عادات “فيسبوكية” غريبة

لا يختلف اثنان على مكانة الفيسبوك في الحياة المعاصرة، وتفوُّقه على جميع أبناء جنسه من جهة الانتشار والاستخدام العالمي، حيث أصبح جزءاً أساسياً من يوميات الملايين في المعمورة، ووسيلةً للتعبير عن الفرح أو الحزن بآنٍ معاً بالنص أو الصورة أو الفيديو.

إلا أن بعض مستخدميه لا يحسنون استخدامه في إيصال أفكارهم، ويحولون الوسيلة التي وُجدت لتسهيل التواصل وتبسيط العلاقات بين البشر أكثر تعقيداً، لأنهم عن غير قصدٍ أو عمداً يحيطون أنفسهم بحالاتٍ معينة وينشرون أفكارهم بشكلٍ غامضٍ أو مثيرٍ سلبياً لحدٍ معين.

من العادات السيئة المنتشرة مؤخراً لدى بعض مستخدمي الفيسبوك، نشر صورةٍ سوداء أو آية قرآنية تدل على وقوع حادثة وفاة دون تعريف القارئ بالمتوفى أو ذكر اسمه وصلة قرابته بالناشر، مما يجعل الأصدقاء والمعلقين في حيرةٍ من أمرهم، ويُدخلهم في دائرة التوقعات عن صاحب المنية.
ويزداد الأمر سوءاً عندما يغير أحدهم صورته الشخصية إلى اللون الأسود ويغيب فترةً دون الشرح أو التفسير، وكأن الموت أحجيةٌ على المتابعين فك طلاسمها كلٌ حسب علمه ومعرفته.

والبعض يحلق في سربٍ آخر أكثر استفزازاً من الصنف السابق، فإن توفي أحد معارفه من الدرجة العاشرة، أو شخصٌ التقاه صدفةً في الطريق، سرعان ما يبادر إلى تغيير صورته الشخصية وإعلان الحداد “الفيسبوكي” على إنسانٍ ربما لم يجلس معه برهة، وإنما ربطته الحياة به عن طريق الجد السابع للعائلة، فتراه منشغلاً باستقبال التعازي والمواساة، بعد أن يسير على خطا سابقيه وينشر الصورة ويغيب إلى غير عودة قريبة.

لست بصدد تحجيم الفيسبوك كمنبرٍ لنشر الصور والأحداث السعيدة، أو للتعبير عن حالات الفرح التي يمر بها مستخدموه، لكن استخدام الموت فيه بشكلٍ غير واضح قضيةٌ مستفزة، فمن يرد أن يشارك الآخرين حزنه، فعليه إعلامهم بالمصدر وسببه حتى يتسنى للعائلة والرفاق والمعارف دعمه بالكلمة أو بالمشاركة الفعلية على أرض الواقع.

ومن المؤكد أن من يتيح له الوقت في قمة الشدائد استخدام الموقع الأزرق، يستطيع اغتنام لحظاتٍ إضافية لا أكثر لشرح سبب الصورة وعدم تركها مبهمةً للآخرين، فإن كنت تريد مشاركة مَن تعتبرهم أصدقاءك ألمك ومصابك، فلا تتلاعب بمشاعرهم وتلقِ قنبلتك السوداء وتختفِ، وإلا عش مصيبة الموت بصمت دون بلبلةٍ إلكترونية تغيظ الآخرين.

ومن زاوية أخرى، بات هناك نوعٌ مبتكرٌ من الشحاذة وطلب مساعداتٍ غير مادية من المتابعين للمنشورات والصفحات، حيث يقوم أحدهم بنشر قصة قريبٍ له في حالة يُرثى لها أو نعياً لعزيزٍ عليه، ويطلب من القراء الدعاء على نية التوفيق أو الشفاء أو قراءة الفاتحة على روح المتوفى بصيغة لا تخلو من إثارة الشفقة واستجداء التعاطف، بل يزيد الطين بلة عندما تضاف صورة المريض القاسية طلباً لاسترحام أصحاب القلوب الضعيفة، وحثاً لهم على الابتهال بالدعاء على نية التعافي.

ليس من الخطأ التعاطف مع الإنسان المجهول، والدعاء له بظهر الغيب لما له من فضائل دينية وأخلاقية، وصدقةٍ توضع في ميزان أعمال المرء عندما يتذكر غيره بدعوة صادقة، لكن أسلوب البعض في طلبها يثير الغيظ ويُشعر المتلقي أن مواساة من لا يعرف فرضٌ عليه مجبرٌ لا مخير، فقط لأنه استخدم ألفاظاً تحرك المشاعر وتهيج الأحاسيس، في وقتٍ لا يحتاج فيه العربي إلى جرعة ألمٍ إضافية، وكأن هموم بلاده والصور الدامية القادمة من الشرق لا تكفيه.

مواقع التواصل الاجتماعي منابرٌ حرة للتعبير عن الذات ومشاركة الأحداث مع الآخرين بهدف الفائدة أو المتعة أو الإعلام وإيصال خبرٍ معين، ومن أجل تلك الغايات، يفترض بمن يستخدمها أن يراعي خاصية التشارك والتفاعل مع الباقين ويحترم عقولهم ومشاعرهم، دون العبث بأوقاتهم واستغلال أحاسيسهم بغية الحصول على الدعم وجلب الانتباه بطرقٍ منفرة.

المصدر: مجلة العربي الجديد
عادات “فيسبوكية” غريبة – نورة الدوبسي – كاتبة فلسطينية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.