محكمة عمر حسن أحمد البشير (المخلوع).. جلســـة المفآجات!!
يبدو أن موجة المفاجآت تأبى أن تفارق مجريات جلسات محاكمة متهمي قضية مدبري انقلاب (30 يونيو 1989م) المتهم فيها الرئيس المعزول عمر حسن أحمد البشير و (27) من قيادات رموز النظام السابق بالحكومة البائدة .
حيث فاجأ احد محامي دفاع المتهمين بطلب يلتمس خلاله من المحكمة وقف النشر الاعلامي جميعه للدعوى الجنائية، وحينها رفع ممثل الاتهام حاجبه لاندهاشه ربما، وقال للمحكمة انه لن يرد على طلب ممثل الدفاع لانه ليس الجهة المنوط بها الرد على مثل هذه الطلبات، موضحاً ان الرد والفصل فيه يكون لهيئة المحكمة فقط، وحينها استنكر بالمقابل ممثلو دفاع بقية المتهمين طلب زميلهم في الدفاع واعترضوا عليه فوراً، معللين ذلك بأنها قضية رأي عام سياسية، وأن نشرها مهم للمتهمين وعدالة الحق للشعب السوداني، اضافة الى ان نشرها يتمثل في مبادئ العدالة المتمثلة في الشفافية ومبدأ المواجهة بين الخصوم والعلنية ومبدأ الرأي والرأي الآخر.
وفي ذات السياق أمرت المحكمة بعدم احضار المتهمين لجلسة محاكمتهم الثلاثاء المقبل باعتبارها جلسة إجرائية، واكتفت المحكمة فقط بحضور محامي دفاع المتهمين وممثلي الاتهام الى القاعة الكبرى بالمحكمة العليا في الطابق الرابع لاستلام ردود وتعقيبات الطلبات فيما بينهم، فيما نوهت المحكمة بانعقاد جلسة المحاكمة في الثالث من فبراير القادم، وذلك لفصل المحكمة في الطلبات التي تقدم بها طرفا الدعوى الجنائية (الاتهام والدفاع).
مشهد أولي
بدأ يوم أمس (فاتراً ) لبرودة الأجواء بقاعة المحاكمة، حيث كانت درجات مكيفات الهواء عالية جداً وهي في سقف القاعة، مما جعل الجميع في حالة صمت الإ من حديث متقطع هنا وهناك، بعدها اقتربت عقارب الساعة لتشير الى تمام العاشرة صباحاً موعد انطلاق جلسة المحاكمة، حيث أحضرت سلطات السجون والشرطة القضائية المتهمين المنتظرين بالسجن على رأسهم المتهم الثالث الرئيس المعزول عمر البشير الذي بدا هادئاً بعض الشيء، وكعادته يلوح مسالماً الجميع بقاعة المحكمة والابتسامة تملأ وجهه ورافعاً سبابة يده اليمنى يكبر ويهلل، وفي المقابل رصدت (الإنتباهة) المتهم الثاني د. نافع علي نافع، وقد كان أكثر حيويةً ونشاطاً على غير عادته في الجلسات السابقة، حيث ظل يردد عبارة (الله اكبر) رافعاً يده اليمنى لدقائق معدودة، وقد كان يحمل مسبحة بلون بني غامق، وفي ذات الاتجاه كان احد المتهمين يردد عبارة (حسبي الله ونعم الوكيل) وهو بقفص الاتهام، وتفاعل معه بعض محامي الدفاع الى جانب شابة من ذوي المتهمين ظلت تردد معه بصوت عالٍ (حسبي الله ونعم الوكيل)، ومن بعدها انخفض صوتها واختفي شيئاً فشيئاً .
إزعاج المايكرفون
ضربت حالة من الإزعاج والضجيج قاعة المحاكمة بالامس جراء (المايكرفون) أو (المايك) الذي يتم تدواله بين طرفي الاتهام والدفاع للتحدث عبره للاستفسار او تقديم طلباتهم والرد والتعقيب عليها لقاضي المحكمة، حيث عاش الحضور قرابة (10) دقائق متواصلة في حالة من الازعاج الصوتي نتيجة الضجيج الذي كان يصدر عن مايك القاعة، مما اضطر الشرطة القضائية للتدخل سريعاً لمعرفة الاشكال وحله على الفور، وبعدها عادت الأجواء دون إزعاج بالقاعة، واستمر المحامون في تسجيل حضورهم بمحضر المحاكم.
اتهام ودفاع
تسجيل المحكمة حضور هيئة الاتهام برئاسة وكيل النيابة سيف اليزل محمد سري، الى جانب حضور المحامين في الاتهام معز حضرة ، سليمان احمد سليمان، عبد القادر البدوي، إضافة الى تسجيل المحكمة كذلك حضور ممثلي الدفاع عن المتهمين على رأسهم المحامي عبد الباسط سبدرات، هاشم ابو بكر الجعلي، محمد الحسن الأمين، ابو بكر عبد الرازق، كمال عمر عبد السلام، عواطف الجعلي وآخرون من هيئة الدفاع .
حضور (الحلا)
وفي ذات الوقت رصدت (الإنتباهة ) مثول المتحري في اجراءات البلاغ وكيل النيابة احمد النور الحلا أمام المحكمة، وسجل حضوره بمحضر المحاكمة بعد أن نبه أحد محامي دفاع المتهمين المحكمة الى عدم ذكر الاتهام عند تسجيل حضوره للمتحري ووجوده بالمحكمة، والتمس من المحكمة تسجيل حضوره، وحينها اعتذر قاضي المحكمة للمتحري وطلب منه تسجيل حضوره بمحضر المحكمة، حيث افاد بانه المتحري في البلاغ المرقوم (5650) ووكيل نيابة، منبهاً الى انه حضر لهذه الجلسة بعد استلامه إعلاناً يوم الخميس الماضي من الشرطة القضائية بمثوله وحضوره امام المحكمة في هذه الجلسة .
القاضي الجديد
رئيس هيئة المحكمة احمد علي احمد قاض بدرجة عليا، أعلن لهيئتي الاتهام والدفاع بالامس بانه القاضي المكلف للنظر ومواصلة القضية خلفاً للقاضي المتنحي عصام الدين محمد ابراهيم الذي تنحى لاسباب صحية، مبيناً انه سوف يتسلم رئاسة هيئة المحكمة الى جانب عضوية قاضيي محكمة الاستنئاف، موضحاً انه عين لرئاسة هيئة المحكمة بناءً على أمر تشكيل وقرار رئيس القضاء نعمات عبد الله محمد خير، باستمرار المحكمة بنفس الاجراءات السابقة مع تعيين شخصه رئيساً لهيئة المحكمة، لافتاً الى ان امر تشكيل المحكمة السابق لمحاكمة المتهمين سيظل كما هو ماعدا إضافة رئيس القضاء لاسمه لترأس هيئة المحكمة لمحاكمة المتهمين في الدعوى الجنائية
جدلية أمر تشكيل المحكمة
هيئة الدفاع عن المتهمين لم تترك امر تعيين القاضي الجديد يمر هكذا، والتمست الغالبية العظمى منهم معاينتهم في البدء أمر تشكيل المحكمة ومن ثم البدء في اجراءات المحاكمة، وحينها نهض محامي الدفاع هاشم أبو بكر الجعلى من مقعده، والتمس من المحكمة مده بـ (صورة) من أمر التشكيل للمحكمة التي يترأس القاضي الجديد هيئتها، منبهاً المحكمة الى انه سبق ان توجهوا في الدفاع الى مكتب القاضي الجديد بالمحكمة العليا لاستلام نسخة من أمر تشكيل المحكمة، الإ انه اخبرهم بأنهم سوف يتسلمون نسخة منه خلال انعقاد جلسة المحاكمة بالامس، وحينها وافقه قاضي المحكمة في حديثه، واكد له ان المحكمة سوف تقوم بتسليم الدفاع نسخة من امر تشكيل المحكمة التي يترأسها بعد انعقاد الجلسة، ووقتها اعترض المحامي الجعلي على ذلك وقال للمحكمة: (كيف نتسلم كدفاع أمر تشكيل المحكمة بعد نهاية الجلسة في ظل تقدمنا بطلبات حوله تعتبر من صميم قضيتنا)، وأضاف قائلاً: (ان أمر تشكيل المحكمة السابق لا يعنيهم في الدفاع حالياً لانه انقضى)، ونوه الجعلي بأنهم سوف يعترضون على أمر التشكيل الجديد للمحكمة في حال اشتماله على مواد الاتهام، وإذا كان ملزماً للمحكمة فقد تكون التهمة قد وجهت الآن للمتهمين، وأردف بقوله: (وإذا كانت المحكمة غير ملزمة بامر تشكيلها، فبالتالي هي غير ملزمة بتوجيه التهمة في أمر التشكيل)، وحينها أوقفه قاضي المحكمة وقال له إن امر تشكيل المحكمة تم التعديل فيه فقط باضافة اسمه كقاض جديد مكلف للنظر في القضية وليس كأمر تشكيل جديد، واضاف القاضي بقوله: (لا توجد اية قراءة لمواد الاتهام ضد المتهمين بأمر التشكيل للمحكمة)، وشدد القاضي على ان هذه المحكمة هي محكمة عامة بالرغم من ان قضاتها بدرجة عليا واستئناف، مشيراً الى انها محكمة تكفل جميع الحقوق للمتهم وتوفرها .
إيقاف المحاكمة
ومن جهته طالب المحامي أبو بكر عبد الرازق ممثلاً للدفاع عن متهمي المؤتمر الشعبي، بايقاف سير إجراءات المحاكمة حتى يتم الفصل في شكواهم برقم المتابعة (7) بدائرة التنفيذات المقدم لرئيس القضاء باستبعاد وتنحي عضو هيئة المحكمة قاضي الاستئناف محمد المعتز كمال من النظر في الدعوى الجنائية لأنه خصم في نظر المتهمين جميعاً، ولا يجوز له اعتلاء منصة القضاء وإصدار الأحكام فيها ضد المتهمين، والتمس المحامي عبد الرازق ايضاً من المحكمة وقف اجراءات سير المحاكمة ضد المتهمين حتى يتم الفصل في طلبهم لدى الاستئناف والمتعلق باعتراضهم وطعنهم في امر تشكيل المحكمة، لاسيما ان المتهمين لا يطمئنون لتشكيل محكمة خاصة كبرى لمحاكمتهم، لانها مخالفة لنص المادة (52) من قانون الاجراءات الجنائية السوداني لسنة 1991م.
وفي ذات الوقت انضم محامي الدفاع هاشم الجعلي الى ذات الطلب، ونبه المحكمة الى انه سبق ان اعترضت هيئة الدفاع على امر تشكيل المحكمة وتعيين قاضي الاستئناف محمد المعتز كمال كعضو بها، وذلك لهتافه فى الاعتصام ضد موكليهم المتهمين، مشيراً الى ان المتهمين لا يطمئنون لاستمرار القاضي (المعتز) عضواً بهيئة المحكمة باعتباره يشكل خطراً جسيماً على مستقبل قضيتهم.
إعادة طلبات
رئيس هيئة الاتهام وكيل النيابة سيف اليزل سري، اوضح للمحكمة ان هذه الطلبات التي تقدم بها الدفاع في جلسة الامس عبارة عن طلبات مكررة لهيئة المحكمة السابقة وتم الفصل فيها، والتمس من المحكمة الزام الدفاع بعدم تكرارها مرة أخرى، وذلك في ما يتعلق بالطعن في قاضي هيئة المحكمة محمد المعتز، وفي ما يتعلق بأمر تشكيل المحكمة، وممثل الاتهام لم يقف عند ذلك بل قال للمحكمة ان الدفاع درج في الجلسات السابقة على استغلال اجراءات المحكمة عبر تقديم طلباته شفاهية، وحينها أبدى المحامي ابو بكر عبد الرازق انزعاجه من ذلك، الا أن قاضي المحكمة قاطعهما سوياً وقال: (ان اي طلب صدر حوله قرار لا يتم التطرق اليه مجدداً، وإنما سوف تواصل المحكمة اجراءاتها).
اعتراض على استبدال الحلا
وفي ذات السياق اعترض بعض محامي الدفاع على طلب الاتهام في الجلسة الماضية باستبدال المتحري وكيل النيابة احمد النور الحلا، بآخر ضابط من ضمن لجنة التحقيق في القضية، مشيرين الى انهم يعترضون على تنحي (الحلا) او استبداله كمتحرٍ في القضية، لاسيما انه من باشر اجراءات التحري في الدعوى الجنائية منذ بدايتها.
وقف النشر الإعلامي
وعلى نحو مفاجئ تقدم المحامى محمد عثمان ممثلاً لدفاع المتهم الـ (34) الغائب عن إجراءات جلسات المحاكمة منذ انطلاقها، بطلب يلتمس من خلاله وقف النشر الإعلامي في الدعوى الجنائية لوجود أخطاء فيها على حد قوله، وحينها قال ممثل الاتهام عن الحق العام وكيل النيابة سيف اليزل سري، انه لن يرد على محامى الدفاع حول طلبه مطلقاً لانه منوط بالرد عليه من قبل المحكمة فقط ولا سواها، مشدداً على ان المحكمة هي الجهة المخول لها اصدار قرار بتوقف النشر أو استمراره في القضية .
استنكار واعتراض
وفي المقابل استنكر ممثلو دفاع المتهمين طلب زميلهم بوقف النشر في الدعوى الجنائية، مشددين على ضرورة نشر الدعوى الجنائية اعلامياً لانها مهمة على حد تعبيرهم، حيث اعترض رئيس هيئة الدفاع المحامي عبد الباسط سبدرات على طلب وقف النشر الاعلامي في القضية، معللاً ذلك بانها قضية رأي عام وسياسية من المستوى الاول من وجهة نظرهم، مشيراً الى أنه سبق ان تم الحديث حول المتهمين والاتهامات الموجهة اليهم، ولا بد في المقابل ان يطلع الرأي العام على أمر محاكمتهم، مشدداً على ان المحكمة مفتوحة للرأي العام، لاسيما ان نشرها ينصب في مصلحة العدل والحق للشعب السوداني .
وفي ذات الاتجاه انضم محاميا المتهمين بالمؤتمر الشعبي (كمال عمر وابو بكر عبد الرازق) الى اعتراض سبدرات ممثلاً لدفاع المتهم الثالث الرئيس المعزول، حيث اعترضوا على طلب وقف النشر في القضية، عازين ذلك الى ان المحاكمة لموكليهم بدأت بالرأي العام، اضافة الى ان مبادئ المحاكمة العادلة تتمثل في الشفافية ومبدأ المواجهة بين الخصوم والعلنية ومبدأ الرأي والرأي الآخر .
سبدرات واعتراض على رد
وفي خواتيم جلسة الامس اعترض ممثل الدفاع عبد الباسط سبدرات على رد الاتهام على طلبه المتعلق بوقف اجراءات المحاكمة لجائحة (كورونا) في موجتها الثانية، لافتاً الى ان اعتراضه يتمثل في عدم رد ممثل الاتهام على تسبيب طلبه، وانما قام فقط بالاستناد الى قرار رئيس القضاء باستمرار جلسات محاكمة المتهمين في القضية باعتبارها من القضايا المستثناة في النظر فيها، وشدد سبدرات بقوله: (كان على الاتهام الا يرد بالاستناد الى قرار رئيس القضاء، لاسيما انها ليست الجهة الصحية لتحديد الجائحة وانتشارها بالبلاد وخطورتها)، مشيراً الى ان هناك جهة عليا صحية بالبلاد تقرر ذلك، مشيراً الى أن الجائحة تتطلب بروتكولاً صحياً معيناً من تعقيم وفحص وغيره، وهذا ما لا يتوفر في قاعة المحاكمة على حد تعبيره .
المصدر : الانتباهة