متى يتوقف موت السودانيين في متاهات الصحارى؟

عشرات هم من ضلوا طريقهم وماتوا جوعاً وعطشاً في عمق صحارى العتمور والفيوم وبيوضة، والقاسم المشترك بين كل الحوادث والفواجع هو السفر الداخلي، أو إلى الخارج، ومن المسافرين من حالفهم الحظ ونجوا بأعجوبة، ومنهم من لم يعثر عليهم أبداً، وبعضهم وجدوا رُفات أو عظاماً، بواسطة رعاة متجولين بعد سنوات من اختفائهم، ومعظم الضحايا من أولئك الذين قرروا السفر الصحراوي داخلياً، أو الذين قرروا خوض مغامرة تهريب البشر إلى ليبيا، بينما شق آخرون طريقاً آخر أكثر خطورة عبر الإبحار على قوارب الموت إلى أوروبا.

وعلى الرغم من تحذيرات السلطات المحلية، وإدراك المسافرين عبر الصحراء خطورة المصير الذي قد ينتظرهم، فإنه يبدو أن هذه الظاهرة ما زالت مستمرة، ومعها كابوس مسلسل الموت في متاهات الصحارى، ومن مسلسل الرعب هذا، العثور على جثث عائلة سودانية، خمسة رجال، وثلاث نساء، بينهن طفلتان، بالصحراء الليبية، وأفادت نيابة الكفرة الليبية بأن هذه العائلة علقت بالصحراء بعد خلل أصاب السيارة التي كانت تقلها.

مأساة العائلة المنكوبة

وعلى الرغم من التعاطف الكبير والأسى الذي اجتاح المجتمع السوداني، فإن الحادثة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الاجتماعية، وخصوصاً ما يتعلق بإعلان النيابة الليبية في مدينة الكفرة أن العربة التي أقلت العائلة المنكوبة وبقية المسافرين الآخرين، تحركت من مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور السودانية، إلا أن المعلومات الدقيقة عن العائلة المشار إليها، لم تتضح بعد، كما لم تكتمل المعلومات التفصيلية المتعلقة بها أو حتى موطنها الأصلي داخل البلاد حتى اليوم.

وفي هذا السياق، بات عدد من السودانيين يعتقدون أن الرحلة كانت عكسية من ليبيا إلى السودان، وليس العكس، مشيرين في ذلك إلى جوازات السفر التي عرضت صورها، على أنها من النوع القديم الذي استبدلته السلطات بنوع آخر جديد يختلف من حيث اللون والشكل والمضمون، وأن الجوازات المعروضة (القديمة) التي يحملونها، لم تعد سارية في السودان منذ نحو 10 سنوات.

وبدأت السلطات السودانية، عبر وزارة الخارجية، التواصل مع سفارتها في طرابلس، التي تتواصل بدورها مع القنوات الدبلوماسية الليبية، بغية جلاء الحقيقة.

السلطات المحلية لا علم لها

حاولت “اندبندنت عربية” التواصل مع ابن الأسرة التي ذكر أنها كانت تقصده في ليبيا، ودون هاتفه ضمن رسالة ووصية الوداع الحزينة، التي عرضت بواسطة نيابة الكفرة، لكن من دون جدوى.

ونفى مسؤول تنفيذي بمحلية الفاشر علم سلطات المدينة حتى الآن، ما إذا كانت العربة المشار إليها، قد تحركت من الفاشر، إذ لا يوجد سجل بالمسافرين في مثل تلك الرحلات، بسبب عدم وجود جهة تمنح تأشيرات الدخول إلى ليبيا بالولاية، كما أن معظم المسافرين يسلكون طرقاً غير شرعية من وجهة نظر السلطات، ويبرمون اتفاقات فردية مع أصحاب بعض عربات الدفع الرباعي الذين يدعون معرفتهم بالطرق الأقرب إلى ليبيا، مقابل مبالغ مالية كبيرة يدفعها المسافرون.

تدهور البيئة بسبب الفيضانات يثير مخاوف السودان من وباء الكوليرا
وقال محمد إبراهيم، الأمين العام السابق لحكومة ولاية شمال دارفور “صحيح أن السفر الصحراوي الناشط إلى ليبيا ينطلق من الفاشر، لكنّ هناك، أيضاً، مدناً أخرى في شرق ووسط دارفور، مثل المالحة ونيالا وزالنجي، بسبب طبيعة دارفور المفتوحة على الحدود الليبية”، مشيراً إلى أن ذلك لا يتم بإذن أو علم من السلطات، بل عبر ترتيبات فردية خاصة من دون تنظيم أو إجراءات تأمين، ما يمكن تصنيفه بعمليات تهريب البشر عبر الحدود.

وكشف إبراهيم عن أن معظم المركبات التي تستخدم في السفر غير مجهزة بوسائل الاتصال اللازمة ولا أجهزة تتبع أو استغاثة عند الحاجة، ودعا إلى وضع قواعد وضوابط صارمة لتنظيم السفر عبر الصحراء إلى ليبيا.

مصائب صحارى الشمال

لكن هذه المآسي لا تخص ولايات دارفور وحدها، فمنذ سنوات عدة، شهدت الولاية الشمالية كثيراً من الحوادث المماثلة، ولا تزال ذاكرة السودانيين تختزن حكايات فظيعة منها ضياع أحد المسؤولين المحليين مع بعض أفراد أسرته، ومعه أموال حكومية، وعثر لاحقاً، عبر أحد الرعاة، على جثث هذا المسؤول وعائلته مطمورة داخل السيارة برمال الصحراء.

ومن المآسي أيضاً، قصة أربعة مسافرين من كسلا إلى وادي حلفا في الولاية الشمالية كان برفقتهم دليل، لكنهم قضوا في الصحراء بسبب العطش والجوع بعد أن ضلوا الطريق، ولم يعثر علي جثثهم إلا بعد فترة من الزمن بواسطة سكان بدو متجولين.

وأوضح مالك محمد إبراهيم، مدير الزراعة بالولاية الشمالية، أن من أخطر المناطق التي مات فيها الناس جوعاً وعطشاً هي دهاليز ومتاهات صحارى العتمور والفيوم، وتحديداً ما كان يعرف بطريق “المحيلة” الذي فقد فيه مئات الأشخاص، إلى جانب طريق العقبة المعروف بـ”فريق”، وطريق مروي عطبرة.

حصد الأرواح

وناشد إبراهيم السلطات والمنظمات وضع علامات إرشادية على تلك الطرق الصحراوية أو إلزام السيارات بتركيب أجهزة تعقب أو اتصال، مثلما تحمل عربات المنظمات الأجنبية العاملة في تلك المناطق، والعمل على مكافحة السفر بغير الطرق الرسمية المعتمدة، خصوصاً أولئك الذين يتحركون من منطقة سوق ليبيا بالخرطوم وتوجيههم ليسلكوا الطرق الآمنة التي تمر بمحطة وادي حلفا، وصولاً إلى المثلث مع دولة ليبيا، والتحرك في شكل مجموعات مع ضرورة استخدام سيارات المواصلات المخصصة لهذا النوع من السفر الذي يعد في غاية الخطورة على أرواح المسافرين ما لم يتم تعبيد الطرق وتأمينها.

العثور على جثامين عائلة سودانية

كانت نيابة مدينة الكفرة (جنوب شرقي ليبيا)، قد نشرت في 12 فبراير (شباط) 2021، على صفحتها في “فيسبوك”، صوراً لسيارة معطوبة في الصحراء الليبية ذكرت أن 21 شخصاً كانوا يستقلونها، وعثر بجوارها على جثامين ثمانية أشخاص (عائلة سودانية)، بينما لا يزال مصير بقية الركاب مجهولاً، ولفتت نيابة الكفرة إلى أن السيارة تحركت من مدينة الفاشر السودانية إلى مدينة الكفرة، وأنها تلقت بلاغاً حول السيارة في 10 فبراير، وأوضحت أنها عثرت على بعض مقتنيات الضحايا، مثل الحقائب والألبسة، على بعد نحو 400 كيلو متر جنوب شرقي مدينة الكفرة القريبة من حدود مصر والسودان.

وعرضت النيابة صوراً لوصية سيدة سودانية كانت قد كتبتها قبل وفاتها، اسمها مزنة سيف الدين حسن، وجاء فيها “إلى من يجد هذه الورقة، هذا رقم أخي محمد سيف الدين، أستودعكم الله، وسامحوني أنني لم أصل أمي إليكم. بابا وناصر أحبكما. ادعوا لنا بالرحمة، واهدونا قرآناً، واعملوا لنا سبيل موتى هنا”.

إندبندنت


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.