زهير السراج : فوضى الرتب العسكرية
- حملت الأنباء أن الحركة الشعبية (جناح مالك عقار) جمدت عضوية أمينها العام (خميس جلاب) وخفضت رتبته العسكرية من (فريق) الى (لواء) بسبب مخالفات تنظيمية!
لا يهمني الخبر وتفاصيله، ولكنني بصراحة مندهش من الرتب العسكرية الرفيعة التي تُمنح بلا ضوابط، لدرجة ان حركة عسكرية لا تزيد عضويتها عن بضع مئات بها عشرات الرتب العليا من الفريق واللواء والعميد ..إلخ، في استهانة فظيعة بالرتبة وحاملها مما جعل الكثيرين يسخرون منه بأوصاف مثل (الفريق خلا ) و(اللواء خلا).. ..إلخ، والأمثلة كثيرة لا داعي لذكرها !
لا تقتصر القصة على الحركات المسلحة وأشباهها فقط، بل تنسحب حتى على القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى التي لا يتناسب فيها عدد الرتب العسكرية العليا مع العدد الكلي لهذه القوات والتدريب والتسليح ..إلخ!
لو قارنا (مثلا) بين عدد الفرقاء او الألوية في الجيش السوداني الذي لم يكن تعداده يزيد عن (150 ألف) حتى عام 2005 قبل ان تتم تصفيته لاحقاً بما يشبه المجزرة بواسطة النظام البائد، وبين الجيش الأمريكي الذي يتكون من أربعة جيوش ضخمة هي القوات البرية والجوية والبحرية وقوات المشاة البحرية (المارينز) ويبلغ عدده أكثر من مليونين وربع (عدا جيش الاحتياط ) لاكتشفنا العجب، فعدد الرتب العليا (لواء وما فوق) في الجيش الأمريكي يبلغ حوالى (230 )، بينما يحمل رتبة فريق أول وفريق ولواء في الجيش السوداني المئات وهو عدد كبير جداً مقارنة بعدد الجيش، وعدد الوحدات التي يتكون منها وتعداد كل وحدة وحجم ونوع التسليح..!
دعك من الجيش الأمريكي الذي لا تجوز المقارنة به .. فلو اخذنا الجيش المصري الذي يبلغ تعداده مليون (وعدد قوات الاحتياط المسجلين والذين تلقوا التدريب العسكري حوالي 35 مليون)، وقارنا بينه وبين الجيش السوداني لاكتشفنا العجب أيضاً، حيث لا يوجد سوى بضعة أفراد في الجيش المصري يحملون رتبة الفريق أول التي تقتصر على القائد العام وقادة الجيوش البرية والبحرية والجوية، وفي أحيان كثيرة يحملها القائد العام للجيش فقط، بينما يوجد أكثر من فريق أول وعشرات الفرقاء في الجيش السوداني الذي يبلغ تعداده أقل من عُشر تعداد الجيش المصري، وبالطبع فلا مجال للمقارنة بين نوع التأهيل الذي يحصل عليه الجندي او الضابط في الجيش السوداني، وبين الذي يحصل عليه في الجيشين المصري الأمريكي !
كما ان هنالك بدعة لا توجد الا في الجيش السوداني والجيوش العربية، إذ تضاف كلمة (ركن) الى الرتبة العسكرية العليا مثل العميد واللواء والفريق والفريق أول، بينما هي درجة أكاديمية (ماجستير) وليست رتبة عسكرية، ومعروف أن الضابط لا يترقى الى رتبة (العقيد) فما فوق في الكثير من الجيوش، من بينها الجيش السوداني إلا بحصوله على هذه الدرجة، فما الداعي لإضافتها الى الرتبة العسكرية؟!
هذا كله كوم، وما يحدث في الشرطة كوم تاني، فالرتب الشرطية في معظم الدول تختلف عن الرتب العسكرية، لأن الشرطة في المقام الأول قوة مدنية، وثانياً لتمييز رجل الشرطة من العسكري، لذلك نجد قائد الشرطة (مثلاً) في الكثير من الدول يطلق عليه اسم (المفوض) ثم (نائب المفوض) و(مساعد المفوض) و(المشرف) و(المتحري) وهكذا بدون أن تطلق عليه أي رتبة عسكرية إلا في أدنى السلم الوظيفي حيث نجد رتبة (شاويش) و(عريف) ..إلخ، بينما نجد في بلادنا وعدد من الدول العربية رتبة الفريق أول والفريق واللواء وهي رتب عسكرية، والغريب ان أعلى رتبة في الشرطة المصرية هي (اللواء)، بينما يمكن ان يصل الضابط في الشرطة السودانية الى رتبة الفريق والفريق أول، بالإضافة الى وجود عشرات الفرقاء، رغم الفارق الكبير في العدد والتدريب والتأهيل بين الشرطتين!
إلى متى نهتم بالألقاب والوجاهات على حساب التدريب والتأهيل والتنظيم، وكم عدد حاملي الرتب الرفيعة الذين سينضمون الى الجيش السوداني بعد اتفاقية جوبا وهم بلا تدريب ولا تأهيل ولا شهادة عسكرية سوى ما ينعم به عليهم رئيس الحركة العسكرية التي ينتمون إليها، وكم وصل عدد الذين يحملون رتبة (لواء خلا) و(عميد خلا) حتى الآن مع التفريخ اليومي الذي نراه، وأين اصلاح الأجهزة العسكرية الذي وعد به العسكر بعد سقوط النظام البائد، ونصت عليه الوثيقة الدستورية حتى يكون لنا قوات مسلحة موحدة محترفة وعالية الكفاءة نفتخر بها ونطمئن إليها؟!
الجريدة