هل تنكسر شوكة الدولار أمام ارتفاع الإسترليني؟
للمرة الأولى في أكثر من 4 أشهر، ارتفع الجنيه الإسترليني ليسجل أعلى مستوى مقابل الدولار الأميركي عند 1.28 دولار لكل جنيه أسترليني، لتستمر الورقة الأميركية في النزيف أمام سوق العملات العالمية.
وكشفت بيانات اقتصادية حديثة، عن ارتفاع النشاط الاقتصادي بالمملكة المتحدة لأعلى مستوى في 5 سنوات خلال الشهر الحالي. كما ارتفعت مبيعات التجزئة في بريطانيا للشهر الثاني على التوالي بأكثر من تقديرات المتخصصين.
وتلقت العملة البريطانية الدعم من خسائر الدولار الأميركي الذي يقف قرب أدنى مستوى في عامين أمام العملات الرئيسة مع مخاوف بشأن أكبر اقتصاد في العالم وسط استمرار زيادة إصابات كورونا.
من ناحية أخرى، تصاعدت التوترات بين الصين والولايات المتحدة مع طلب بكين إغلاق القنصلية العامة الأميركية في مدينة “تشنغدو” رداً على قرار مماثل من واشنطن. وفي تصريحات أمس، قال رئيس الوزراء البريطاني إن المملكة المتحدة سوف تتجاوز أزمة كورونا منتصف العام المقبل، لكنه حذر من موجة ثانية للوباء.
وفي وقت متأخر من تعاملات أمس الجمعة، ارتفع الإسترليني أمام الدولار بنحو 0.4 في المئة إلى مستوى 1.2793 دولار بعد أن سجل مستوى 1.2804 دولار في وقت سابق من التعاملات وهو الأعلى منذ 11 مارس (آذار) الماضي.
كيف يمكن تفسير تحركات سوق الصرف؟
وفق تحليل حديث لبنك “يو بي إس”، فإنه وبالعودة إلى الفترة الزمنية التي شهدت تعويم أسعار الصرف بعد انهيار نظام “بريتون وودز” في أوائل السبعينيات، أنتجت المهنة الاقتصادية التي تتمتع بالثقة القوية عدداً كبيراً من الأبحاث والنظريات والنماذج التجريبية التي تهدف إلى شرح تحركات العملات.
وبحسب التحليل، فإن بعض هذه الأعمال تركزت على التقييمات النسبية (مثل تعادل القوة الشرائية). في حين ركزت أخرى على معدلات الفائدة النسبية، وفئات أخرى ركزت على الأرصدة الخارجية كمحركات لأسعار الصرف، وحاولت غيرها الجمع بين العوامل الثلاثة (أسعار صرف التوازن الأساس). وأصبحت النماذج تفصيلية بشكل متزايد، حيث حاول الاقتصاديون تفسير الفروقات، مثل اتجاه أسعار الصرف لتجاوز ما يعرف بـ”القيمة العادلة”.
ومن كل الجوانب، اصطنع المهتمون بالتحليل الفني في السوق الابتسامة بشأن النتائج المروعة التي قدمها الاقتصاديون عند شرح التحولات التاريخية للعملات، ناهيك عن التوقعات. لكن تلاشت هذه الابتسامة المصطنعة عندما أثبتت جهودهم الخاصة في تفسير أسعار الصرف وتقديرها عبر استخدام الموجات والنماذج والدعم ومستويات المقاومة وأشياء أخرى أنه أمر ميؤوس منه.
وفي حين لا يزال بعض الاقتصاديين منشغلين باللغز، فلن يكون من المبالغة القول إن المهنة استسلمت إلى حد كبير، مما يعزز موقف الخيار الافتراضي المتمثل في أن العملات تتبع “نهجاً عشوائياً”. ويبدو ذلك في حد ذاته بمثابة تراجع غير مألوف، طالما بقيت أسعار الأصول الأخرى عبارة عن لعبة عادلة للنظريات والنماذج التي لا ينتهي بها الأمر إلى دعم نتائج النهج العشوائي.
هل أصبحت أيام الورقة الأميركية الخضراء معدودة؟
وأثار التحليل تساؤلاً حول مصير الدولار الأميركي، وهل أصبحت أيام الورقة الأميركية الخضراء معدودة؟. وأشار إلى أن هذا التساؤل يثار نظراً لأن الدولار قد تراجع خلال الشهر الماضي في أسواق الصرف الأجنبي العالمية.
ومن المؤكد أن التحركات الأخيرة ليست كبيرة للغاية، حيث إنه منذ منتصف شهر يونيو (حزيران) الماضي انخفض الدولار 1.6 في المئة مقابل سلة واسعة من العملات، وتراجع بنسبة تزيد قليلاً على 2 في المائة مقابل اليورو وحقق أداءً متبايناً مقابل مختلف العملات الناشئة.
ومع ذلك، يتداول الدولار بالقرب من أدنى مستوياته في عامين مقابل اليورو، كما انخفض بنحو 7.5 في المئة أمام العملة الأوروبية الموحدة منذ منتصف مارس (آذار) الماضي. لكن يبدو أن هناك شيئاً ما يحدث، ولكن ما هو؟ تبدو النماذج التقليدية محبطة.
وعلى الرغم من التيسيرات النقدية القوية للغاية من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، فإن فرق الفائدة؛ اختلاف الفائدة بين عملتين، لا تزال إيجابية لصالح الدولار. وأدى الركود الاقتصادي إلى انخفاض كبير في الواردات الأميركية، ومن المفيد أن العجز الخارجي للولايات المتحدة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد آخذ في الانكماش منذ عام 2016. لكن من غير المتوقع أن يتغير فرق التضخم المتوقع كثيراً بين الولايات المتحدة وأوروبا.
وبدلاً من ذلك، تكمن أدلة انخفاض قيمة الدولار الأميركي أخيراً في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي النسبية المحتملة وفي عوائد الأصول النسبية. وعلى سبيل المثال، يمكن أن يكون هناك بعض الشكوك بأن التوقعات الاقتصادية لبقية عام 2020 وربما لعام 2021 تعتمد على مكافحة الوباء.
ولسوء الحظ، يبدو أن الولايات المتحدة فقدت السيطرة على كورونا، حيث إنها لا تظهر بكل تأكيد تسطيح المنحنى المستمر عبر معظم أنحاء أوروبا وآسيا. لكن هل يمكن أن يكون هبوط الدولار منذ منتصف يونيو (حزيران)، عندما بدأت حالات كورونا بالولايات المتحدة في الزيادة، مجرد صدفة؟
ربحية الشركات الأميركية تواجه تحديات قاسية
وقبل فترة طويلة، ربما كانت الورقة الخضراء تعاني تغير توقعات العائد، بخاصةً في أسواق الأسهم العالمية. كما أن ربحية الشركات الأميركية، وهي كلمة السر إلى حد كبير في السوق الصاعدة بالولايات المتحدة لمدة 10 سنوات، تواجه الآن تحديات.
وانخفضت أيضاً حصة الأرباح في الناتج المحلي الإجمالي لعدة سنوات وهو مؤشر جيد لهوامش أرباح الشركات. وسوف تؤدي حملة الديمقراطيين في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، التي تشير استطلاعات الرأي إلى أنها تبدو محتملة بشكل متزايد، إلى ارتفاع ضرائب دخل الشركات والتأثير السلبي في أرباح الشركات بعد خصم الضرائب.
وسيضر الضعف الاقتصادي المرتبط بالوباء بأرباح الشركات كذلك. وفي الوقت نفسه، يجب أن تؤدي عمليات إعادة فتح الاقتصاد الأكثر استدامة في أوروبا أو آسيا إلى تعزيز أرباح الشركات هناك. وإذا تخلت الولايات المتحدة عن قيادة سوق الأسهم العالمية، فمن المرجح أن يتراجع الدولار كذلك. وأخيراً، ربما يكون النموذج الاقتصادي الأميركي الذي يتم التباهي به كثيراً، مع أيديولوجيته في السوق الحرة ومرونة سوق العمل وقوة القطاع المالي قد وصل للذروة أيضاً.
وتأتي الصعوبات بسرعة وغضب، لتطرح تساؤلات أساسية حول المساواة في النتائج والفرص في اقتصاد يُنظر إليه بشكل متزايد على أن الفائز فيه يحصل على كل شيء وحده، ويعتمد بشكل مفرط على الديون وغير قابل للاستدامة من الناحية البيئية وغير قادر على تحقيق مكاسب واسعة النطاق في الإنتاجية ومستويات المعيشة.
وإذا تحول الاقتصاد السياسي الأميركي بعيداً عن الرأسمالية غير المقيدة، فإن الشكوك حول قدرته على تحقيق عوائد أعلى من المتوسط باستمرار ستؤدي إلى تآكل جاذبية الدولار على المدى الطويل في أسواق الصرف الأجنبي العالمية. ومن المحتمل أن تكون العملات غير قابلة للتنبؤ على المدى القصير، لكنها بمرور الوقت تعكس قيمتها الأساسية نقاط القوة أو الضعف الرئيسة في الدولة المصدرة للعملة.
ولطالما كان الدولار هو الملك، لكن سيطرته لم ينظر إليه بهذا الشكل المتشكك منذ فترة طويلة. وخلص التحليل إلى أن “قوة الدولار الأميركي تبدو معدودة”.
الين الياباني يسجل أعلى مستوى في 4 أشهر
في سوق العملات، ارتفع الين الياباني الذي يعد ملاذاً آمناً لأعلى مستوى في أكثر من أربعة أشهر، أمس الجمعة، بينما نزل الدولار ليقترب من قاع عامين، إذ انحسر الإقبال على المخاطرة بسبب مجموعة من المخاوف بما في ذلك استمرار زيادة وتيرة الإصابات بفيروس كورونا، وتعطل حزمة التحفيز الأميركية وتوتر أميركي صيني لا يهدأ.
وفي تعاملات ما بعد الظهيرة، هبط الدولار إلى مستوى 105.99 ين بعد نزوله إلى 105.68 ين، وهو أدنى مستوى منذ منتصف مارس (آذار) الماضي. ومقابل سلة عملات، نزل الدولار بنحو 0.4 في المئة إلى 94.42. وفي وقت سابق من الجلسة، هوى إلى 94.358، وهو قاعد 22 شهراً جديداً.
في غضون ذلك، بلغ اليورو ذروة 22 شهراً أخرى مقابل الدولار، وكان في أحدث تعاملات مرتفعاً 0.4 في المئة إلى 1.16415 دولار. ويبدو اليوان الصيني، وهو مقياس للتوتر بين الصين والولايات المتحدة، متجهاً صوب تسجيل أسوأ أداء في ثلاثة أشهر تقريباً. وانخفض في أحدث تعاملاته بنحو 0.07 في المئة إلى مستوى 7.0177 للدولار بالأسواق الخارجية.
إندبندنت