حينما يسمع أحدنا بإسم حجا تلك الشخصية المرحة التي كانت تسيطر سابقا علي عالم الطرفة قبل دخول المساطيل إليها فسوف تقفز إلى ذهنك روح الإبتسامة الصامتة و العفوية للإرتباط الوثيق بين الشخصية وبين المتناقضات المضحكة التي تصدر منها.. كتلك المشاهد المضحكة التي يحدثها مستر بن أو شارلي شابلن والتي تكون نتائجها في الآخر اللا شيئ كما يقال عن :
((ساقية جحا)) التي كانت تأخذ الماء من النهر وتعيده مرة أخرى إلى النهر وهذا أنسب تشبيه يلقيق بمفوضات السلام في مدينة جوبا بين وفدي الحكومة والحركات المسلحة
أحد الظرفاء حكى عن قصة رجل كان يمتلك بقرة وفي مرة من المرات مرضت فسعى المسكين في علاجها ولكن حالتها ساءت فقطع نذراً لله بصيام يوم إذا ما شفيت .. هنالك نشاط يدب في المريض قبل الموت ويسمى باللغة العامية السودانية ب :
(فجة الموت) .. فرأي فيها نشاطاً زائداً فقام بالوفاء لنذره و ما أن إنتهى اليوم الذي يليه إلا و ماتت البقرة فحزن عليها حزناً شديدة وقرر داخل نفسه أن يخصم هذا اليوم الذي قام بصيامه من رمضان المقبل
قبل حوالى عشرون عاماً من الزمان قام بعض المعارضين لحكومة الإنقاذ في دارفور الذين إستطاعوا فك طلاسم شفرة لغة الإنقاذ التي كانت لا تستجيب إلا للغة السلاح ، فقاموا بتأسيس حركتين مسلحتين هما حركةالعدل والمساواة و حركةتحرير السودان وبعد ذلك وبسبب الخلافات الداخلية انشطرت هذه الحركات وتشظت إلى مجموعة من الحركات المسلحة التي ولدت كلها من رحم هاتين الحركتين ليصبح العدد بعد ذلك عدداً فلكياً و متجاوزاً الخمسون حركة عبر إنقسامات عديدة
لقد دخلت هذه الحركات في حروب معلنة ضد حكومة الإنقاذ لأكثر من 18 عاما، لم تحقق خلالها على أرض الواقع نصراً معلوماً إلا تلك المحاولة الفاشلة التي قامت بها حركة العدل والمساواة لدخول الخرطوم ..وفي نفس الوقت لم تتمكن الإنقاذ من القضاء على هذه الحركات .. و هذه الحروب أنهكت وإستنزفت الجيش السوداني إستنزافاً شديداً حتى لجأت الحكومة إلى الاستعانة بمليشيات قبيلة لتقاتل بالوكالة عن الجيش تحت إشراف جهاز الأمن والمخابرات، فلم تسجل نصراً معلوماً وكما أنها زادت الأوضاع تعقيداً لأنها خلقت مشاكل فككت الروابط الإجتماعية المتينة بين شعوب القبائل المشاركة في الحرب من جهة الحكومة وبين قبائل الحركات المسلحة وأصبح الصراع تحكمه القبيلية أكثر من كونه صراع بين حكومة ومتمردين عليها
بعد قيام الثورة ونجاحها كان من المفترض أن تضع حركات الكفاح المسلحة سلاحها.. و يأتى الجميع و بقلب أبيض للمشاركة في بناء السودان الحديث .. ولكن ما حدث بعد ذلك هو السير في نفس إتجاه الإنقاذ وبنفس الإسلوب في صراع الظهور بالنزاهة تحت مظلات الخساسة .. فظهرت المفردات الحديثة والتي كان يجب أن يتم تعريفها للشعب قبل إقرارها و هي عبارة (مسارات) و سار الحوار بنفس الأجندة القديمة في مسألة الأنصبة والكراسي والحقوق والحواكير والنسب التي يتم بها تقسيم كعكة الحكم و السلطة والدخل القومي .. و هنا يجب أن يعلم الجميع أن المسؤول ليس بصاحب حق أصيل أكثر من السائل .. و تحت تعتيم إعلامي غريب عن الكيفية التي تدار بها هذه اللقاءات و الحوارات و لا أحد من الشعب يعلم عن تفاصيل ما يدور و هذا ما يجعلنا أن نفقد الأمل في عملية السلام برمتها و التي كان من الممكن أن تدار كل حواراتها ولقاءاتها من داخل الأراضي السودانية بتجانس شديد و شفافية مطلقة وتحت رقابة شعبية وبدون سقوفات مطلبية مسبقة
إعلان الوساطة في جوبا، لتمديد أجل التفاوض حتى الفراغ من البت في الملفات التي تم طرحها في المفاوضات والتوصل إلى اتفاق سلام شامل يقودنا إلى (ساقية جحا) التي كانت تأخذ الماء من النهر وتعيده إلى النهر مرة أخرى مما قد يضطر الشعب السوداني لينذر لله صيام شهراً إذا تحقق السلام بهذه المفاوضات الباهتة والضعيفة والتي يقودها طاقم حكومي غير مؤهل لإدارة مثل هذا الملف الخطير.. و أنا أؤكد لهذا الشعب بأن صيام هذا الشهر المنذور سوف يكون خصماً من رمضان القادم إذا تم مشروع هذا السلام تحت إدارة هذا الطاقم الفاشل وإن حدث لن يكون تعريفه أكثر من (فجة الموت)
المصدر: صحيفة الوطن
