ثبت لنا ان أخطر ما يواجه الثورة العظيمة التي صنعها شعب معلم وروتها دماء طاهرة لصفوة أبنائه وبناته، ليس مليشيات الجنجويد ولا المجلس العسكري الانقلابي، وفلول النظام البائد ولا المحاور الاقليمية التي تدس انفها في شأننا الداخلي كل وقاحة وبيتها من زجاج.
المشكلة الحقيقية التي بدأت تتكشف منذ فترة وتأكدنا منها مؤخرا، هي إختلاط حابل الثورة المضادة بنابل النيران الصديقة، وهجومها الكاسح على قوى إعلان الحرية والتغيير وتجمع المهنيين لأسباب، حتى بتنا نرى ومن خلال العديد من منصات التواصل الإجتماعي، أن التجمع الذي أوصلنا لهذه الثورة بقيادته الحكيمة للشارع ماهو إلا ألدَ أعداء الثورة والشارع، وأن عضوية قوى إعلان الحرية والتغيير مجرد (خونة ومرتزقة) وشلة منتفعة بائعة لدماء الشهداء ومسترزقة من الثورة.
بكل اسف هذا هو الواقع، وكنت قد إستبقت هذه المخاوف ببوست على حائطي بالفيس بوك منذ بدايات الثورة قبل أشهر بأن خوفي على الثورة لن يكون من (الكيزان ولا الجرذان)، بل خوفي عليها من أبنائها، وخاصة البررة منهم، ممن يقل وعيهم السياسي.
وهاهو حدسي يصدق ولو إلى حين، فقد تابعنا الحملة المنظمة لإغتيال عدد من الشخصيات السياسية والتي كان لها دور مقدر في قيام وإنجاح هذه الثورة، وإن كانوا شركاء في الأخطاء الكبيرة التي صاحبتها والتي لا زلنا ندفع ثمنها معهم غاليا. وأقرب مثال لذلك، ما حدث للرجل الخلوق مولانا إسماعيل التاج مصطفى (عضو تجمع المهنيين) يوم أمس من قبل أحد الثوار الشباب ورفعه لافتة مسيئة في وجهه ودخوله في حوار غير مقبول اللغة متسائلا عن الثمن الذي قبضه مولانا وتجمع المهنيين للدخول في مفاوضات مع المجلس العسكري، وما حدث معلوم للجميع من خلال مشاهد فيديو وجدت حظها من الانتشار، ولعلها من محاسن الصدف ان يكون الشخص المتلقي للإساءة هو مولانا اسماعيل الذي يجد الإحترام والقبول من الشارع، حيث ضجت السوشيال ميديا رافضة لنهج الشاب والشابة في الحوار. معلنة في ذات الوقت رفع أعلى درجات الغيرة على الثورة من خلال إنتقادهم اللاذع للشباب ورفضهم للاسلوب جملة وتفصيلا ولعل هذا الامر هو الوحيد الذي إتفق عليه الجميع منذ فترة ليست بالقصيرة، فجلَ الإنتقادات لخصت أمرا واحدا وهو عدم الوعي من قبل البعض وخلطهم بين النقد الجاد المفضي إلى نتيجة أو حل، وبين الإتهام بالخيانة والرشوة لرجال قدموا وما بخلوا لأجل رفعة الوطن وإنجاح ثورته دون مقابل.
ما حدث كان من الممكن ان يدق إسفين في جدار الثقة بين الشعب وقيادته السياسية والميدانية لولا ارتفاع نسبة الوعي بين الثوار، وفي ذات الوقت هو جرس إنذار جاء في توقيته بضرورة تدارك ذلك الخطر الذي سيخدم وبشكل مباشر المجلس العسكري ونظامه البائد الذي يعمل على حمايته بشراسة، وربما التساهل والتهاون في هذا الامر أعاد النظام السابق بكامل طاقمه الفاسد، وربما برئيسه المخلوع للمشهد مرة أخرى.
لذا مطلوب من الثوار منح المزيد من الثقة لتجمع المهنيين والصبر على عملية إنتقال السلطة للمدنيين بدون تشوهات متوقعة، ومطلوب من جانب تجمع المهنيين المزيد من الشفافية مع القاعدة الجماهيرية التي يستند عليها، خاصة فيما يختص بالمفاوضات ووضعه في الصورة أولا بأول منعا لأي إلتباس قد يحدث، وعدم إطالة أمد التفاوض لأنه سيأت بنتيجة عكسية بكل تأكيد، وإغلاقا للباب أمام رياح الثورة المضادة التي تسعى جاهدة لزعزعة إستقرار مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير فيما بينها، ولهدم الثقة بين الشعب وتجمع المهنيين وقوى إعلان الحرية والتغيير.
الجريدة
