كيف تتسبب قوة الدولار في ضرب آمال تعافي الأسواق الناشئة؟
تشير البيانات والأرقام المتاحة، إلى أن الدولار الأميركي تراجع بشكل مطرد منذ أن خرج العالم من المرحلة الأولى من أزمة “كوفيد-19”. وشهد مؤشر الدولار في يوليو (تموز) الماضي أكبر وتيرة هبوط شهري في عقد من الزمن.
جاء هذا الهبوط في قيمة الورقة الأميركية الخضراء بالتزامن مع الانخفاض الهائل في العوائد الحقيقية.
في ذات السياق، اعتبرت وكالة “بلومبرغ أوبنيون” في تحليل حديث، أن ذلك بمثابة أمر منطقي تماماً، حيث إنه مع انخفاض العوائد على السندات، يوجد احتمالية أقل لتحقيق مكاسب من الاحتفاظ بالدولار، لذلك يكون من المتوقع أن تضعف العملة.
لكن خلال الأسبوع الماضي انتهى مع تنوع واضح في هذا الأمر، حيث انخفض العائد الحقيقي على سندات الخزانة الأميركية لآجل 10 سنوات دون سالب 1 في المئة لأول مرة منذ إصدار سندات الخزانة المحمية من التضخم. وفي تلك الأثناء، شهد فجأة مؤشر الدولار الشائع، والذي يقارن أداء الورقة الخضراء بمجموعة من النظراء، أقوى وتيرة صعود في أشهر، ليرتفع بما يقارب 1 في المئة عند نهاية التعاملات.
وبشكل عام، يعتبر الدولار الضعيف أمراً مرغوباً لعدد من الأسباب، فالعملة الأميركية القوية تميل إلى أن تعني أن الأموال قد تدفقت صوب الولايات المتحدة بحثاً عن ملاذ آمن. وبالتالي، فإن الهبوط في قيمة الورقة الخضراء الذي شوهد في الأشهر القليلة الماضية يظهر عودة شهية المخاطرة، حتى في ظل عدم القدرة على التغلب على الفيروس، كما أن الدولار القوي يخلق مشاكل للأسواق الناشئة.
وكان من المفترض أن يؤدي انخفاض قيمة العملة في الأشهر القليلة الماضية إلى تخفيف الضغوط على مجموعة من الدول الناشئة التي لديها أعباء الكثير من الديون المقومة بالدولار. لكن تكمن المشكلة الوحيدة في أن هذا لم يحدث في حقيقة الأمر.
الورقة الخضراء تواصل الارتفاع
في سوق العملات، استمر الدولار الأميركي في الارتفاع مقابل سلة من العملات الرئيسية خلال تعاملات، أمس، بعد الإفصاح عن بيانات اقتصادية أظهرت ارتفاع النشاط الصناعي في الولايات المتحدة بأكثر من التوقعات خلال الشهر الماضي، في حين تراجع الإنفاق الأميركي على البناء للشهر الرابع على التوالي.
وحتى الآن، تظل حزمة تحفيز أميركية محتملة بقيمة تريليون دولار محل شكوك، وسط إشارات عدم التوصل إلى اتفاق قريباً بين المشرعين الأميركيين. لكن وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني خفضت في تقرير حديث، النظرة المستقبلية للولايات المتحدة إلى سلبية بدلاً من مستقرة.
وتعرضت العملة الأميركية لخسائر كبيرة، مؤخراً، مع تزايد المخاوف حيال تباطؤ وتيرة التعافي الاقتصادي في الولايات المتحدة خاصة مع تزايد حالات الإصابة الجديدة بوباء كورونا.
وفي وقت متأخر من تعاملات، أمس، ارتفعت العملة الأميركية مقابل نظيرتها الأوروبية الموحدة بنحو 0.9 في المئة ليسجل اليورو 1.1744 دولار. في حين ارتفع الدولار أمام الين الياباني بنحو 0.3 في المئة مسجلاً 106.16 ين، كما صعد أمام الجنيه الإسترليني بنسبة 0.2 في المئة لتهبط العملة البريطانية إلى 1.3052 دولار.
وبالنسبة لزوج العملات (الدولار-الفرنك السويسري)، فقد ارتفع بنحو 0.7 في المئة لتصعد العملة الخضراء إلى 0.9197 فرنك. وفي غضون ذلك، ارتفع المؤشر الرئيسي للدولار والذي يرصد أداء الورقة الأميركية مقابل 6 عملات رئيسة بأكثر من 0.3 في المئة ليصل إلى مستوى 93.667 نقطة.
قوة عملات الأسواق المتقدمة وراء خسائر الدولار
أشار التحليل إلى أن ضعف قيمة الدولار خلال شهري يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) الماضيين، كان يتعلق تقريباً بقوة عملات الأسواق المتقدمة الأخرى وخاصةً اليورو. في حين أن الدولار حافظ على استقراره مقابل العملات الآسيوية، لكنه ارتفع بالفعل أمام عملات الأسواق الناشئة ذات العائد المرتفع.
واستطاعت تلك العملات ذات العائد المرتفع والتي حققت تعافياً حينما بدا أن أسوأ ما في الأزمة قد انتهى في مايو (آيار) الماضي، لكنها تراجعت خلال الشهرين الماضيين. وبالتالي، قد لا يكون الدولار الأضعف بمثابة إشارة إيجابية كما كان مأمولاً.
وكان السبب الرئيس في بقاء العملات ذات العائد المرتفع ضعيفة يتمثل في أن البنوك المركزية لهذه الدول لم يكن أمامها خيار سوى خفض معدلات الفائدة في مواجهة الوباء. وأسهم ذلك بشكل كبير في تقليص مزايا حيازة الأموال بهذه العملات.
وذكر التحليل أنه على الرغم من الانخفاض الحاد في العوائد الأميركية الحقيقية، فإن عوائد الأسواق الناشئة تقف عند أضيق الفوارق الائتمانية مقابل العوائد في مجموعة دول العشرة منذ نوبة الغضب في عام 2013. وسيظل الضغط المحتمل على الأسواق الناشئة كبيراً إذا بدأ الدولار في استعادة قوته.
يكمن الأمل الأكبر في تجنب أزمة كلاسيكية للديون وخفض قيمة العملة في الأسواق الناشئة في أن إجراءات البنوك المركزية لم تؤدِ لتسارع التضخم حتى الآن. فيما تشير مؤشرات مفاجأة التضخم في “سيتي بنك” إلى أن المستثمرين لم يكونوا مستعدين لحجم التباطؤ.
ما الذي يدفع الدولار إلى الصعود؟
أشار التحليل إلى أنه وبعد هذا الانخفاض الذي دام لفترة طويلة، من المحتمل أن نشهد التعافي في قيمة العملة مدفوعاً أكثر بالعوامل الفنية، لكن الفيروس مثل أيّ وقت مضى قد يكون ذا التأثير الأكبر. لكن الخلل الأهم في الدولار على مدى الشهرين الماضيين يكمن في تدهور موقف الصحة العامة في الولايات المتحدة، في الوقت الذي تستمر فيه الدول الأخرى في السيطرة على الفيروس.
وفي ما يتعلق بفيروس كورونا المستجد، يعد تكرار الإصابات بالوباء في أوروبا وأستراليا بمثابة أمر مثير للقلق، في حين أن هناك إشارات مبدئية على الأمل في الولايات المتحدة، حيث يستقر عدد الحالات الجديدة ومع تسجيل عدد الوفيات معدلاً أقل بكثير مما كان مسجلاً في وقت سابق من العام.
لكن إذا تم استبعاد أرقام ولاية نيويورك من البيانات، فإنه يمكن رؤية متوسط السبعة أيام في عدد الوفيات يعود تقريباً للذروة المسجلة في وقت سابق من العام. لكن إذا تم تفادي تسجيل مستويات أعلى في حالات الوفاة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، فمن شأن ذلك أن يدعم الدولار.
إندبندنت