سد النهضة متهم بفيضانات السودان فأين الحقيقة؟

أثارت فيضانات السودان التي أدت إلى مقتل ما يزيد على 100 شخص وألحقت أضراراً كبيرة في كثير من المناطق المتاخمة لمجرى النيل في السودان تساؤلات عن الأثر المباشر لسد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا في إقليم بني شنقول المجاور للحدود السودانية.

ما هي الحقيقة وراء الازدياد غير المسبوق لمياه الفيضان هذا العام، وهل شروع إثيوبيا في ملء بحيرة خزان سد النهضة كان له الأثر في ذلك؟ وما مدى الخطر الذي يشكله السد مستقبلاً قياساً بالفيضانات الحالية التي ضربت مناطق عدة داخل السودان؟

أمطار وتحولات

ينطلق الكاتب أبرار سراج النور من أن “التحولات البيئية في كل من السودان وإثيوبيا هذا العام ظهرت جلية في كميات الأمطار التي فاقت المتوقع. وموسم الأمطار هذا العام جاء مبكراً عن التوقيت المعتاد”.

ويؤكد الباحث الإثيوبي أن “هناك قرى وبلدات عدة داخل إثيوبيا شهدت أمطاراً لم تعرفها من قبل، وأن الأضرار الناجمة عن الفيضانات تسببت بخسائر كبيرة للأهالي في الأموال والمساكن لم يكتمل إحصاؤها حتى الآن”. ويشير إلى أن أعداداً كبيرة من الرعاة والمزارعين لم يتمكنوا من إنقاذ مواشيهم وحاجاتهم التي جرفتها مياه الفيضان، إذ ارتفع منسوب المياه في أنهار أواش وسيتيت، وتزامن ذلك مع هطول الأمطار الغزيرة التي عزلت بعض المناطق بالكامل، مما اضطر الحكومة إلى إنقاذ بعض الأهالي عبر طائرات الهليكوبتر.

ويشير سراج النور إلى أن تدفق المياه جاء نتيجة فيضان نهر أواش، الذي يعبر عشر مقاطعات في المنطقة، والآخر هو فيضان مرتفعات أمهرة وتيجراي وأوروميا، واصفاً ما شهدته منطقة عفار وغيرها من المناطق هذا العام بمثابة ظاهرة جديدة لم تشهدها الأقاليم الإثيوبية من قبل. ويلفت إلى أن إقليم عفار هو جزء من وادي الصدع العظيم، وأدنى نقطة في إثيوبيا، على مستوى القارة الأفريقية.

ويؤكد تضرر مئات القرى في مناطق عفر وأسايتا وريدا والإقليم الصومالي ومناطق جنوب إثيوبيا التي جرفتها مياه الفيضانات. ويضيف “هناك حوالى 400 نازح في مدينة أسايتا” وحدها، لافتاً إلى أن “هذا أسوأ فيضان في التاريخ”.

وفي ما يتعلق بأثر السدود وأثر سد النهضة في الفيضانات التي يشهدها السودان، يستبعد الباحث الإثيوبي أن يكون لسد النهضة أو غيره من السدود، أي أثر سواء كان في السودان أو إثيوبيا، مضيفاً أن ما يحدث يفوق فاعلية السدود.

تغيرات مناخية

ويعتقد الكاتب آدم كامل أن “إثيوبيا الآن تشهد تغيراً حقيقياً في المناخ، بدليل النسبة المتزايدة في كميات الأمطار التي لم يعرف تاريخ قريب لها مثيلاً، فضلاً عن هطولها في مناطق كانت مصنفة مناطق صحراوية المناخ”. وأشار إلى أن “ما شهدته إثيوبيا بصفة عامة من أمطار هذا العام، وفيضانات وسيول تسببت في موت كثير من الأهالي، أحداث نادرة”.

ويأسف الباحث الإثيوبي لقصور اهتمام دول مثل إثيوبيا والسودان والدول الأفريقية في رصد التحولات المناخية وتوقع الكوارث البيئية، مما يتسبب بمفاجأت وأضرار.

أما إذا ما كان سد النهضة سبباً، يجيب كامل أن “الأضرار التي لحقت بإثيوبيا تفوق ما حدث في السودان”، لافتاً إلى أن “العلاقات الوثيقة بين شعبي وحكومتي السودان وإثيوبيا تعلو على أقاويل كهذه”.

رسمياً، أعلن مدير مكتب التنسيق الوطني للوقاية من الكوارث والأمن الغذائي الإثيوبي إيداهيس ياسين أن 32 ألف شخص نزحوا بسبب فيضان نهر أواش ليبلغ عدد النازحين 70 ألف مواطن شرق إثيوبيا، مضيفاً أن الإحصاءات الحقيقية للضحايا والمتأثرين لم تكتمل.

تضاريس

يعدّ نهر النيل من أطول أنهار العالم، ويبلغ طوله 6853 كيلومتراً. تجري مياه النيل الأزرق الرافد الرئيس في تضاريس معقدة داخل إثيوبيا في أعماق سحيقة، مخترقة الهضبة الإثيوبية إلى سهول منطقة بني شنقول ويسمى داخل إثيوبيا بـ”اباي”، ثم إلى الحدود السودانية.

تمر مياه النيل الأزرق (المكون الرئيس) لنهر النيل مخترقة الأراضي الإثيوبية إلى الحدود السودانية عبر منطقة النيل الأزرق، حيث يلتقي بالنيل الأبيض في منطقة المقرن في الخرطوم، وهناك يسمى نهر النيل، ثم إلى شمال السودان ومصر ثم البحر الأبيض المتوسط.

يتكون نهر النيل من رافدين رئيسين، هما النيل الأزرق الذي ينبع من بحيرة تانا في إثيوبيا، والنيل الأبيض من بحيرة فيكتوريا التي لها روافد مغذية عدة (من الصعوبة العثور على مصدره الحقيقي). وأثناء رحلته الطويلة عبر فرعيه إلى البحر الأبيض المتوسط، يمر بإحدى عشرة دولة، هي تنزانيا ورواندا وبوروندي وأوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإريتريا وكينيا وإثيوبيا وجنوب السودان والسودان ومصر.

الجفاف والتدفق

يتغذى نهر النيل بعد مساره شمال الخرطوم بآخر الروافد المائية المغذية، وهو نهر عطبرة الذي يبلغ طوله 800 كم (500 ميل). وينبع نهر عطبرة من المرتفعات الإثيوبية شمال بحيرة تانا، ويتصل بنهر النيل على مسافة 300 كم (200 ميل) بعد مدينة الخرطوم.

يغير مساره منحنياً في اتجاه جنوبي غربي قرب مدينة أبوحمد، قبل أن يرجع إلى مساره شمالاً قرب مدينة الدبة. ويعبر النيل الحدود السودانية المصرية، ويستمر في مساره داخل مصر حتى يصل إلى بحيرة ناصر، خلف السد العالي. وبعد بحيرة ناصر، يتجه شمالاً إلى البحر المتوسط. على طول هذا المسار، يتفرع جزء من النهر عند أسيوط، ويسمى بحر يوسف، ويستمر حتى يصل إلى الفيوم.

ويصل نهر النيل إلى أقصى الشمال المصري، ليتجه في فرعين: فرع دمياط شرقاً وفرع رشيد غرباً، ويحصران في ما بينهما دلتا النيل، ويصب النيل في النهاية عبر هذين الفرعين في البحر المتوسط، منهياً مساره الطويل من أواسط شرق أفريقيا وحتى شمالها.

تقدر المياه التي يحملها النيل الأزرق لنهر النيل بنسبة 80 إلى 85 في المئة، لكن هذه الكمية من المياه تأتي في أشهر الخريف والصيف أثناء سقوط الأمطار الموسمية على هضبة الحبشة، وهو ما يعرف بفيضان النيل، بينما لا يشكل النيل الأزرق في بقية السنة النسبة ذاتها، إذ تقل المياه في بعض المواسم.

ويسمى تراجع الأمطار في بعض المواسم “سنين الجفاف والجفاف الممتد”، ما يؤثر في دول المصب، لا سيما مصر التي تعتمد على مياه النيل بشكل كبير.

وتعتبر المفاوضات الجارية والمتعثرة بين البلدان الثلاثة حول مستقبل العلاقات المائية ومشروع سد النهضة، جانباً من أهم المسارات في العلاقات المستقبلية لدول وادي النيل الثلاث، نظراً إلى ما تشكله من ارتباط بالمستقبل السياسي والحضاري والبيئي والوضع الإقليمي لهذه الدول بصفة عامة.

إندبندنت

Exit mobile version