ناهد قرناص تكتب: (نحو) الأمية

والعبارة أعلاه كانت طرفة متداولة أيام الزمن الجميل ..عندما كنا منارة التعليم في الوطن العربي وافريقيا و(قفلنا واحتفلنا) بالتعليم الابتدائي المجاني.. فانتشرت مدارس مسائية لتعليم الذين فاتهم قطار الدراسة ..ولديهم رغبة في التعلم …فكانت مدارس (محو الامية) ..لكن البعض كان ينقطها خطأ فيبدل الميم بالنون فتضيع الكلمة ويختلف المعنى جملة وتفصيلا.

قبل أيام قرأت لافتة في الطريق العام ..لافتة لمؤسسة حكومية رسمية ..يعني (لافتة متعوب عليها ومدفوع فيها الشئ الفلاني )..مكتوب (صك العملة) ..ايوة والله ..(صك) بدلاً عن (سك ) ..وما بين الصاد والسين ..ضاعت الكلمة وتاه المعنى ..ولله الأمر من قبل ومن بعد ..ويبدو ان الصاد في طريقها الى تسيد المشهد عنوة واقتدارا وما (حدش قادر يلمها) فقد صار من المعتاد ان تقرأ في الشريط الاخباري الرسمي اطلاق (صراح) بدلاً عن اطلاق سراح ..ويا قلبي لا تحزن.

فجأة لاحظت ان أعيننا تعودت على الأخطاء الاملائية ..ولم تعد تثير فينا ذلك التقزز او التحسر على الكتابة كما كان الأمر في البداية …عادي صرت اقرأ (الذمن) و(الاعتزار)..و(القضب).. وأهز كتفي واقول في نفسي (وأنا مالي ) ..بل انني قرأت قبل أيام كلمة (الاقتراح) في مجمل حديث عن الانتخابات الامريكية ..ولم افهم المقصود الا بعد ان اكتشفت المقصود هو كلمة (الاقتراع).. والمؤسف في الأمر ان الاخطاء اعلاه لا يرتكبها اشخاص لم يكملوا دارستهم ..لكنها تأتي من اشخاص نالوا من التعليم أكثره وربما كانوا من الذين تقدموا الصفوف في التخرج ..حينها تعلم يا صديقي اننا فعلا نسير (نحو الأمية).

لجنة القراي ..لا أدري بالضبط ما تقوم به ..وهم كغيرهم من اللجان يحيطون عملهم بسياج عال من السرية والتكتم ..وكل مرة ترشح إشاعة بأن هناك دوروسا قد تم الغاؤها ..او هناك دروساً تمت اضافتها ..ومن ثم ويتم نفي هذه الاخبار ..و(بس خلاص ) ..المهم ..يا جماعة الخير ..والذين بيدهم الحل والعقد في امر المناهج والتعليم ..اعيدوا للتعليم هيبته ..وللغة العربية مكانتها ..وبالذات حصص الاملاء ..ودروس المطالعة والمكتبة ..والنصوص والاناشيد ..وكل تلك الكتب التي ظلت محفورة في أذهاننا رغم تباعد الزمن والتقدم في العمر.
(نجي بعد دا للافتات )..الذين يقومون على أمر اللافتة عادة ما يكون جل همهم هو المبلغ الذي يتم انفاقه.. وتصديقه واستخراجه ومحاولة (مباصرة) جزء منه للصالح (الخاص) ..الى هؤلاء المذكورين آنفاً.. عندي ليكم مفاجأة صغيرة ..تخيلوا ان تصحيح العبارات المكتوبة خدمة مجانية ..لا تنقص من المال شيئا ..فقط (أسأل قوقل) ..انفق جزء بسيط من وقتك للتدقيق في الكلمات المكتوبة في اللافتة ..فالخطأ اللغوي بعد قليل تعتاد العين عليه حتى يتم اعتماده بديلاً للصحيح ..ومن ثم يأتي زمن تصير فيه الأمية واقعاً وليست مجازا كما هو حادث الآن…في هذ الزمن السعيد الما بعيد.
المفارقة غير السعيدة انني وفي طريقي للعمل صباح أمس قرأت على ظهر حافلة ركاب عبارة (الذمن قدار) ..فوجدتني أهتف دون وعي (اقبل وين وأحكي الوجعة).

صحيفة الجريدة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.