يوسف كبر .. من مطب (المواسير) إلى عاصفة ديسمبر

ربما لم يظن يوماً يوسف كبر المعلم بالمرحلة المتوسطة والمولود في منطقة الطويشة في منتصف الخمسينيات، أن يصبح يوماً ما والياً لإحدى الولايات، لكن في ما يبدو ان كبر كان يحمل جينات الطموح السياسي، فقد سارع بالسير في خطى السلطة التنفيذية والسياسية حيث كانت بداية خطوات الصعود في عام 1995م حيث دخل المجلس التشريعي بشمال دارفور نائباً لرئيس المجلس حتى عام «2002»، ثم مقرراً لآلية بسط الأمن وهيبة الدولة لولايات دارفور، وبعد أكثر من عام من تعيينه والياً لشمال دارفور بدا صيته لا يختلف كثيراً عن صنوه من الولاة، حتى صعد نجمه فجأة في أحد المواقف .

بداية الصعود

يبدو ان يوسف كبر حين أصبح والياً لولاية شمال دارفور كان يعلم سايكولوجية الرئيس البشير التي تميل إلى إظهار المواقف المتحدية للعالم الغربي والولايات المتحدة من خلال الشعارات التي يرفعها نظام الإنقاذ متوجاً لها باهازيج وأناشيد تنضح بالشطط والكبرياء العرجاء، ولهذا حينما زارت وزير الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس الفاشر عاصمة الولاية، كان ليوسف كبر موقف شهير معها احتفى به كتاب الإنقاذ وسياسيوها، ولأن هذا الموقف كان مفصلياً لدى يوسف كبر، سأله عنه أحد الصحافيين في حوار سابق، فحكى أصل الحكاية قائلاً: «جاءتنا وزير خارجية أمريكا بزيارة وببرنامج محدد بأنها ستجتمع بالمعسكرات لمدة ساعة إلا ربع، ومثلها من الوقت تقضيها مع «اليوناميد»، ومثلها مع والي الولاية، وبعد أن تحركت «كونداليزا» من الخرطوم يبدو أن شيئاً ما حدث في الخرطوم، وهنا تحدث طاقم مراسمها وقالوا لنا إن الوزيرة تعدل برنامجها وإنها ستلتقي بالوالي في مدرج المطار بين العربة والطائرة لمدة عشر دقائق، ورفضت ذلك وقلت لهم إذا لم تلتزموا بالبرنامج فأنا لا أرغب في زيارتكم لولايتنا، ولن تدخلوا المعسكرات ولن نستقبلكم، وأرسلنا أحد الوزراء مندوباً قال لها ذلك البلاغ أول نزولها من الطائرة.
وكانت ردة فعلها سريعة جداً، وقالت إن البرنامج يعود كما كان، وبعد أن زارت المعسكرات وعادت إلى الفاشر، نحن حولنا الاجتماع إلى مكان بالقرب من المطار، وتوقفت وقالت إن الوالي يأتي ليستقبل الوزير في المدرج بالمطار، وقلت لهم أنا سأقابلها بالباب ولن أقابلها أبعد من ذلك». كذلك فإن مواقف أخرى تتعلق بإدارة الأزمة تجاه قضاياها الأمنية المعقدة وقبولاً من المركز، أعطت الوالي كبر كارزيما واضحة وعملت على تثبيت أقدامه في سدة الولاية وحتى إعفائه من منصبه لاحقاً .
صراعات حامية

لعل نهج يوسف كبر الذي اتخذه لتسيير الولاية وما شابه من إسقاطات، اعتبرها البعض أنها سلبية، كان من شأنها أن تجعل العديد من السياسيين داخل أو خارج الولاية وكذلك عدد من الإعلاميين ورواد الوسائط الإلكترونية، يوجهون له وابلاً من الهجوم الكاسح، ولعل أبرزهم هو زعيم المحاميد البارز موسى هلال الذي لم يعمد للغة الدبلوماسية أو السياسة في معركته مع الوالي عثمان كبر، حيث اتهمه بأنه يقف وراء الأحداث الدامية التي وقعت آنذاك بمنطقة جبل عامر والسريف بني حسين، التي نتجت عنها المواجهات بين قبيلتي الرزيقات الأبالة، وطالب هلال بتكوين لجنة محايدة بعيدة عن المؤتمر الوطني للتحقيق في تلك الأحداث، ثم اتهم «كبر» لاحقاً بأنه يمتلك منجماً للذهب، وقال إنه يملك كافة إثباتات تلك التهم، بيد أن يوسف كبر اكتفى وقتها بالقول: (إنه سيرد على كل الاتهامات في الوقت والزمان المحددين). وأشار إلى أن أحداث جبل عامر جرى استغلالها من جهات في محاولة لإزاحته من منصبه عبر تحريك الأحداث بعد أن استقرت الأوضاع. وأضاف كبر في تصريح آنذاك لـ «السوداني»، أنه سيكشف في الأيام القادمة كل الحقائق والملابسات وتفنيد كل الاتهامات التي وجهها إليه موسى هلال بيد أنه لم يفعل ذلك .
اتهام بأعمال السحر

ولم تكن الاتهامات حول كبر من قبل البعض تدور فقط حول إدارته للولاية من حيث الشفافية، بيد أنه راجت أيضاً اتهامات بتعامله مع السحر لتوطيد بقائه على سدة الولاية، وهو ما ذهب إليه موسى هلال بوضوح، ولهذا وجه الصحافي الشاب أحمد دندش في مايو 2013م عبر صحيفة «المجهر»، سؤالاً ليوسف كبر قال فيه: «قالوا غزال (كبر) فيه سحر وتعمل به «الأناطين» للحفاظ على مقاعد السلطة)؟ فرد عليه قائلاً: )طبعاً لا يوجد غزال عمره عشر سنوات أصلاً، وهناك أكثر من عشرين غزالاً هنا في منزلي وتتوالد منذ أجيال. وهناك من الغزلان ما يهرب من المنزل في عمر العام أو عامين، وهناك ما يأكله الناس).
سوق المواسير

وفي عهد الوالي يوسف كبر برزت في مدينة الفاشر عاصمة الولاية أزمة حادة في التعامل الاقتصادي الربوي في ما أطلق عليه سوق المواسير كناية على حصاد السراب الذي ناله ضحايا المتعاملين معه، وتعلقت باهدار مبالغ بلغت عشرات الملايين من الجنيهات عبر مضاربات وصفت بانها ربوية، وكانت السلطات العدلية قد أوقفت عدداً من المتهمين في هذه القضية شملت ولاية الخرطوم وشمال دارفور، كما حجزت وسائل نقل وحجزت أموالاً وعقارات ومنقولات وتمكنت من النظر في (680) عريضة جنائية صرحت منها (180) في اليوم الأول و (500) في اليوم الثاني، وقال رئيس اللجنة بابكر عبد اللطيف آنذاك في تصريح سابق لـ (سونا) ان الدعاوي انحصرت تحت قانون الثراء الحرام والمشبوه بالاضافة إلى دعاوى جنائية تحت المادة (179)، وأوردت صحيفة الوطن وقتها أن القائميى علي أمر السوق لديهم (80) موقعاً عبارة عن أماكن بيع السيارات ومستودعات لتخزين البضائع وساحات خارجية للمحاصيل الزراعية، وأن معدل التعامل بالشيكات التي يحررها المتعاملون بلغت عشرة آلاف شيك في الشهر الواحد، بينما حمل د. عبد القادر الخبير الاقتصادي لنفس الصحيفة البنوك والمصارف التجارية بالمدينة مسؤولية انتعاش السوق باعتبارها وفرت هذا الكم الهائل من الشيكات، وكان والي ولاية شمال دارفور عثمان محمد يوسف كبير قد أكد حرص ولايته على رد أموال المتضررين وفقاً للقانون، نافياً صلة حكومته بهذا السوق والتداعيات التي صاحبته، لكن هل هناك أي تلاقٍ بين السياسة وأزمة السوق الربوية، أم أن ما جرى هو مجرد معاملات اقتصادية سالبة أفرزها التعامل الاقتصادي دون تدخلات مؤسسية من جهات الاختصاص؟
الكاتب عبد الله آدم خاطر في مقال له بصحيفة (الصحافة) في ذلك الوقت، اعتبر أن السوق قد لقي حماية من السلطات النقدية والمالية والتشريعية والتنفيذية، وأتهم البعض والوالي (كبر) بأنه شجع المواطنين على الدخول في مضاربات السوق، وقالوا إنه وصفه بسوق الرحمة، لكن بالرغم من تداعيات السوق الكبيرة والمأساوية لم يعاقب المركز الوالي، ويبدو أن موقفه السابق مع وزير الخارجية الأمريكية كان ورقة العبور الآمن له.
حضور إعلامي

عرف الوالي يوسف كبر بحضوره الإعلامي المتكرر في الوسائط الصحفية وعلاقته القوية مع بعض رموزها، حتى أن ثلاث صحف نشرت له ثلاثة حوارات في يوم واحد، ولعلها تزامنت عندما بدأ المركز لإحداث تغييرات في مناصب الولاة.
الهجوم الأخير

وكان والي شمال دارفور عبد الواحد يوسف قد أطلق هواءً ساخناً تجاه والي الولاية السابق المثير للجدل يوسف كبر من منصة مكتبه بالولاية، عبر حوار صحفي أجراه الزميل فضل الله رابح، حيث تحدث عن الخلاف بينه وبين خلفه السابق، وقال إن «كبر» لم يسلمه أمانة التكليف، ولم يخل عهدته بعد، مشيراً إلى أنه لم يفتح الملفات الخاصة بالوالي السابق، بل كانت مفتوحة من قبل أجهزة حكومة الولاية، وكشف أن بعض هذه الملفات في القضاء وتخص مواطنين في القضية الشهيرة المعروفة بسوق «المواسير» وملف خاص بالعربات الحكومية وقضايا أخرى، قال إن تفاصيلها بطرف الأجهزة والمؤسسات المختصة، وإنه لا يريد أن يؤثر حديثه في مسار التحقيقات والإجراءات، وبرأ الوالي عبد الواحد نفسه من أية مديونيات سابقة بالولاية، وقال: «لست مسؤولاً عن مديونيات على حكومة الولاية وبدون مستندات تدل على أنها صرفت في تنفيذ مشروعات تخص إنسان الولاية». وعندما سأله المحرر عن أصول الولاية قال الوالي: «مع أنني لم استلم كشف أصول الولاية كما جرى العرف، ولكنني عملت على تنظيم الموجود والتقارير كشفت حقائق مذهلة سأحتفظ ببعضها إلى حين الفصل فيها». وهنا قال له المحرر في مداخلة: «هل تقصد ملف الـ (84) عربة المفقودة؟» فقال: «هي وغيرها، ولكنني اليوم اهتم بماذا أقدم لإنسان للولاية وليس محاكمة كبر وأجهزته، فهو لديه جهات تستطيع أن تحاسبه أو تعفيه أو تحفظ الملف». وقال مخاطباً الوالي السابق يوسف كبر وموجهاً اتهامات خطيرة: «أكرر عليه برفع يده عن التأثيرات السالبة داخل الولاية وعدم إثارة بعض المجموعات لتحقيق أجندة شخصية خاصة، وهو اليوم يتواصل بصورة منتظمة مع مجموعات مسلحة للدفاع الشعبي وغير مسموح له بتوجيهها لتنفيذ أي عمل دون إخطار الجهات التي تتبع لها، وليس من حقه تحريكها وخلق أزمات ومشكلات وسط المجتمع)، بيد أن الوالي السابق يوسف كبر رد بقوة على هذه الاتهامات من دون أن يفندها وفق بيانات وأرقام محددة. وقال لصحيفة «اليوم التالي»: «هناك جزء من الناس والقيادات يعمل لاغتيال شخصية عثمان كبر وهذا ليس جديداً بل كان في وقت سابق ومازال، وهذه المحاولات متصلة، وجزء من الحملة قطع الطريق على عثمان كبر حتى لا ينافس البعض في مواقعهم القيادية في الدولة أو الحزب، ومجموعة من الناس كي يحافظوا على مواقعهم كان لا بد أن يتم رجم (كبر) وقطع الطريق عليه حتى لا يدخل منافساً لبعض الناس، وهذا من حقهم». وعندما سأله المحرر عن علاقته بالوالي الجديد عبد الواحد يوسف قال دون تحفظ إنها يشوبها الكثير من التوترات، كاشفاً الأسباب، وقال: (إن الأخ عبد الواحد وجه الكثير من التهم لشخصي والحكومة السابقة، وظل يردد أشياء كثيرة في الإعلام، ومن حقه أن يتهم ويبحث وهذا واجبه، ولكن صحيح أن الممارسة المتبعة في المؤتمر الوطني بل حتى في المؤسسات الرسمية من الطبيعي أن تكون المساءلات والمناقشات في أطرها المعينة، ومناقشة القضايا الخاصة في أي خلل عنده مستوى محدد يتم فيه، لكن أن تنشر مانشيتات في الصحف عن فقدان «83» عربة بشمال دارفور، وأن ديون حكومة كبر السابقة «120» مليار جنيه، أفتكر هذا فيه كثير جداً من التضليل للرأي العام وهذا ليس صحيحاً(.
وهنا سأله المحرر عن مدى صحة إخفاء كبر ممتلكات تابعة للولاية وقام بتخبئتها في منزله بمنطقة الطويشة، فقال: «أنت الآن تجري معي هذه المقابلة في منزلي في الطويشة، والآن المنزل مفتوح أمامك، والذين باتوا في هذا المنزل اليوم أكثر من «80» شخصاً في كل أجزاء المنزل، لا أدري أين توجد هذه المهمات، الدار أمامك ولك أن تبحث إن وجدت غير الأسرة والكراسي فعليك أن تشهد بذلك، أفتكر أن المسألة ما عندها قيمة وهذا هراء وأراجيف واتهامات خسيسة وتعكس مدى الخرف، ولا أريد أن أتلفظ بألفاظ نابية ولكن إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم(.
العاصفة الأخيرة

بعد انتفاضة ديسمبر المجيدة تم التحفظ على يوسف كبر، ووجهت له بعض التهم مع آخرين تحت المادة (177/2) المتعلقة بخيانة الأمانة للموظف العام، إلى جانب مخالفة المادة (29) من قانون الإجراءات المالية والمحاسبية لعام 2007م، ومن المنتظر أن تبدأ المحاكمة يوم الأربعاء القادم، لكن هل ستشمل التهم لاحقاً الاتهامات المتعلقة بامتلاك منجم للذهب؟ وهل له علاقة مباشرة بأزمة سوق المواسير والاضطرابات الدموية بمنطقة جبل عامر والسريف وبني حسين كما أشار موسى هلال؟ وكذلك الاتهامات التي ساقها خلفه في الولاية عبد الواحد يوسف؟
الأيام القادمة ربما تجيب لنا عن كل هذه التساؤلات أو على الأقل بعضها.

صحيفة الانتباهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.