بعد أكثر من عام ونصف العام.. هل ما زال المفقودون أحياء؟
داخل عشرات المنازل «أم» يحترق قلبها على «ابن» او ابنة لا جثة تؤكد مقتله او مقتلها ولا هو عاد منذ ان خرج حاملاً علم السودان يهتف (حرية ــ سلام ــ عدالة )، ابني «حي» ام «ميت» اكثر الاسئلة التي تدور في اذهان الاسر التي فقدت اخبار ابنائها منذ فجر الاثنين الثالث من يونيو من العام الماضي صبيحة فض الاعتصام أمام القيادة العامة، بين عشية وضحاها، تنقطع الأخبار عن الحبيب و تبدأ رحلة البحث والانتظار. دائماً ما تبحث الاسر عن أية إشارة أو دلالة تتشبث بها لكي لا تفقد الأمل.
أكثر من عام ونصف العام من البحث المضني ولا خبر يطفئ نار الانتظار المر لمعرفة مصير الابناء الحاضرين الغائبين، يحترق قلب عشرات الامهات اللائي يعشن في مأساة كل ما مضى يوم دون ان يحضن ابناءهن منذ ذلك التاريخ والى يومنا هذا . وظلت صور الغائبين قسراً او المفقودين منذ فجر الاثنين الاسود حضوراً في جداريات عدد من الحوائط بالعاصمة الخرطوم رسمت ضمن حملات عدة لمساعدة أهالي المفقودين.
بلاغات الاختفاء
بعد مرور عام ونصف العام على ما بات يعرف بمجزرة فض اعتصام القيادة العامة لا يزال أهالي المفقودين ينتظرون معرفة مصير أبنائهم الغائبين وما إذا كانوا أحياء فيرجون عودتهم أو أمواتاً فينعونهم ،بدأت معاناة أسر المفقودين لحظة سماعهم بفض الاعتصام، ومنها بدأوا رحلة البحث عنهم بكل الطرق الممكنة، وعلى الرغم من تدوين بلاغات الاختفاء في محاضر الشرطة واتباع كل الإجراءات القانونية إلا أن الجهات المسؤولة لم تتمكن حتى الان من العثور عليهم ومعرفة الجهة أو الجهات التي قامت باحتجاز وإخفاء هؤلاء الأشخاص، وما زالت عشرات الأسر تنتظر ظهور أبنائها ممن شاركوا في الاعتصام واختفوا بعد يوم المجزرة.
مبادرة مفقود
ومنذ الإعلان عن فقدان عدد من المتظاهرين بعد فض الاعتصام سارعت مجموعة من الشبان والشابات لتكوين مبادرة مفقود للمساعدة في العثور على المفقودين وبدأت هذه المبادرة، بعد خمسة أيام من واقعة فض الاعتصام في أعقاب إعلان العديد من الأسر عن فقد أبنائها من خلال تدوين بلاغات في أقسام الشرطة المختلفة في العاصمة الخرطوم . وعانت اسر المفقودين الامرين ووصل الامر بان تصبح الاسر محظوظة إذا وجدت جثة فقيدها بالمشارح أو وجد حياً هائماً على وجهه لا يتذكر شيئاً حتى اسمه.
جثث
واستطاعت المبادرة كشف مصير 45 مفقوداً منهم من عاد إلى ذويه، وتم العثور على ثلاثة منهم كانوا مجهولي الهوية في المشارح وهناك 22 ما زالوا مجهولي المصير، منهم 10 فقدوا أثناء فض الاعتصام، و12 فقدوا في أحداث متفرقة ما قبل فض الاعتصام وبعده، فيما تم العثور على أشخاص في أوضاع نفسية متدهورة وآخرين فاقدين للذاكرة بسبب التعذيب الذي مورس عليهم في المعتقلات، مما أخضعهم لعلاج طبي ونفسي بالتعاون مع تجمع الأطباء النفسيين.
لجنة تحقيق
وبعد ثلاثة أشهر من مجزرة فض اعتصام القيادة العامة، شكل النائب العام وقتها عبدالله أحمد عبدالله لجنة تحقيق وتقصي حقائق حول مفقودي فض الاعتصام على أن ترفع اللجنة تقريرها النهائي بعد شهرين من بداية عملها. ثم أعيد تشكيل اللجنة بعد إضافة أعضاء آخرين في مطلع أكتوبر، بعد الإعلان عن عضوية اللجنة الأخيرة وقبل أن تبدأ عملها، تم الاعتراض عليها لخلوها من ممثلين لأسر الشهداء والمحامين ومنظمات المجتمع المدني المهتمة بقضايا المخفيين قسراً وبعدها اصدر النائب العام تاج السر علي الحبر في نوفمبر من العام الماضي قراراً بإعادة هيكلة اللجنة، لتضم (14) عضواً ، ويترأسها المحامي، الطيب أحمد العباسي، وضمنت اللجنة رئيس نيابة عامة محمود مهدي ، ووكيل نيابة أعلى أحمد سليمان، إلى جانب ممثل عن أسر المفقودين. كما ضمت اللجنة في عضويتها ممثلًا للشرطة وآخر لإدارة حقوق الإنسان بوزارة العدل وممثلًا عن وحدة مكافحة العنف ضد المرأة. وكان من المفترض أن ترفع اللجنة الجديدة تقريرها النهائي بعد ثلاثة أشهر من تكوينها، لكن هذه الخطوة ظلت مؤجلة حتى الآن.
20 جثة
ويؤكد المقرر المناوب للجنة التحقيق والتقصي في اختفاء الاشخاص في او بعد 3 يونيو المعروفة بلجنة (المفقودين) مولانا احمد عمر بأن التحقيق يسير «بصورة جيدة جداً» بحسب وصفه ، وقال لـ(الانتباهة) ان اللجنة حصرت اكثر من عشرين جثة لمفقودي فض الاعتصام امام القيادة العامة ، واوضح ان اللجنة بدأت اعمالها في البحث عن المفقودين داخل المشارح باعتبارهم دخلوا اليها كمجهولين ، بالاضافة الى الجثث التي تم دفنها بواسطة المشارح في المقابر
الحمض النووي
واعلن احمد عن حصر اللجنة لجميع اسر المفقودين ، وذكر ان اللجنة احضرت اقرب الاقربين للمفقودين واخذت عينات من الحمض النووي لهم (dna) ، وقامت بتنزيلها على الاجهزة في الادلة الجنائية ، واضاف اللجنة بذلك اصبحت جاهزة لمطابقة اي عينة تأخذها من المشارح او المقابر ، ونبه الى أن الجثث داخل المشارح كثيرة جداً ، وقال كي تحدد جثث المفقودين بالاعمار يتم استبعاد جثث كثيرة منها ، لجهة ان مفقودي احداث فض الاعتصام أعمارهم معروفة. ويرى احمد ان تأخر اعمال لجنة المفقودين ، لجهة ان عمل اللجنة يتعلق بمواثيق دولية في البحث عن الجثث المفقودة ، واوضح ان العمل في البحث عن الجثث يتطلب معايير دولية تراعي حقوق الانسان واشياء اخرى معينة.
20 ألف دولار
وعن العوائق التي تواجهها اللجنة يقول احمد ان اللجنة لم تتحصل على الدعم الكافي الذي يغطي اعمالها ، لجهة ان فحص عينات الــ(dna) غال جداً ، والعينة الواحدة فحصها يقرب من مبلغ «20» الف دولار ، فضلاً عن عدم توفر سيارات للجنة كي تتحرك بها ، وقال اعضاء اللجنة يصرفون من جيوبهم على اعمال اللجنة ، ويعتبرون ان عمل اللجنة وطنياً في المقام الاول وخدمة للوطن وأبنائه وظلت اسر المفقودين تطالب السلطات بالاسراع في ايجاد ابنائهم ، وبالعدالة من كل اجهزة الدولة ، واضافوا قائلين «حتى نشعر بانو فعلاً الثورة نجحت والتغيير حصل» ، وقالوا نريد في الدولة المدنية ان يعامل المواطن كانسان له حقوق تسترد متى ما افتقدها وطالتها ايدي الغير
أسر المفقودين يعيشون في حالة من الحيرة والانتظار والبحث الدائم عن إجابات عن مصائر أحبائهم المفقودين. ولكل منهم فرد من عائلته يبحث عنه وينتظر خبراً عنه:»ابن، أخ « أو صديق طفولة. وبالنسبة لهؤلاء، فالزمن ليس كفيلاً بشفاء آلامهم، وحدها الأجوبة كفيلة بذلك.
الانتباهة