هل ستحد سياسة التحرير من تهريب الذهب بالسودان؟

تتجه عيون السودانيين نحو الذهب، لإنقاذ بلادهم من حال التدهور المريع التي لازمت اقتصادهم طيلة السنوات الماضية، بخاصة بعد خطوة الحكومة السودانية بإعلان سياسة تعويم الجنيه السوداني نهاية فبراير (شباط) الماضي، التي من المفترض أن تؤدي إلى تحفيز المنتجين واستقرار الأسعار، وإيقاف عمليات التهريب الواسعة التي أفقدت البلاد كميات كبيرة من انتاج الذهب تقدر بملايين الدولارات.

فهل تتمكن السياسات الاقتصادية الجديدة الخاصة بتوحيد سعر الصرف، من تحقيق حلم السودانيين ليصبح الذهب المورد الرئيس بلا منازع، أم سينتصر المهربون؟

مورد مهم

وأوضح أمين المال في اتحاد الغرف التجارية السودانية هيثم تبيدي، أن “الذهب، من دون شكّ، يشكل مورداً مهماً ورئيساً للسودان، فهو يساهم بنصيب الأسد في ميزانية الدولة ودعم الاقتصاد، لكن يحتاج إلى رؤية واضحة من ناحية الصادر، فخلال الأشهر الماضية، تم تصدير كميات كبيرة بواسطة القطاع الخاص، وما أن أصدرت الدولة قرار توحيد سعر الصرف، حتى أعلن بنك السودان المركزي أنه سيحتكر عملية تصدير الذهب إلى الأسواق الخارجية، وهو أمر يخالف سياسة التحرير الاقتصادي التي تقوم على الانفتاح وإطلاق يد القطاع الخاص نحو التصدير باعتباره شريكاً استراتيجياً للدولة، فالبنك المركزي هو بمثابة جهة تشريعية ورقابية، فضلاً عن قيامه بوضع الضوابط الخاصة بعمل البنوك، لكن يجب ألا يدخل في مسألة التصدير لأنه ليس تاجراً، فلا بدّ من أن تتم عملية التصدير بواسطة الشركات والأفراد العاملة في هذا النشاط، وتتاح لهم الفرصة كاملة لا سيما وأن لديهم تجربة سابقة ناجحة بكل المقاييس. كما أن الاحتكار من أهم عوامل التهريب”.

أضاف تبيدي، “لا توجد معلومات أو احصاء دقيق عن حجم الانتاج الحقيقي للذهب في البلاد، لكن الرقم المتفق حوله في حدود 100 طن سنوياً، ومعظم الكميات المنتجة تأتي بواسطة التعدين الأهلي (التقليدي)، وبالتأكيد أن جائحة كورونا أثّرت كثيراً على عمليات استخراج الذهب، فضلاً عن أزمة الوقود والنقل، لذلك يجب ألا تعتمد الحكومة على مورد واحد خصوصاً وأن السودان لديه موارد عديدة كالحبوب الزيتية، والصمغ العربي، والثروة الحيوانية، وغيرها. فلا بدّ من أن تكون هناك حزمة إصلاحات اقتصادية، وتحفيز للمصدرين، وتبسيط وتخفيف الاجراءات الحكومية، ومعالجة مشكلات الموانئ، حتى ينهض الاقتصاد نحو الأفضل”.

سياسات رشيدة

ونوه أمين المال في اتحاد الغرف التجارية السودانية، إلى أن قطاع الذهب يحتاج إلى سياسات رشيدة، والابتعاد عن التدخلات الأمنية لأنها تفتح باب التهريب، خصوصاً أن حدود السودان واسعة، ما أفقده كميات كبيرة من هذا المعدن بطريقة ممنهجة، فالتهريب يحارب بالسياسات الحرة والصريحة، فلا أعتقد أن هناك تاجراً يمكن أن يخاطر بأي كمية إذا وجد سعراً مشجعاً. ففي العام 2008 كان السودان أكبر سوق للذهب لدول أفريقيا المجاورة، فمعظم انتاج دول الجوار (تشاد، إثيوبيا، أفريقيا الوسطى، وكذلك النيجر) يتم بيعه في البلاد، لكن مع إعلان سياسة احتكار الدولة تصدير الذهب، فقد السودان موقعه كسوق ذهب لدول الجوار الأفريقي”.

وتابع تبيدي أن سياسة تحرير سعر الصرف، سيكون لها أثر ايجابي لناحية استقطاب الانتاج المحلي من الذهب، وعدم الاتجاه إلى التهريب، إذ إنها تساهم في استقرار الأسعار، لكن ما حدث من محاولات تهريب كميات من هذا المعدن خلال الفترة الماضية عن طريق مطار الخرطوم، ليست مسألة مزعجة لأنها ليست بالكميات التي يمكن أن تؤثر على الاقتصاد.

أما في ما يختص بإنشاء بورصة للذهب في الخرطوم، فأجاب تبيدي، “لكي تعمل بورصة لا بدّ من أن تتوافر لديك شروط محددة من أهمها، احتياطي وفير من الذهب، والحصول على شهادة الأيزو، وتأهيل مصفى الذهب حتى يكون انتاجه ذا قيمة مضافة”.

جهات نافذة

في سياق متصل، قال أستاذ الاقتصاد في الجامعات السودانية عبد العظيم المهل، “للأسف ثبت أن القطاع الخاص السوداني يتمتع بدرجة عالية من الأنانية، فطيلة الفترة الماضية، ظل هذا القطاع يودع في البنوك الرسمية أقل من 10 في المئة من قيمة صادر الذهب، وبالتالي، لا بدّ من أن تضطلع الدولة بدورها من خلال عودة مؤسسة التعدين السودانية إلى عمليات بيع وشراء الذهب، لكن بأسس عالية من المرونة حتى تضمن دخول عائد الذهب إلى خزينة الدولة. والآن بعد تحرير سعر صرف العملة المحلية كنا نتوقع أن يكون دخل صادر الذهب في حدود 500 مليون دولار شهرياً، إلا أنه اتضح أن صادراته لم تصل إلى 400 مليون دولار في السنة، وهذا رقم الانتاج الوفير الذي يقدر بأكثر من 100 طن، لكن واضح أن هناك خللاً ما، وعمليات تهريب واسعة تتم في وضح النهار، وأمام مرأى ومسمع المسؤولين في الدولة”.

أضاف المهل، “تهريب الذهب أصبح خطراً يهدد الاقتصاد الوطني، لكونه يتم بطريقة رسمية ومقننة عبر المنافذ الرسمية، ما يعني أن هناك جهات عليا ونافذة تشترك في هذه الجريمة، ما يؤكد أن الأمن الاقتصادي في البلاد ليست لديه جهود أو خطة واضحة لمكافحة عمليات تهريب الذهب، لذلك لا بدّ من ايجاد رقابة لصيقة ومحكمة تبدأ من مواقع استخراج الذهب (أبار التعدين)، وأن تكون هذه الرقابة بواسطة أجهزة حديثة ومتطورة، بخاصة بالنسبة للشركات الأجنبية التي تعمل في هذا المجال، فهي تمارس نشاط التنقيب لسنوات طويلة، من دون أن تكون هناك شفافية واضحة في الانتاج، ما يدل إلى أن هناك انتاجاً كبيراً يهرّب بطريقة غير معروفة، لذلك يجب تطبيق القانون على الجميع سواء كانوا أفراداً أو شركات أو جهات رسمية، فالكل يعامل على أساس أنه تاجر”.

ولفت استاذ الاقتصاد إلى أن تطوير الذهب، ليكون مورداً مؤثراً وفاعلاً في اقتصاد البلاد، يتطلب وضع استراتيجية لاستغلاله واستخلاصه، على أن تكون قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، وواضحة المعالم لناحية تحديد الكميات التي يجب استخراجها، ومناطق تنقيبها، وأفضل طرق الاستخراج، فضلاً عن الاهتمام بجوانب الأبحاث والتدريب والتخطيط والرقابة كمنظومة متكاملة.

عراقيل

وكان المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة مبارك أردول، أرجع أسباب عمليات التهريب، التي تم ضبطها الفترة الماضية في مطار الخرطوم، إلى وجود بعض التشريعات التي كانت تجبر المنتجين والمصدرين على التهريب، فضلاً عن عدم تماسك الوضع الأمني في البلاد ما شجّع كثيرين من المهربين على اتباع هذه الأساليب المخرّبة للاقتصاد، لكنه شدد على عدم وجود أسباب لتهريب الذهب إلى الخارج بعد تطبيق سياسة توحيد سعر صرف العملات الأجنبية، لافتاً إلى وجود عراقيل تواجههم في رفع الحصانة من منسوبين حكوميين لإكمال اجراءات محاكمة المتورطين في قضية التهريب الشهيرة للذهب التي تم إحباطها قبل أكثر من شهرين، مطالباً الجهات الحكومية بالتعاون لحماية اقتصاد البلاد، وعدم التستر على المتهمين على حد قوله.

وبيّن في تصريحات صحافية في وقت سابق، أنهم أحرجوا مع الذين قاموا بضبط تلك الكميات المهربة، لعدم التمكن من الإيفاء بحقهم في التحفيز، إضافة إلى عدم استطاعتهم تحصيل نصيب الدولة المحدد بـ 10 في المئة من الذهب المهرّب، منوهاً إلى أنهم ظلوا يطالبون بتشكيل نيابة خاصة بالتعدين لتكمل الحلقات والجهود التي يقوم بها المخلصون من شبان وشابات الوطن لحماية اقتصاد بلادهم.

زيادة الانتاجية

وأشار أردول إلى أن هناك اجراءات وترتيبات فنية تجرى على أرض الواقع لتنفيذ مشروع بورصة الذهب، ما سيساعد على إنعاش الاقتصاد، وكذلك سينعش سوق الذهب السودانية لقدرة هذه البورصة على قراءة مؤشر توفر الذهب ومستوى انتاجيته، مؤكداً أن السودان يعتبر من أكبر ثلاث دول منتجة للذهب في أفريقيا، الأمر الذي يضع على عاتق الشركة السودانية للموارد التعدينية المحدودة، الاضطلاع بمسؤولية النهوض بقطاع التعدين التقليدي والقطاع المنظم الذي تديره الشركة.

وتابع أن “الظروف التي كان يعاني منها السودان من حروب وحصار اقتصادي، انعكست سلباً على عدم استغلال كل مساحات التعدين المنظم الذي انحصر بين 20 إلى 25 في المئة، في وقت ذهبت مساحة ما بين 75 إلى 80 في المئة، لصالح قطاع التعدين التقليدي الذي ينتج حوالى 70 طناً في السنة، ويقع معظمها خارج سيطرة الحكومة السودانية”.

وتوقع أن ترتفع انتاجية قطاع التعدين التقليدي هذا العام إلى نحو 80 طناً من الذهب، وكذلك ارتفاع انتاجية قطاع التعدين المنظم إلى 96 طناً وفقاً لما هو مخطط له من قبل الشركة السودانية للموارد التعدينية المحدودة.

مناطق الانتاج

وتقع أشهر مناطق انتاج الذهب في السودان في منطقة جبل عامر في ولاية شمال دارفور، واكتشفت في العام 2012، وأفادت تقارير رسمية بأن كل 50 كيلوغراماً من التربة في هذه المنطقة تحتوي كيلوغراماً من الذهب، وكذلك منطقة جبال النوبة في ولاية جنوب كردفان، وتضم أكثر من 58 منجماً للذهب، فضلاً عن عدد من الصحاري والجبال الواقعة شرق نهر النيل حتى محاذاة البحر الأحمر، وأعلى هذه المنطقة، فوق سلسلة جبال البحر الأحمر، شرقي السودان.

لكن على الرغم من هذا الإنتاج الوفير من الذهب، ظل الفرق بين الإنتاج والصادر كبيراً جداً، وقدّرت تقارير رسمية ما تخسره البلاد من عمليات التهريب يتراوح بين مليارين إلى أربعة مليارات دولار سنوياً، ما يمثل نسبة 37 في المئة من اجمالي الصادرات السودانية.

إندبندنت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.