تصدعات وتربص.. 7 أسئلة وأجوبة عن مخاطر داخلية وخارجية تحيط بالثورة السودانية

أثار إعلان تجمع المهنيين -الذي قاد ونظم الحراك الثوري في السودان انسحابه من هياكل قوى “الحرية والتغيير” الائتلاف العريض -الذي لم يسلم هو الآخر من تصدعات- تساؤلات بشأن تماسك ووحدة قوى الثورة بعد أكثر من عام على تفجرها.

فقد قوبلت الدعوات لتجمع المهنيين “الكيان الغامض” لاستجابة واسعة من جماهير الشعب السوداني، وانتظمت في مظاهرات حاشدة استطاعت رغم الرصاص والملاحقة الأمنية في إزاحة نظام عمر البشير الذي سيطر على الحكم لثلاثة عقود.

واستطاع تجمع المهنيين مع أربع كتل معارضة -تضم معظم الأحزاب بمختلف تياراتها- تشكيل تحالف قوى “الحرية والتغيير” والذي نجح في إسقاط النظام، ليواجه من بعد اختبار مواجهة القضايا السودانية الملحة على الأرض كحاضنة سياسية لحكومة الفترة الانتقالية، والتي أول ما تتطلب تحقيق توافق سياسي للعبور بهذه المرحلة إلى بر الأمان وتهيئة البلاد لانتخابات حرة ونزيهة.

لقد استطاع تحالف قوى “الحرية والتغيير” تجاوز عقبة كبيرة في مسيرة الثورة بتوقيعه بعد مفاوضات صعبة الوثيقة الدستورية للمرحلة الانتقالية مع المكون العسكري ممثلا في اللجنة الأمنية لنظام البشير التي انحازت لرغبة الشارع في التغيير.

غير أن التحالف أخفق فيما يبدو في اختبار تحقيق توافق سياسي بين مكوناته، وهي وحدة مهمة ليس فقط من أجل ضبط بوصلة مسيرة الثورة وإنما كذلك لمنع أي تدخل من جانب العسكر الذين دأبت بعض الأحزاب على الاستعانة بهم ضد بعضها البعض، ومن قوى أخرى متربصة بالثورة سواء النظام السابق أو الدول الداعمة للثورات المضادة والتي لا تدخر جهدا في إفشال الثورة.

فما هي التحديات التي تحيط بمسار الثورة السودانية وقواها الحية، وما أسباب التصدعات في جسم قوى الثورة وطبيعتها ومتى بدأت وإلى أي مدى أثرت في أداء حكومة الثورة وحاضنتها السياسية؟

تصحيح المسار لماذا؟

في 30 يونيو/حزيران خرجت مظاهرات حاشدة بالخرطوم ومدن أخرى في ذكرى مسيرات بذات اليوم العام الماضي لدعم المكون المدني بعض فض قوات أمنية بالقوة الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش، والذي استمر بعد الثورة للتأكيد على المدنية واستكمال مطالب الثورة.

وبعد عام كامل كان عنوان مظاهرات 30 يونيو/حزيران الماضي تصحيح مسار الثورة واستكمال هياكل الفترة الانتقالية ومحاسبة المتورطين في قتل المعتصمين ومتظاهري الثورة، وحل المشكلات الاقتصادية المستعصية التي ما يزال يعاني منها المواطن السوداني، متهمين حكومة عبد الله حمدوك بالتلكؤ في تنفيذ هذه المطالب.

رسالة المتظاهرين كانت التأكيد على خيار الثورة ولكن أيضا وبصورة واضحة أن ما أنجز دون طموح الشارع الرافع لسقف شعارات الثورة في المدنية والحرية والسلام والعدالة.

ويقول رئيس تحرير صحيفة “السوداني” ضياء الدين بلال للجزيرة إن الخلافات داخل قوى الحرية والتغيير ظهرت منذ المفاوضات مع المجلس العسكري حيث برزت تجاذبات بين الحزب الشيوعي وبقية الأحزاب.

ورأى بلال أن الاتفاق بين القوى السياسية داخل تحالف قوى “الحرية والتغيير” كان لإسقاط النظام، واستطاع إنجاز هذه المهمة بكل جدارة، ولكن عندما جاءت لحظة اقتسام الغنائم برزت الأجندة رغم أنه كان هناك اتفاق على أن تشكيل الحكومة يتم عبر كفاءات، ونص على ذلك في الوثيقة الدستورية. والآن عاد الصراع بين هذه القوى على المناصب والمحاصصة في الحكومة.

وكان نتيجة ذلك -بحسب بلال- أن هذه القوى رغم زخمها الثوري فقدت ارتباطها بالشارع، والدليل على ذلك أننا لم نجد قياديا واحدا من قوى التغيير يلتحم بالجماهير، ولم يتقدم واحد منهم لمخاطبة المحتجين خلال مظاهرات 30 يونيو/حزيران الماضية.

وفي المقابل، يقر قادة قوى “الحرية والتغيير” بوجود خلافات داخل التحالف الحاكم، ولكنهم يقولون إن ذلك أمرا طبيعيا في ظل ائتلاف يضم كافة تيارات الحياة الحزبية في البلاد.

ولكن من غير الطبيعي -بحسب مراقبين- حدوث تصدعات وانقسامات في جسم هذا التحالف المناط به ترجمة رغبة الجماهير في استكمال متطلبات الثورة وتحويلها لسياسات وبرامج عمل.

محمد ناجي الأصم أيقونة الثورة وأبرز قادة القيادة السابقة (سونا)
ما سبب صراع تجمع المهنيين؟
آخر مظاهر التصدعات في جسم قوى الثورة تمثل في إعلان تجمع المهنيين -الكيان الذي نظم الحراك الثوري- انسحابه من ائتلاف قوى “الحرية والتغيير” بعد انتخاب قيادة جديدة لم تعترف بها القيادة السابقة.

يرى مراقبون أن تجمع المهنيين -والذي يضم نقابات مهنية للأطباء والمحامين والصحفيين والمعلمين- انصرف عن دوره الأساسي وهو بناء النقابات، وغلب على أدائه العمل السياسي مما أدى لبروز لخلافات بين تياراته السياسية الداخلية، وهو أمر ظهر في انتخابات السكرتارية الأخيرة والتي رأت القيادة السابقة أنها جيرت لصالح تيار واحد وهو الحزب الشيوعي مما قاد الأولى لعدم الاعتراف بهذه الانتخابات.

وحتى قبل انتخابات السكرتارية الجديدة في مايو/أيار الماضي، ظهر التباين في التيارات داخل تجمع المهنيين حيال أداء الحكومة الانتقالية، ما بين تيار ثوري يضع الحكومة وحاضنتها السياسية قوى “الحرية والتغيير” تحت الضغط، وآخر سمي “مجموعة الهبوط الناعم”.

وفيما يبدو أنه رد على عدم استجابة تحالف قوى “الحرية والتغيير” لمطالبة السكرتارية الجديدة لتجمع المهنيين بإدخال ممثلي التجمع الجدد ضمن هياكله، وإبقاء التحالف على الممثلين السابقين، وقد أعلنت السكرتارية انسحابها من كل الهياكل القائمة لتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير.

وتحظى السكرتارية الجديدة لتجمع المهنيين بمساندة 11 من الكيانات المكونة للتجمع، في حين تساند ستة كيانات المنشقين (القيادة السابقة) على رأسها لجنة الأطباء وتحالف المحامين، وانقسمت لجنة المعلمين بين التيارين، واختارت اللجنة المركزية للمختبرات الطبية الوقوف على الحياد. ومن أبرز قادة القيادة السابقة محمد ناجي الأصم أحد أبرز أيقونات الثورة.

التصدعات.. هل امتدت للتحالف العريض؟

الانقسام في تجمع المهنيين ما هو إلا صورة مصغرة للتجاذبات في الكيان العريض تحالف قوى “الحرية والتغيير” الذي يضم إلى جانب تجمع المهنيين ثلاثة تحالفات حزبية هي: قوى “نداء السودان”، التجمع الاتحادي المعارض، قوى الإجماع الوطني. وتضم هذه القوى مجتمعة فسيفساء الأحزاب السياسية من اليمين إلى اليسار، مرورا بالوسط إلى جانب تحالف الجبهة الثورية الذي يضم فصائل مسلحة، فضلا عن منظمات المجتمع المدني، وتعد الخلافات بين التيارات السياسية المتشاكسة داخل هذا الكيان سبب التجاذبات داخله.

هل تعاد هيكلة التحالف؟

وسبق أن أعلن حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي، وهو أحد القوى الرئيسية في تحالف “نداء السودان” تجميد عضويته في تحالف قوى “الحرية والتغيير” كما جمدت الجبهة الثورية نشاطها في وقت مبكر بالتحالف.

والأسبوع الماضي أعلن حزب الأمة معارضته قائمة الولاة التي أعلن عنها رئيس الوزراء بسبب ما وصفه بتجاوز المعايير، ودعا الولاة الستة من الحزب التي شملتهم القائمة لعدم قبول التكليف.

إمكانية تشكيل تحالف مواز

لم يتوقف تجمع المهنيين عن عدم اعترافه بهياكل قوى “الحرية والتغيير” بل وقع إعلانا سياسيا في جوبا مع الحركة الشعبية-شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، اتفقا بموجبه على أن السودان دولة مدنية مستقلة ذات سيادة ديمقراطية تعددية لا مركزية، تقوم على فصل الدين عن الدولة.

وطبقا لقيادي بارز في تجمع المهنيين، فإنه ليس من المستبعد أن يبتدر التجمع تحالفا مع الحركة الشعبية بقيادة الحلو، وحركة “تحرير السودان” بزعامة عبد الواحد نور، وهما حركتان خارج هياكل قوى “الحرية والتغيير”.

ولم يستبعد عضو مجلس تجمع المهنيين الوليد علي احتمال تحالف التجمع مع حزب الأمة القومي، ويكشف للجزيرة نت عن لقاء مرتقب بين تجمع المهنيين وحزب الأمة، حيث سيعرض كل طرف رؤيته لإصلاح تحالف التغيير.

ويقول الوليد إن تجمع المهنيين يهدف إلى إعادة هيكلة قوى “الحرية والتغيير” بنفس مكوناتها، مع إضافة مكونات جديدة على رأسها هاتان الحركتان: الحركة الشعبية بقيادة الحلو، “تحرير السودان” بقيادة نور.

ويشير إلى أن هناك مكونات موقعة على ميثاق “الحرية والتغيير” وغير ممثلة في هياكل التحالف، فضلا عن كيانات غير موقعة مثل الحركة الشعبية فصيل الحلو، وهي مستعدة للتوقيع على ميثاق التحالف شريطة إضافة تفاصيل بعينها.

حكومة حمدوك هل وفرت مناخا مواتيا لخصومها؟

مثلت إخفاقات حكومة حمدوك، لا سيما في معالجة الوضع المعيشي الصعب للشعب ودعوتها لاستجلاب بعثة سياسية أممية جديدة في السودان لدعم الفترة الانتقالية، مناخا خصبا لأنصار حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا لتصويب انتقادات حادة للحكومة وحاضنتها السياسية تحالف قوى “الحرية والتغيير”.

وتمكن الحزب المحلول من تجميع صفوفه، وانتظم قادته في مخاطبة قواعده عبر البث المباشر على موقع فيسبوك، واستطاع تنظيم عدد من المظاهرات ضد سياسات الحكومة، والمطالبة بإسقاطها فيما عرف بالزحف الأخضر. وقابلت السلطات الأمنية ذلك باعتقال عدد من قادة التنظيم في مقدمتهم رئيس الحزب الجديد بروفيسور إبراهيم غندور ورئيس الحزب بولاية الخرطوم أنس عمر.

حجم خطر الدول الداعمة للثورات المضادة؟

ولا تتمثل المخاطر على الثورة في خصومها بالداخل، وإنما أيضا الدول الداعمة للثورات المضادة بالعالم العربي، فقد عملت الإمارات والسعودية على توثيق العلاقات مع القادة العسكريين للنظام الجديد رغم أنهما كانتا أوثق حليفين لنظام البشير الذي قام بالزج بقوات بلاده في حرب اليمن خدمة لأهداف الدولتين، لكنهما قلبا له ظهر المجن عندما لم يذعن لما طلباه منه بشأن علاقاته الخارجية لاسيما بعد اتفاق البشير مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تطوير ميناء سواكن على البحر الأحمر.

ولم تقتصر محاولات الإمارات استمالة قادة المجلس العسكري وإنما عمدت لاختراق القوى السياسية السودانية، وأفادت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية العام الماضي أن خمس قوى سودانية بينها عدد من الحركات المسلحة زارت أبو ظبي لإجراء محادثات لإقناعها بالانضمام لحكومة يقودها العسكريون.

كما أعلنت الإمارات والسعودية دعم الخرطوم بـ 3 مليارات دولار، لكن وزير المالية السوداني المستقيل إبراهيم البدوي قال في فبراير/شباط الماضي إن الدولتين لم تقدما مبلغ 2.25 مليار دولار تبقى من المنحة التي وعدتا بها.

وأقر وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش بتدخل بلاده في الأحداث الجارية بالسودان، معتبرا أن المنطقة واجهت كثيرا مما وصفها بالفوضى الشاملة وقال إنها لا تريد المزيد منها.

اعلان
كذلك بادرت مصر في وقت مبكر بالتحالف مع المجلس العسكري دون التعامل مع قوى الثورة الطرف الآخر في المعادلة السودانية، كما يقول مراقبون تماهيا مع النهج الذي تنتهجه السعودية والإمارات مع الثورة السودانية.

ويرى مراقبون أن ذلك خطأ ارتكبته القاهرة لأنها تعتبر امتدادا طبيعيا للسودان ولها مصالح إستراتيجية واقتصادية وأمنية طويل الأمد معها. وفي المقابل لا تمتلك السعودية والإمارات مصالح إستراتيجية طويلة الأجل مع السودان، وينبع اهتمامهما في الأساس من رغبتهما في توسيع نفوذهما في القرن الأفريقي ومحاربة الإسلام السياسي الذي كان يمثله نظام البشير ويعتبرانه مهددا لهما، لذلك فمن غير الواضح ما إذا كانت المصالح الخليجية والمصالح المصرية بالسودان ستتقاطع على المدى الطويل.

المصدر : الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.