طباعة النقود.. هل تؤدي حقا إلى زيادة الثروة؟

بلغت عمليات طباعة العملات الورقية في ظل الأزمة الحالية مستويات قياسية، وهو ما سيؤدي بشكل أو آخر إلى ارتفاع معدلات التضخم وزيادة الأسعار، وبالتالي انتقال الثروة بين فئات المجتمع.

في مقال له بصحيفة “ليزيكو” (lesechos) الفرنسية، يقول الخبير المالي فيليب أوران، مدير قسم الدراسات الاقتصادية في “البنك البريدي” (Banque Postale) الفرنسي، إن عملية استحداث النقود لا تؤثر على حجم الثروة؛ لكنها تعيد توزيعها.

ويقترح أوران تغيير مقولة عالم الاقتصاد الأميركي ميلتون فريدمان الشهيرة “في كل مكان وفي كل وقت، التضخم ظاهرة نقدية” إلى “استحداث النقود هو في كل مكان وفي كل وقت نقل للثروة”.

لا يزيد الثروة

يؤكد الكاتب أن تناول هذا الموضوع يتطلب العودة إلى جذور المسألة، وهو طبيعة المال كوحدة حساب، قديما، كانت المبادلات في اقتصاد المقايضة تتطلب تكافؤا وتناسبا بين منتجين، وجاء المال ليسهل العمليات التجارية بتحديد سعر لكل منتج بكمية مرجعية؛ لكن تحديد المعيار لا يُنتج الثروة، فالتحول من استخدام الفرنك الفرنسي إلى اليورو على سبيل المثال، لم يخلق ثروة بين عشية وضحاها، ولم يدمرها أيضا.

واستحداث المزيد من النقود وتوزيعها بشكل متساو على أفراد المجتمع، يعدّ نظريا عملية عادلة وحيادية؛ لكن خلق النقود لا يعني زيادة الثروة.

ويشبه ذلك إضافة الماء إلى النعناع، فكمية النعناع الفعلية تظل كما هي، وما يمكن التحكم فيه هو مستوى التخفيف، ويمكن القول هنا إن كمية المال هي الماء، ومعدل التضخم هو درجة التخفيف، وبالتالي فإن استحداث النقود لا يعني أبدا خلق الثروة؛ لأن ما أضفناه هو الماء وليس النعناع، وعلى المدى البعيد، لا يمكن أن تأتي الثروة إلا من عائد المبالغ المستثمرة، والطريقة التي يتم بها استخدام تلك الأموال، وليس من كميتها.

تأثيرات التضخم

إذا لم يكن للتضخم تأثير على الثروة الحقيقية، فلماذا القلق؟ يوضح الكاتب أنه بالإضافة إلى احتمالات ارتفاع معدل التضخم بشكل قياسي وفق آليات معينة، فإن النتيجة المباشرة هي زيادة الأسعار، وهو أمر يؤثر على أفراد المجتمع بشكل متفاوت.

في الواقع، العالم ليس مثاليا، وتوزيع الثروات ليس عادلا على الإطلاق، فعلى سبيل المثال، توفر سياسة تسييل الديون السيادية، التي يعتمدها البنك المركزي الأوروبي سيولة نقدية لدول المنطقة، وتقوم الحكومات، وفق خطط الإنعاش، بدعم الفئات الأكثر تضررا والشركات المهددة بالإفلاس.

يعني ذلك توزيع الأموال بشكل غير متساو، وتتكيف أسعار السلع والخدمات مع السيولة المالية بشكل غير متجانس، وفقا لعلاقات تنافسية محددة بين المنتجين وبين الموظفين والشركات. في النهاية، سيتغير وضع كل شخص اعتمادا على كيفية تأثره بالسياسات العامة والإعانات والضرائب وأسعار السلع الأساسية.

ويمكن تقسيم المجتمع إلى عدد من الفئات، وفق هذه التأثيرات الاقتصادية، فهناك أصحاب المدخرات الكبيرة، الذين يستفيدون من التضخم من خلال ارتفاع أسعار الأصول، ويتضرر في المقابل أصحاب الدخل المنخفض، الذين يتطلعون لشراء الأصول، والمتقاعدون الذين يحصلون على رواتب شبه ثابتة.

كما يدخل موظفو الشركات المنتجة للسلع دائرة الخطر مع انخفاض القدرة التنافسية لشركاتهم في السوق الدولية، وبطبيعة الحال، تتقاطع هذه الفئات فيما بينها، وتتشعب الآثار المترتبة عن التضخم، ما يجعل تقييم التأثيرات على الأفراد أمرا صعبا.

الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.