إذا لم تنشر فأنت في جهنم

منذ أن كنتُ في المرحلة الابتدائية كنت أتفاجأ من حين لآخر في أثناء عودتي من المدرسة بأحدهم يعطيني منشوراً ويمشي في سبيل حاله، هذا المنشور يحوي قصة طويلة خلاصتها “أن أحد الشيوخ نام ليلة في الحرم المكي أو المدني وفي أثناء نومه رأى أحد الأنبياء أو الصالحين وهو يبلغه أن الويل والوعيد سيحل بهذه الأمة ويجب على من يصل إليه نبأ هذه الرؤيا أن يقوم بتوزيعها على عدد محدد من الناس -يختلف العدد أحياناً من ورقة لأخرى- وسوف يحدث له خبر سار في حياته، أما إذا أهملها فإن هناك كارثة بانتظاره”.
وطوال سنوات حياتي وأنا أرى هذا المنشور يتم توزيعه من حين لآخر ويتطور شكله مع تطور تقنيات التصوير حتى وصلنا لعصر التكنولوجيا فأصبحت أرى نص هذه الرؤيا كثيراً في مشاركات ورسائل مجموعات شبكات التواصل الاجتماعي مع تطورها نوعاً ما في النص وفي تشديد الوعيد وخصوصاً في آخرها مثل “إذا لم تنشرها فاعلم أنَّ ذنوبك هي التي منعتك” أو “انشرها لأنَّ رجلاً لم يرسلها أصابه المرض” أو “انشرها وانتظر ماذا سيحدث بعد ثلاثة أيام” أو “إذا لم تنشر هذه الرؤيا فاعلم أن الشيطان قد قيد يديك وأنه سيقودك إلى جهنم”..
أضحكني كثيراً أحد العاملين في مجال تصوير الأوراق والمستندات قال لي ذات مرة إنه عندما يقل زبائن مركز التصوير الذي يمتلكه فإنه يقوم بتصوير ورقة واحدة فقط من المنشور الذي يحوي نص هذه الرؤيا ويعطيها لأي زبون يقبل على محله، وعلى الفور إن قرأ واقتنع هذا الزبون بهذه الرؤيا فإنه يطلب تصويرها بحسب العدد المحدد في الرؤيا ويقوم بتوزيعها حال خروجه من المركز، ومن ثم يأتي هؤلاء الذين وصلتهم هذه الرؤيا ويطلبون تصويرها.. وهكذا يكون قد حرك العمل الراكد في المركز..
في السابق ظننت أن مثل هذه القصص الساذجة ما هي إلا انعكاس لبعض الثقافات والاعتقادات السلبية السائدة في بلدي، ولكن التطور الهائل في طرق التواصل التكنولوجي مع العالم الخارجي بين لي أنها تنتشر أيضا في البلدان المجاورة، قد تكون ليست بنفس النص ولكنها تقريبا نفس الرؤيا ونفس الفكرة، مما يدل على أن مثل هذه القصص تلقى رواجاً واسعاً وقبولا لدى الكثيرين من ضعاف العقل والتفكير.. وللأسف عندما تجد أمة تصدق وتنشر مثل هذه السذاجات وتؤمن بمحتواها فاعلم بأن هذه الأمة ينتشر فيها الجهل وغياب العقل والفراغ الروحي!.. فكيف لرؤيا ساذجة مثل هذه هي التي ستحدد مستقبلك بالإيجاب أو بالسلب، فالله وحده هو العالم بالغيب..
ولا ننسى أن أكثر من ينجر وراء مثل هذه الرسائل هم من فئة الشباب والمراهقين المتحمسين والمتطلعين للنجاح، فمثل هذه الأمور تجذبهم فوراً.. وبالتالي يجب علينا الوعي بإدراك مخاطر هذه الرسائل التي يزرعها الغير من أجل أهداف تشويهية لمعتقداتنا ولثقافاتنا الأصيلة أو قد تكون من أجل أهداف مادية كما هو الحال في شبكات التواصل الاجتماعي التي استثمرها البعض من أجل زيادة “اللايكات” والتعليقات على مواضيعهم..
شمسان عبدالله
كاتب ومدون