ناهد قرناص: ابناء الصمت

ثلاثة ارتقوا شهداء ..لم يتعرف عليهم احد ..ضاعت معالمهم واختفت ملامحهم وكتب طبيب التشريح ان يد احدهم قد تقرحت وهي تمسك بالعلم ..ثلاثة من الشباب الغض ..كانوا يملاون الدنيا صخبا ويبتسمون للغد المامول ..يرسمون لوحة زاهية في احلامهم ..ترى من منهم تمنى ان يكون عالما ؟..فنانا يرسم على الجدرايات؟ ..مهندسا يغير وجه الأرض ؟..ثلاثة خرجوا سعيا وراء احلامهم ..كانت لهم اسماء وآمال ..كل منهم كانت له عائلة تنتظر عودته كل مساء ..كان له اخوة يتشاجرون معه حول تفاصيل غبية ..وآخر النهار يفتقدونه ..ويرسلون له رسائل نصية تسأل عن غيابه ..ترى كم رسالة ذهبت دون رد ؟؟ وكم سينتظر اهله طويلا عودته وهو الذي غابت ملامحه ..ولم يتعرف عليه احد ؟؟

 

اعطوا كل منهم رقما ..فصاروا الشهيد رقم (1) ..رقم (2) ..رقم (3) ..ما أقسى ان تصير رقما دون ما شئ يميزك ..مقولة ان الموت لا يؤلم الموتى ..وانما يؤلم الاحياء ..ليست صادقة تماما ..الموت يؤلم الموتى ..عندما يصيرون مجرد أرقام ..وخبرا مقتضبا في ثنيات الصحف ..وهم الذين بذلوا دماؤهم طاهرة ..لكي يصير الوطن اجمل ويسع الجميع ..ترى هل كانوا يصرخون تحت الاكفان ..(انا فلان ..من حلة كذا ..كلموا امي اني ذهبت الى ارحم الراحمين ..بلغوها عني انني في عليين ..حدثوها ان تتوقف عن البحث عني ..فاللقاء هناك عند مليك مقتدر ).

 

الحزن لا يكفي ..ولا الدمع يشفي ..وحالات مثل الشهداء الثلاثة تثير الألم ..لماذا لم يتم التقصي كفاية ؟ اسر المفقودين معروفين ..وكلهم على اتصال بالسلطات ..لماذا لم تتم مقارنة الحمض النووي مع اسر المفقودين ؟ الامر ليس صعبا ..ولا يكلف كثيرا ..لكنه يشكل فارقا لأسر هؤلاء الشهداء ..الذين يستحقون على الأقل معرفة مصير ابنهم المفقود ؟ ؟ تقنية مطابقة الحمض النووي متوفرة في السودان ويتم تنفيذها بكفاءة عالية في مختبرات المباحث الجنائية ..ومن الممكن ان يتم التنسيق معهم لاخذ عينات من اقارب المفقودين واستخلاص الحمض النووي منها وحفظها في المختبرات الجنائية ومقارنتها في حالة ظهور اي من المفقودين حيا او ميتا (لا قدر الله ) ..وهذه التقنية تم تطبيقها على جثمان الشهيد (قصي حمدتو) ومن ثم تم اعلان استشهاده بعد ذلك …تغمده الله بواسع رحمته وعظيم مغفرته .

 

اما الثلاثة الذين استشهدوا ..فلا بواكي لهم ..حتى الدفن كان على عجل ..وكنت اتوقع ان يتم دفنهم بتمثيل رسمي للحكومة ..وتشييع شعبي من قبل جماعات التغيير ..شباب لم نعرف اسماؤهم ..لكن عرفنا افعالهم .. ..التشييع الرسمي ..والتكريم ..اقل شئ نفعله لهم.. ولكن تمت (كلفتة) التشييع وتم دفنهم تحت مسمى شهداء مجهولون وبالارقام ..فيا ابناء الصمت ..الجنود المجهولون …ارقدوا بسلام ..فقد تحقق ما خرجتم لاجله ..وما بذلتم حياتكم دونه ..ذهبتم الى من هو أرحم منا جميعا ..وحتى موتكم كان لنا عظة وعبرة ..سلام عليكم في الخالدين .. ..انا لله وانا اليه راجعون .

الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.