زهير السراج : وزيرة الخارجية !!

* من المؤسف جدا ان يستغل البعض بعض الهفوات التي وقعت فيها وزيرة الخارجية في حوارها التلفزيوني الاخير للإساءة إليها بسبب عمرها وشكلها كأن كبر السن أو الشكل مصيبة او عار يخجل منها الإنسان، أو كأننا نعيش في مجتمع عنصري متجرد من الإنسانية والقيم والأخلاق لا يحترم الانسان لإنسانيته وعقله، وانما لشكله ولونه وصفاته الجسمانية ومظهره الخارجي ، ولا ادرى ماذا كنا سنفعل إزاء هذه المرأة الفاضلة لو لم نكن سودانيين تربينا على القيم الفاضلة والاخلاق الحميدة واحترام الكبار لدرجة التقديس .. هل كنا سنقيم المليونيات التى تطالب باعدامها، ام ننصب لها المشانق على قارعة الطريق أم ماذا كنا فاعلين؟!

 

* يبدو اننا الثقافة التى كان يروج لها النظام البائد عبر اجهزته الاعلامية وقنواته التلفزيونية البائسة للتمييز بين الناس بسبب الشكل، وتفضيل صاحبات البشرة البيضاء في العمل واظهارهن بانهن النجمات صاحبات الحظوة، حيث لا نجومية او مكان لغيرهن، وانتشار ظاهرة التفتيح والتبييض بكثير من المبالغة، ليس فقط بين النساء وانما بين الرجال أيضا .. قد اتت اكلها وتاه المجتمع السودانى عن فطرته الطبيعية، وانتشرت ظاهرة التعنصر للون الابيض واعتبار ما عداه نشوزا وقبحا يستدعى الاقصاء والسخرية!!

* وكان من الطبيعى ان تنتشر عبارات التيه والغرام لمعايير معينة والكراهية والسخرية لغيرها على منصات التواصل الاجتماعى ، خاصة خلال فترة الترشيحات للمناصب الوزارية وبعد اللقاء التلفزيونى الاخير لوزيرة الخارجية التى ووجهت بحملة من السخرية والعداء والكراهية لا تشبه مجتمعنا وتقاليدنا، ولا حتى مظهرنا الخارجى الذى يجب ان نفتخر به وليس العكس!!

 

* من حق أى شخص أن ينتقد وزيرة الخارجية أو رئيس الوزراء، أو أى شخص آخر لسياساته او منهجه أو ادائه بعبارات لائقة لا تخرج عن حدود الادب والاحترام ، مهما كانت قاسية، ولكن ليس لعمره أو لونه او شكله أو صفاته الجسمانية، بأى نوع من العبارات مهما كانت رقيقة او مغلفة ومهما كانت الاسباب والمبررات، دعك من ان يكون (النقد) او الهجوم بعبارات تنضح بالعنصرية والسخرية والاستهزاء وفاحش القول والاستهانة بالكرامة والقيم الانسانية والعادات الحميدة !!

 

* لا قدسية لأحد، مهما بلغ قدره او موقعه او منصبه، وهى فرصة لتوجيه الحديث للذين يرون في (حمدوك) وحكومته ووزراءه (آلهة مقدسة) فوق النقد، ويهاجمون كل من ينتقدهم ولو من باب النصح، ويتهمونه بالعداء للثورة، ويمارسون ضده نفس السلوك المشين الذى كان يمارسه النظام البائد في التضييق والكبت وتوجيه اتهامات العمالة والتخوين والاقصاء والمطاردة والسجن والقتل لمنتقديه ومعارضيه، الأمر الذى قادنا الى الهوة السحيقة التي نقبع فيها الآن، ولو اصغى إليهم واستمع الى انتقاداتهم ونظر الى نفسه كبشر يخطئ ويصيب، وعمل على الاهتداء برأيهم وتصحيح أخطائه لما أوصلنا الى ما وصلنا إليه، فهل يريد الذين يمارسون نفس السلوك تجاه كل من ينتقد الحكومة الآن، أن نظل على نفس الحال التي كان عليها النظام البائد فلا نجنى الا الخراب .. أم نواجه الأخطاء بشجاعة ونتقدم الى الامام ؟!

* لا بد من وقفة كبيرة للتصحيح، ووضع حد لثقافة التعنصر للون او الشكل، تبدأ من حيث ولدت في القنوات التلفزيونية التى يجب ان تحترم طبيعتنا وتنوعنا، وتمتد لتشمل كل مكونات المجتمع السودانى الاخرى !!

الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.