- أخيراً أفاق الدكتور حمدوك من حالة السبات العميق لأهل الكهف التي دخل فيها منذ تعيينه رئيساً للوزراء، كما افاقت بعض القوى السياسية بعد اكتشافهم لمؤامرة ونوايا العسكر التي تجلت بوضوح في تكوين وتحديد اختصاصات مجلس الشراكة، رغم إنني ظللت (أردح) وأكتب منذ ما يقرب من العام عندما سافر (حميدتى) الى العاصمة الشادية (إنجمينا) والتقى بعدد من قادة الحركات المسلحة واتفق معهم على انسحابهم من قوى اعلان الحرية والتغيير، ثم عيَّن نفسه فيما بعد رئيساً للوفد الحكومي لمفاوضات جوبا مع الجبهة الثورية واختار (الكباشي) نائباً له، ليتحكما في مصير المفاوضات، وحذرتُ بأن الهدف من المفاوضات مع الجبهة الثورية ليس الوصول الى السلام، وإنما استقطاب قادة الجبهة الثورية بصيغة معينة في الحكم لتدعيم موقف العسكر والقضاء بشكل على أي نفوذ للمدنيين وتحويل مشاركتهم في أجهزة السلطة الى ديكورية وصورية فقط ويصبحوا مجرد غطاء لألاعيب العسكر !
- كررتُ في أكثر من عشر مقالات، خمسة منها تحت عنوان (تشريح اتفاق جوبا) الحديث عن هذه المؤامرة باسم السلام المزعوم مما عرضني للهجوم اللاذع من كثيرين واتهامي بالعنصرية وغيرها، ولم يستمع لحديثي وصراخي عن الاتفاق العبثي أحد، وسافرتْ الوفود الى جوبا مرتين للاحتفال به، على رأسها رئيس الحكومة والوزراء وقادة قوى الحرية والتغيير واصطحبوا معهم المطربين والقونات ليسروا عنهم ويغنوا ويرقصوا لهم في الطائرات وفنادق وميادين جوبا!
-
وأقيم احتفال ثالث في الخرطوم حضره كل المسؤولين والسياسيين المخدوعين، وهم في غفلة لا يدرون بأن ما جرى ويجري إنما هي مؤامرة من العسكر، رغم أنها كانت واضحة وضوح الشمس ولا تحتاج لتوضيح ورغم ذلك كتبنا وأوضحنا بما يكفي لفهم أكثر الناس غباءً وقصوراً في الفهم، ونصحناهم بأقصى بكل ما تيسر لنا من الوسائل، إلا أنهم لم يستبينوا النصح إلا ضحى الأمس، وأخذوا في العويل والبكاء، مما يجعل المرء يتساءل وهو في حالة من الحيرة والدهشة، كيف أصبح هؤلاء ساسة ورؤساء أحزاب وحكام وفيهم من تجاوز الستين والسبعين من العمر وهم بهذه الضحالة والقصور في الفهم، لتغيب عنهم مؤامرة واضحة المعالم مثل مفاوضات واتفاق جوبا، أم أن مقاعد السلطة الرخيصة التي جلسوا عليها أعمت ببريقها عقولهم وأبصارهم عن رؤية الحقيقة، أم أنهم ولدوا أغبياء بلا عقول؟!
-
يبدو أن التفسير الاخير هو الصحيح إذ ظل شعبنا يعاني من غباء السياسيين عقودا طويلة، وهو ما أغرى ويغري العسكريين ويحفزهم للقفز على السلطة بالاستعانة بأصحاب هذا الغباء، ثم رميهم في قارعة الطريق بعد أن يأخذوا منهم ما يريدون، وهو نفسه ما يحدث الآن بتكوين ما يسمى بمجلس الشراكة، بالاتفاق مع بعض المدنيين الخانعين وحلفائهم المتمردين السابقين الجائعين للسلطة والنفوذ .. والذين لن يكون مصيرهم بأفضل من سابقيهم عند انتهاء فترة صلاحيتهم !
-
لقد ظللتُ أكتب منذ أول يوم سقط فيه النظام البائد عن المخاطر الكثيرة التي تكتنف مسيرة الثورة وتحذيري المتكرر من العسكر وضرورة التعامل معهم بحذر، وكمثال فقط .. إليكم ما كتبته يوم 19 يوليو، 2019 في مقال تحت عنوان (قراءة أولية للاتفاق) تعليقاً على الاتفاق السياسي بين قوى اعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري السابق، وتأجيل تشكيل (المجلس التشريعي) الذي يحاول العسكر تعطيل تشكيله أطول فترة ممكنة أو الاستعاضة عنه بما يسمى بمجلس الشراكة:
-
“احتوى الاتفاق على معظم النقاط التي اُتفق عليها من قبل، من حيث هياكل الحكم خلال الفترة الانتقالية: مجلس سيادي، ومجلس تشريعي ومجلس وزراء، مع تأجيل قيام المجلس التشريعي لمدة ثلاثة أشهر. أنا شخصياً قلق جدا من هذا التأجيل، فما تستطيع الحصول عليه وأنتَ في الخارج، يصعب عليك أن تحصل عليه وانت في الداخل، خاصة ان سبب التأجيل سيظل قائماً، وهو تخوف المجلس العسكري من سن المجلس التشريعي لقوانين تؤثر على سلطة وأوضاع المؤسسات العسكرية وشبه العسكرية والمعاهدات المتورطة فيها”.
-
كان هذا ما كتبته، ولا أريد من التذكير به الاستعراض أو الإفتئات على احد، ولكن للتحذير مجدداً من مؤامرات العسكر، وضرورة قيادة العناصر الثورية الحقيقية المرحلة القادمة واستبعاد المدنيين المتآمرين والخونة والجبناء والضعفاء والأغبياء، والتعامل بذكاء وحذر مع العسكر .. وإلا سنجد أنفسنا في وقت قصير جداً في جمهورية (حميدتى أخوان) أو عبد الفتاح السيسي السوداني المعروف باسم (عبد الفتاح البرهان) !
الجريدة