بعد 33 عاما في الاغتراب، تخلى الصادق محمد عبدالله عن الحياة المريحة في كندا، للعودة إلى بلاده والمساعدة في إعادة بناء السودان الذي يطوي حاليا صفحة 3 عقود من الحكم الاستبدادي.
وقال محمد الذي يرأس حاليا قسم الصحة والبيئة في شركة الثروة المعدنية السودانية “بعد الثورة … اعتقدت أن هذا هو الوقت المناسب للعودة… رغم الرفاهية التي يتمتع بها الأشخاص في الغرب”.
وأضاف: “إنه بلدي وعلي القيام بذلك”.
وتشرف هذه الشركة على عمليات التنقيب والإنتاج وفرض الضرائب على قطاع التعدين في السودان خصوصا مناجم الذهب.
وحكم الرئيس المخلوع عمر البشير البلاد بقبضة من حديد لمدة 30 عاما حتى إطاحته في أبريل 2019، بعد أشهر من تظاهرات عمّت الشوارع بقيادة الشباب السوداني.
وقال عبدالله المهندس المدني الذي يبلغ من العمر 55 عاما والأستاذ السابق في جامعة كالغاري، والذي عاد إلى الوطن في نوفمبر بعد 6 أشهر من سقوط النظام، “نظام البشير دمر كل شيء على مدى 30 عاما. أعتقد أنه من واجبي المشاركة في… بناء سودان جديد”.
لذلك هناك حاجة إلى الخبرات.
يعاني اقتصاد السودان من أزمة بعد سنوات طويلة من الحرب الأهلية تحت حكم البشير والعقوبات الأميركية، وانفصال الجنوب الغني بالنفط العام 2011.
بقي مبارك أردول وهو المدير العام للشركة، في المنفى لمدة 8 سنوات.
وتعرض منزله الواقع في جبال النوبة في جنوب السودان لهجوم من القوات الحكومية، فيما قاد مجموعة من المتمردين ضدهم.
فخور
فر أردول البالغ من العمر 38 عاما إلى أوغندا في العام 2011. وروى: “ظننت أن هذا النزاع لن يستمر طويلا. لقد عملنا بكل قوتنا لإسقاط النظام”. وأضاف: “شعرت بأنني سأعود إلى الديار قريبا جدا”. لذلك عندما أجبر البشير على التنحي، عاد أردول من كمبالا بأسرع ما يمكنه.
وأوضح أردول: “خرجت من السودان العام 2011 بعد الحرب بين طرفي اتفاق السلام في مدينة كادوقلي. خرجت كمواطن (…) تركت البيت الذي بنيته على مدى خمس سنوات. خرجت لوحدي وتركت أسرتي في المنزل”.
وتابع: “عدت على الفور. كنت قائد أول مجموعة مسلحة وصلت إلى الخرطوم في 10 مايو 2019”.
تم تعيين أردول من قبل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وهو زميل له في المقاومة جعل تحقيق السلام مع المتمردين الذين قاتلوا البشير أولوية.
يسعى أردول إلى زيادة عائدات الشركة التي تعتبر من أنجح الشركات في البلاد الإفريقية.
وأوضح “لقد تجاوزنا أهدافنا بأشواط”.
ومن بين مئات المنفيين الذين عادوا إلى السودان من أنحاء العالم منذ العام الماضي، محمد عبد الحميد، الذي قال إنه “سعيد وفخور” بعودته لتولي منصب المدير العام لوكالة الأنباء الحكومية (سونا).
وأضاف هذا الصحافي البالغ من العمر 64 عاما من مكاتب الوكالة في الخرطوم، “كنا نعلم أنه تحد كبير… عدت إلى الوطن لأنني أردت العودة، لأنني شعرت بأنه يمكنني أن أكون جزءا مما يحدث”.
وتابع: “نحن سودانيون في النهاية وهذه الوظائف موقتة ووجودنا فيها هو فقط لخدمة الشعب”.
دبلوماسي جدا
عاش عبد الحميد في اليمن قبل أن ينتقل إلى هولندا حيث أطلق برامج إذاعية وتلفزيونية باللغة العربية.
وقال: “لم تكن مسألة مال… كنت أكسب حوالى 3 آلاف دولار في الشهر… الآن أكسب 80 ألف جنيه سوداني، أي ما يعادل 180 دولارا”.
وتابع: “أنا فخور بما أفعله ولم أندم على قراري”.
لكن عودة المنفيين من الولايات المتحدة وبريطانيا والخليج لشغل مناصب حكومية وخلافة شخصيات في نظام البشير الإسلامي على رأس مؤسسات حكومية، لم تحظ بترحيب الجميع.
وقال أمين بشير رجل الأعمال والناشط البالغ من العمر 32 عاما متذمرا “لقد جاؤوا لجني ثمار النصر لكننا نحن من عانى”.
وقدّم أديب يوسف وهو حاكم محلي في إقليم دارفور عاش 6 سنوات في الولايات المتحدة بعدما أمضى فترة في السجن وفر خوفا من تعرضه لعملية اغتيال، نصائح للجانبين في السودان الجديد.
وقال: “هذا النوع من الغيرة لا يساعد. الأشخاص الذين عاشوا في الخارج يمكنهم جلب الخبرة والمعرفة… يرون المشكلات والقضايا في السودان أفضل من الأشخاص الذين عاشوا هنا”.
أما محمد فقال إن إنه على العائدين أن يكونوا “دبلوماسيين جدا”، مضيفا: “لقد رحبوا بنا حتى الآن لأننا كنا في الغربة وعدنا إلى أهلنا وأصدقائنا وبلدنا. لكن إذا رأوا أي شخص يتصرف بغطرسة، فسيأخذون الأمر بشكل سيّئ”.
ولفت إلى أنه “فيما يتعلق بالاندماج في العمل، فنجد ايضا ترحيبا بالأشخاص القادمين من الخارج إذ يُعقد أن لديهم كفاءات وخبرات وتعليم مختلف ويمكن أن يقدموا شيئا للسودان”.
وختم: “التحدي الذي يواجه الأشخاص القادمين من الخارج هو أنهم معتادون على العمل في نظام منظم بالكامل”.
الحرة