استاد الهلال.. حكايات بين الصفوف ومن المدرجات.. مخيبة للآمال

الوقت رابع أيام العيد.. الشمس الأمدرمانية بعضها غاب وبعضها لا يزال ينتظر.. الصفوف تتراص على صراط العشق المستقيم الأزرق يليق بالأجساد المهدودة بالتعب، كان الهلالاب يزحفون أفراداً وجماعات، فلا يزال في العيد متبقي فرحة، هي كرة القدم معشوقة القلوب وموحدتها في الوقت ذاته.
الميقات المضروب ساعتئذ كان هو المواجهة التي تجمع الهلال السوداني مع الاتحاد الجزائري في سباق الوصول نحو نهائي كأس أبطال أفريقيا لهذا الموسم.. الواقفون في الصف كانوا ينتظرون لحظة فرح يتجاوزون فيها خيباتهم المتتابعة.
تفاصيل مختلفة
قبل المباراة كانت الضحكات الواثقة تسد قرص الشمس، كانت روح المحبة هي الوسيط بين كل واحد وآخر في ذات الصف، يشكون من ضعف التنظيم، ويؤمنون بأنها ضريبة عشق واجبة السداد.. بائعو المياه يضربون على (الكيزان) برد جوفك.. أصحاب الإعلام مفاصلاتهم لا تنتهي.. سيد البلد كانت الأنشودة التي يرددها الكل.. غسالو العربات يؤشرون بأياديهم أن توقف هنا، فثمة جنيهات عشرة ستأتي عقب الصافرة، وربما تزيد في حالة الغبطة.. المشهد مكتوب على دراجة محتشدة بالإعلام ومملوكة لأحد أصحاب الحاجات الخاصة (العشق المجنون)، يجعله محمولاً هو ودراجته فوق الأعناق حتى الوصول إلى المدخل، ويعبر بصوته قبل جسده هاتفاً بحياة فريقه ونجومه.
الألوف التي ولجت استادها تلك الليلة كانت تنتظر الفرح لا الخيبة، لكن جنون الكرة عقب هدف الاتحاد الثاني دفع أحد الشيوخ لأن يعلق “جينا شان نفرح ما لقينا لينا مطرح”. وعلى قول المثل “الشقي يلقي العضم في الكبدة”، كان إحساس الخيبة عظيماً عند جمهور الأزرق، لكن الحكاية ذاتها كانت تحمل في داخلها عدداً من الحكايات والقصص.
الكرة تجمعنا
في الوقت الذي مارس فيه (الشعبيون) في مدرجاتهم أعلى درجات الضجيج، وهم يشعلون الأرض بالهتافات، كانت المقاعد أدنى المقصورة محجوزة لقيادات سياسية في تحالف الإجماع الوطني، على غير العادة يترك القيادي بحزب البعث العربي الإشتراكي محمد ضياء الدين هتافات (الإسقاط) وينادي بالصعود إلى النهائي.. الناطق الرسمي باسم حزب البعث يصاب بمس الجنون الأزرق الذي لم يترك أحداً في الساحة بغض النظر عن انتماءاته السياسية، ثمة مخاشنة سياسية يطلقها أحد الجماهير متسائلاً: “إنت ناس سبعة وزائد سبعة حاضرنها في القصر؟” الجالسون في قصر الشوق سرعان ما يهبطون درجة حين يهرب حلم الفرح من بين أياديهم.
المعاينة لفوق
حين بدأت الخسارة تلوح في الأفق تحولت النظرات إلى أعلى في المقصورة، حيث يجلس رئيس نادي الهلال ومجلس إدارته.. الناظرون إلى أعلى لم ينسوا حق أن يمدوا أصابعهم في اتجاه تحميله المسؤولية، وهم يبحثون عن الغائبين في لحظة حضورهم، استعادوا ذاكرة مهاجمهم القديم بكري المدينة، ومن ثم أطلقها أحدهم داوية “ياخ ما ممكن تشطب بكري وتجيب لينا شيخ اللمين وبعض الصحفيين.. ياخ غلبنا نقول شنو؟ بس الحمد لله على كل حال”.. فدوام الفرح يبدو أنه محال في تلك اللحظة.
النهاية الحزينة
انتهت المباراة بخسارة الفريق الهلالي أمام اتحاد الجزائر.. الجمهور الذي حمل الكراسي حتى تقيه ذرات المطر المنهمرة لم تنجح أن تقيه أمطار الهزيمة التي أعادت تخطيط الملعب الأخضر بلون سواد الوجع.. الجمهور الذي دخل يرافقه الفرح خرج تسبقه الهزيمة وكان الأمر يؤكد أن الكورة (حالا زي حال الدنيا) تماماً.. ففي لحظة ابتسامها لك يمكنها أن تمنحك حزناً لا يترك شيئاً، بل يحدد لغة ما بعد الخروج.. الأيادي التي كانت تصفق أثناء المباراة خرجت، وهي تضرب كفوفها علامة الحزن، وأن الفرح الذي جاءت تبحث عنه في الملاعب الخضراء لم تجده، ووجدت بدلاً عنه ألماً آخر، ألماً بدا واضحاً في رحلة العودة.. وفي الونسة المتبادلة في الهايسات التي تحملهم إلى المحطات بضعف قيمتها “ياخ غلطانين نحنا البننتظر في الكورة هو ذاتو كورة شنو البتتقدم في زمن تخلف كل شيء”.. ويضيف آخر.. “أنا ده.. تاني ده طرفي من تشجيع هلال الوجع ده”.. وقبل أن ينتهي صدى كلماته يردد نص آخر هو إنتو كرة الرد متين وممكن نتأهل؟ بين النصين تأكيد أن الكرة قيمة يمكن توظيفها لتحقيق كثير من تطلعات البناء.

اليوم التالي

تعليقات الفيسبوك


انضم لقروب الواتسب - اضغط هنا

انضم لقروب الواتسب - اضغط هنا


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.