتى الآن لم يستعرض المجلس العسكري صورة دستورية معينة، ولم يقدم في تعقيبه على مذكرة قوى الحرية والتغيير اية مقترحات، لذا لا يمكن التكهن بما يريده بالضبط، ولكن من الواضح ان اسلوب الشراكة الذي عرضته قوى التغيير لم يرضِ طموحه. > ما هي رؤيتك تجاه الإعلان الدستوري لقوى التغيير؟
< من الواضح ان قوى الحرية والتغيير تنوي بناء شراكة استراتيجية مع المجلس العسكري من خلال النص على دور المجلس في الإعلان الدستوري، ولكن يبدو انهم متوجسون من وجود العسكر على قمة السلطة في الفترة الانتقالية، وللتوجس ما يبرره من الناحية السياسية، كما ان إدراك قوى التغيير صعوبة الفترة الانتقالية دفعهم لاقتراح اربع سنوات للانتقال. > هل ترى أن هناك مواد من الافضل إضافتها للإعلان الدستوري لقوى التغيير؟
< لا أرى أن هناك نصوصاً محددة يجب إضافتها، فالإعلان رؤية دستورية تعكس فلسفة الحكم الذي تريده قوى التغيير، فقد تم توزيع المهام في الوثيقة بحسب ترتيبات التحول الديمقراطي الذي تطمح إليه قوى التغيير.

 

سامي سعيد

الانتباهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.