زهير السراج : مأتم الرجولة السودانية !
- لستُ ضد التطبيع مع اسرائيل بشكل مبدئي، ولقد كتبتُ عن ذلك أكثر من مرة، ولكنني ضد التطبيع بلىْ الذراع، ضد التطبيع بانتقاص السيادة، ضد التطبيع بامتهان الكرامة .. ضد تطبيع الجوع الذى خرج الكثيرون يهللون له ويؤيدونه بدون حياء أو خجل بدعوى الخلاص من الجوع وصفوف الخبز والغاز والبنزين، ويفضحوننا أمام العالم بأننا شعب يبيع سيادته و كرامته من أجل لقمة العيش، بعد ان عشنا كل تاريخنا شرفاء أعزاء نفتخر بأننا الشعب المعلم ..
لو كان هذا هو التطبيع الذى يريدونه لنا، فأفضل مليون مرة أن نموت جوعى رؤوسنا مرفوعة في السماء من أن نعيش خانعين وهى مدلاة بين أفخاذنا وظهورنا محنية الى الأمام .. نُطبّع مع إسرائيل أو مع الشيطان ولكن بإرادتنا نحن، لا بتركيعنا !
- عندما التقى البرهان بنتنياهو في العاصمة اليوغندية قبل بضعة أشهر، كتبت مقالا بعنوان (عودة الرجولة العربية) أرد به على الذين خرجوا من العرب والفلسطينيين يسيئون لنا وينتقصون من قدرنا، قلت فيه: * يحق لنا ان نفتخر باننا الوحيدون الذين نجحنا في توحيد صفوف العرب العاربة والمستعربة والمستغربة والمنبطحة وحتى المتصهينة، بكافة أشكالهم وانواعهم من سياسيين واعلاميين ومتحذلقين ومشعوذين ومتطرفين ومتقعرين، رغم أنهم لا يستحقون ..
المرة الأولى في مؤتمر القمة العربي في عام 1967 بعد الهزيمة الشنيعة في حرب الأيام الستة، والثانية بعد لقاء البرهان ونتنياهو في أوغندا قبل يومين! * ليس هنالك (عربي) واحد لم ينتهز فرصة اللقاء ليستعيد فحولته التي سلبتها اسرائيل ويسترجل بها علينا، ويستعرض كل ما في قاموس بذاءاته من شتائم واساءات ضد (العدو السوداني) الذى اغتصب فلسطين والجولان والضفة الغربية والشرقية وجعل القدس عاصمة ابدية لإسرائيل، واذاقهم الهزائم والذل والهوان واغتصب رجولتهم التي لا يجرؤون على استعراضها إلا بين ارجل الغواني والصحف الصفراء ومحافل الكلام .. حتى المخنثين لبسوا عباءات الرجولة وتسارعوا لشن الحرب على السودان .. هل هنالك ما نفتخر به أكثر من ذلك ؟!
- ما يسمى بالسلطة الفلسطينية التي تتوهم انها دولة ذات كيان وسيادة لها رئيس ومجلس وزراء ومجلس تشريعي تنفق عليهم الملايين من اموال الصدقات والتبرعات من امريكا وغيرها، وهى ليست سوى مجلس بلدي متواضع أنعمت به عليها إسرائيل بناءً على اتفاقية أوسلو، سارعت بإدانة السلطة الانتقالية السودانية وألغت زيارة وفد أمنى بقيادة اللواء زكريا مصلح للقاء البرهان واعلنت تجميد التعاون الأمني والعسكري مع السودان!
وللتذكير فقط، فلقد اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية حسب اتفاقية أوسلو لعام 1993، بحق دولة إسرائيل في العيش في سلام وأمن، والتزمت بالوصول إلى حل لكل القضايا الأساسية المتعلقة بالأوضاع الدائمة من خلال المفاوضات، وأن الاتفاقية أو ما اطلق عليه (إعلان المبادئ) يبدأ حقبة خالية من العنف، وطبقا لذلك فإن المنظمة التحرير تدين استخدام الإرهاب وأعمال العنف الأخرى، وستقوم بتعديل بنود الميثاق الوطني للتمشي مع هذا التغيير، وستأخذ على عاتقها إلزام كل عناصر أفراد منظمة التحرير بها ومنع انتهاك هذه الحالة وضبط المنتهكين.
كما وجه ياسر عرفات رسالة إلى وزير الخارجية النرويجي آنذاك (يوهان يورغن هولست) يؤكد فيها أنه سيُضمّن بياناته العلنية موقفا لمنظمة التحرير تدعو فيه الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الاشتراك في الخطوات المؤدية إلى تطبيع الحياة ورفض العنف والإرهاب والمساهمة في السلام والاستقرار ! * وعلى ضوء ذلك اعترفت اسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للفلسطينيين، ووافقت على إقامة (سلطة حكم ذاتي انتقالي) فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهى التي ظل الفلسطينيون يتوهمون أنها حكومة ويتمخطرون بها في المحافل الدولية، وهي ليست سوى مجرد مجلس بلدي يتمتع بنوع من الحكم الذاتي داخل الكيان الإسرائيلي، ثم يستأسدون على دولة ذات سيادة وكيان ويعلنون تجميد التعاون معها بسبب لقاء رئيسها مع نظيره رئيس الوزراء الإسرائيلي ! * أين كانت هذه السلطة الفلسطينية عندما زار نتنياهو سلطنة عُمان والتقى بالمرحوم السلطان قابوس، واين هم من زيارات الوزراء الإسرائيليين العلنية والسرية للدول العربية، واعتراف العديد من الدول العربية بإسرائيل وارتفاع العلم الصهيوني في السماء العربية، أم حلال على بلابله الدوح حرام على الطير السوداني؟!
ليس هنالك ابلغ في وصف هذه المهزلة من قصة الشخص الذى سأل صديقه مستنكرا” لماذا تذهب أُمك الى السوق كل يوم، فقال له من الذى رآها، فأجابه رأتها أُمي ! * يكفينا فخرا أن يكون لقاء البرهان ونتنياهو السبب في عودة الرجولة الى العرب، وارتداء ملابسهم التي خلعوها على سرير الفحولة الإسرائيلية، والعودة الى ميادين القتال ضد العدو الصهيوني مرة اخرى على الأرض السودانية الطاهرة التي طالما كنت السبب في رجولتهم وفحولتهم وتوحد صفوفهم!
- كان ذلك هو المقال الذى هاجمت فيه من اساؤوا لنا، ودافعت عن خيارنا الحر وسيادتنا على انفسنا وبلادنا، ولكن أن نخرج الى اجهزة الاعلام ونستجدى ونصرخ ونذل أنفسنا وندمى كرامتنا ونبرر التطبيع بأننا جوعى، فهو أمر مرفوض ومدان لا يقبله شعب لنفسه وكرامته ورجولته .. وليت التطبيع بعد كل هذه المذلة يشبع البطون الجائعة ويستر الأفخاذ العارية ! * كان السوداني خلال مجاعة (سنة ستة) في عهد الخليفة عبد الله التعايشي عندما يشعر انه سيموت من الجوع، يربط اطفاله فى العنقريب (السرير) حتى لا يشحتوا بعد وفاته، وبعد أكثر من مائة عام نريد ان نأكل بفخذينا ونسميه التطبيع !
الجريدة