أثار تواجد قوات بالخرطوم تتبع لحركات الكفاح المسلح، موجة من الجدل تتصاعد وتيرتها يوماً بعد يوماً، فبالرغم من أن الحركات بررت وجود قواتها ببند الترتيبات الأمنية الذي نجم عن اتفاق سلام جوبا وأيضا لحراسة قادة حركاتها إلا أن خبراء امنيين فندوا تبريراتها معتبرين وجود القوات بالخرطوم خطأ بالترتيبات الامنية وحذروا من حدوث انفلات امني لاسيما بتواجدها بأماكن حيوية واحياء سكنية، وفي خضم ذلك يترقب آخرون محلياً ودولياً التحدي الأكبر بدمج هذه القوات وتكوين جيش السودان الموحد..
فعل ورد
وقد أتى قرار رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان (أواخر الأسبوع الماضي)، القاضي بخروج قوات جيش تحرير السودان، بقيادة مني أركو مناوي من المدينة الأولمبية وترحيلها إلى معسكر السليت شمالي العاصمة الخرطوم، أتى القرار بعد احتدام الجدل حول هذه القوات التي قدمت للخرطوم من ولاية شمال دارفور منتصف فبراير الماضي، وقوبل تواجد القوات بالمدينة الأولمبية بالرفض الواسع، الأمر مما دفع باللجنة الأولمبية لإخلاء المقر وسط مخاوف بأن يهدد الحادث بتجميد كامل للنشاط الرياضي بالسودان..
منحى آخر
ويبدو أن استنكار وجود قوات مدججة بالاسلحة الثقيلة ومضادات طائرات بقلب الخرطوم أخذ منحى آخر غير الأمني، وصدرت اتهامات لجهات تقف خلف حملة استنكار التواجد لاهدافٍ أخرى، وبدا ذلك جلياً بحديث عضو مجلس شركاء الحكم قائد ثاني قوات الدعم السريع الفريق عبد الرحيم حمدان دقلو خلال مخاطبته الجماهيرية بمنزل المفرج عنه موسى هلال، الذي انتقد ما اسماها بالحملة الاعلامية ضد قوات حركات الكفاح المسلح المتواجدة بالخرطوم من قبل جهات لم يسمها، مشيرا من خلال حديثه إلى التوافق الذي شهدته البلاد بتوقيع اتفاق السلام بين الحكومة والحركات، واصفا ذلك النموذج بالمشابه لنموذج دولة رواندا.
رفض المزايدة
الناطق الرسمي باسم الجبهة الثورية محمد زكريا لم يكن بمنأى عن دقلو الثاني في رأيه، بل كان اكثر دقة بتحديده وتسميته للجهات التي يرون انها تقود حملة شعواء ضد قواتهم بالخرطوم، وقال زكريا انهم يرفضون المزايدة بشأن ملف تواجد قوات الحركات بالعاصمة القومية، مشيرا الى بعض الالسن التي اضحت تردد هذا الحديث رفضا منها للسلام وتضرب على وتر الجهوية وتحاول أن تستعدي الناس تجاه السلام.
ولفت زكريا بحديثه لـ(السوداني) الى أن السلام اتى من اجل كل مناطق السوادن، منوها الى التوافق على الترتيبات الامنية الناجة عن السلام بين قوى الكفاح المسلح ووفد الحكومة اللانتقالية بعد نقاشات طويلة وحورات جادة ومثمرة استهدفت في الاساس ايجاد حل للازمة السودانية.
واوضح زكريا أن البروتوكول اشار الى تواجد القوات الى أن تتم عملية الدمج بالمراحل الثلاث بالترتيبات الامنية وكذلك اشار ايضا الى تشكيل قوى وطنية مشتركة لاستدامة السلام في دارفور قوامها 12 الف مقاتل بالتناصف مع مكوني قوات الكفاح المسلح والقوات المسلحة والدعم السريع والاجهزة الامنية والشرطية.
بروتوكول وحراسة
ولفت زكريا الى أن البروتوكول نص على أن تحتفظ قوى الكفاح المسلح بحراساتها الرمزية، منوها الى أن جملة الحراسات للاطراف الموقعة للسلام بلغت حوالى 300 جندي لـ8 اطراف، بواقع 50 مجندا لكل طرف، واضاف قائلا: هذه هي الحراسات التي وصلت للخرطوم للحركات المختلفة وهي تصب في الترتيبات الامنية واي حديث أن هذا العدد للحركة الواحدة يشكل تهديدا للامن هو مزايدة ومحاولة للاستعداء وتغبيش الراي العام تجاه السلام وهو امر مرفوض والذين يطرقون على هذا الوتر ينطلقون من دوافع جهوية ولا يريدون الخير للفترة الانتقالية التي شاركت قوى الكفاح المسلح في انتاجها عبر النضال لفترات طويلة حتى سقوط نظام المؤتمر الوطني.
المواطنة والأعداء
وتابع زكريا حديثه مؤكداً أن السودان لكل السودانيين وان الاساس في المواطنة أن تكون بلا تمييز وعيار التفاضل يكون بالمواطنة الحقة ولا يوجد من يملك حق اين يتواجد السوداني بأي رقعة جغرافية من ارض الوطن، داعيا الجميع وفي مقدمتهم الأجهزة الأمنية بأن تكون لسان حق بتوضيح الحقائق وازالة الغبش الذي تثيره عدد من الاقلام التي وصفها بالكارهة للسلام.
واكد زكريا أن الفترة الانتقالية بمجملها تواجه بحملة شعواء من قبل قوى النظام البائد بالعمل على تقويض الحكومة الانتقالية، مشددا على وجود اعداء كثر في المحيط الاقليمي بالاضافة الى وجود اصحاب المصالح الذين قطعت عليهم الثورة الكثير من المنافع ولا يسرهم استمرار هذا الوضع لذلك يطرقون على وتر الجهوية والعنصرية، مردفا: لقد اطلعنا على مقالات بالاسافير تتحدث بنعرة عنصرية لا تتسق مع اخلاقنا ولا تتفق ايضا مع المشهد بالتالي يجب دحض كل هذا ببيان الحقائق.
واضاف: القوات الموجودة هي ايضا لحفظ قادة السلام وهو ايضا من ضمن البروتكولات الامنية وإن حدث مكروه او اغتيال لأي قائد من قيادات السلام ستكون عواقبه وخيمة على وثيقة السلام الامر الذي يجعل وجود الحراسات من باب سد الذرائع ولابد ألا نُخرج هذا الأمر من سياقه بالافتراء والاكاذيب بقول وجود جحافل وجيوش لقوى الكفاح المسلح وهاجمت العاصمة واستولت عليها، قاطعاً بأن هذا الأمر لا يستحق الوقوف عنده.
خطورة أمنية
الخبير الامني والاستراتيجي د. أمين المجذوب قال إن وجود هذه القوات بالخرطوم يعد خطأ بالترتيبات الامنية، التي كان من المفترض أن تحدد مواقع التجميع بالقرب من مواقع عمليات هذه القوات او تمركزها بولايات دارفور وكردفان .
واشار المجذوب الى أن هذه القوات اتت للخرطوم وهي في حالة تسليح كامل، الامر الذي يشكل خطورة على الامن بأي مدنية سيما أن هذه المدينة هي العاصمة، لافتا الى حدوث انفلات امني بسبب تواجد هذه القوات باطلاق النار من اي طرف من الاطراف خاصة وانها ثلاث مجموعات بجانب القوات النظامية الاخرى.
وقطع المجذوب بضرورة حسم الامر عبر مجلس الدفاع والامن بإخراج هذه القوات وتحديد مواقع للتجميع بمناطقها التي اتت منها وكذلك العمل في بدء اجراءات الدمج والفحص حتى يمكن تطبيق اتفاق الترتيبات الامنية وبرتكولاتها بطريقة صحيحة.
واضاف: قادة هذه الحركات يتقلدون مناصب سيادية وتنفيذة بمجلسي السيادة والوزراء يجب التنسيق معهم من اجل اخراج هذه القوات والسيطرة عليها بدلا من التصريحات الاستفزازية هنا وهناك الذي ربما تقود لصدام بين هذه المجموعات والقوات والنظامية او مع المواطنين.
وتابع: الخرطوم مدينة تشتهر بأنها آمنة ووجود هذه المجموعات بالقرب من المطار والمواقع الحيوية والأحياء التي يقطنها اجانب يعطي انطباعا بأن الخرطوم اصبحت عاصمة غير آمنة وما حدث بمباني اللجنة الاولمبية السودانية دليل على ذلك خاصة وان اللجنة لها علاقات مع منظات اقليمية ودولية وقد تتدخل في السودان في عقوبات.
تكوين الجيش
الجيوش التي بالخرطوم أتت لاجل عملية الدمج بالقوات المسلحة لتكوين جيش السودان الموحد استحقاقا لسلام جوبا وتحقيقاً لشعارات الثورة، وتحظى عملية الدمج والتسريح (DDR) باهتمام محلي ودولي ومتابعة عن كثب من بعثة اليونتامس على امل أن تلحق جيوش الحلو وعبد الواحد بالركب.
وفي هذا الصدد قال الخبير الأمني والعسكري حنفي عبد الله إن ادماج جيوش الحركات المسلحة بالقوات المسلحة لتكوين جيش السودان الموحد ضمن بند الترتيبات الامنية يقوم على قواعد واسس واصول معروفة، مشيرا الى أن السودان دخل بتجربة سابقة بضم الحركات باتفاقيات سابقة بيد أن تكوين الجيش يواجه تحديات كثيرة كالتمويل وايجاد قواعد واضحة لعمليات الدمج والتسريح.
وصف عبد الله عملية الدمج بالمعقدة، مشددا على انها تحتاج الى تصنيف وفرز لتفادي تكرار اخطاء التجارب السابقة التي منحت بعض العناصر بالحركات رتب عالية دون الحصول على التأهيل الفني والاكاديمي المطلوبين، الامر الذي يوجب المراجعة واستيفاء الشروط من اجل وضع الشخص بالمكان المناسب.
وقطع عبد الله بأن عملية التسريح تحتاج للدمج في المجتمع وانشاء مشروعات زراعية وانتاجية لكسب العيش، لافتا الى أن هذا يرتبط ايضا بالتمويل لذا محتم على المجتمع الدولي أن يقوم بدوره كاملا.
واضاف: في الفترات السابقة لم يكن للمجتمع الدولي دور اذ أن عمليات الدمج والتسريح، ونجاح ملف الترتيبات الامنية يعتمد على الاسس الفنية وعمليات التدريب والصقل وتنفيذ عملية الدمج والتسريح ويجب أن تدعم الامم المتحدة في مجالات التسريح والدعم اللوجستي وما الى ذلك.
وفيما يتعلق بالعقيدة القتالية وقومية الجيش الموحد قال عبد الله إن هذا الامر مفروغ منه و واجب مطلوب خلو الجيش من الاثنيات والقبلية والجهوية و يحتاج لدعم لوجستي خارجي اما داخليا فتوجد الخبرات الكافية من متقاعدين وتجارب سابقة.
واردف: جانب التعويضات المالية مهم للعدد الذي سينخرط في الخدمة العسكرية او المدنية ومرتبط بالتمويل بصورة مباشرة، اضافة لوضع الخطط والتفهم من كافة الجهات سواء كانت حكومة او حركات الجهات المختصة تقوم بها.
السوداني