بعد عامين يجد الثوار الذين أبقوا على جذوة الاحتجاجات متقدة في شوارع المدن السودانية لأربعة أشهر وحموا اعتصامهم أمام قيادة الجيش بالخرطوم لنحو شهرين أنهم أنجزوا نصف ثورة، إن احتفلوا بذكراها فبحذر.
وأشعلت مدينة عطبرة شمالي البلاد الثورة السودانية في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، ومن ثم تصدى تجمع المهنيين السودانيين ليقود وينسق ما عرف وقتها بمواكب التنحي التي أنهت حقبة عمر البشير التي امتدت 30 سنة، في 11 أبريل/نيسان 2019.
وحتمت صيغة مشاركة الجيش في السلطة الانتقالية على أنصار الثورة التعامل مع قائمة للمطالب والشعارات المنجزة وأخرى لتلك التي تأخر إنفاذها.
وبتفكيك الشعار الرئيسي للثورة “حرية، سلام وعدالة” يتبدى طريق طويل ومتخم بالمتاريس في سبيل إنزال شعارات الثورة على أرض الواقع.
تفكيك الشعارات
ويشير محمد حسبو عن تجمع المهنيين إلى أن هتاف الثورة “حرية، سلام وعدالة” كل شعار منه يندرج تحته العديد من المطلوبات التي لم تكتمل، موضحا أنه بإزالة النظام انفتح باب واسع للحريات التي أصبحت سلاحا بيد الجماهير، وهناك محاولات التفاف عليها.
ويوضح أن العدالة والسلام ملفان شائكان، وفيما يلي العدالة يعمد المكون العسكري في الحكم إلى خلق عوائق لتورطه في انتهاكات ممنهجة استمرت حتى بعد سقوط البشير في 11 أبريل/نيسان 2019.
ويؤكد حسبو للجزيرة نت أن المكون العسكري غير حريص على فتح كل الملفات بشكل شفاف، رغم أن العدالة ليست ترفا فالأمم التي تمر بشموليات لا بد أن تفتح الجروح وصولا لقيم العدالة والتراضي وجبر الضرر.
ويقول “إن التسويف والطبطبة وبيع الوقت حيل لن تحقق أي مقاصد سواء فيما يتعلق بجرائم النظام السابق أو جرائم ما بعد 11 أبريل/نيسان. هذا ملف شائك وواحد من القنابل الموقوتة”.
ويحاكم رموز النظام السابق، بما فيهم البشير، بجملة جرائم من بينها التخطيط لانقلاب 30 يونيو/حزيران 1989، وقتل المتظاهرين والمعارضين، بينما تحقق لجنة في مقتل وفقدان ثوار جراء فض الاعتصام في 3 يونيو/حزيران 2019.
ويؤكد المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان عمرو كمال خليل أن اندلاع الثورة وما سبقها من أحداث ثورية متراكمة أنجزت حكما انتقاليا هدفه العبور بالبلاد من فترة شمولية متسمة بالانتهاكات لدولة ديمقراطية مدنية، عبر عنها شعار “حرية، سلام وعدالة.. مدنية خيار الشعب”.
ويشير خليل إلى أن الآمال كانت تنعقد في سلام وعدالة يزيلان المرارات الجسيمة، لكن كل ما أنجز هو بعض التعديلات القانونية في الحريات العامة، مثل النظام العام وحرية الفكر والعقيدة والإجراءات الجنائية، فضلا عن حصر تهم وبلاغات متعلقة بالفساد وحقوق الإنسان ولجنة فض الاعتصام.
ويقول للجزيرة نت “مجملا هناك اتجاه لإصلاحات قانونية لكن الشارع لا يحس بها نسبة للتعقيدات السياسية المتمثلة في تشكيلة السلطة نفسها”.
ويوضح أنهم كقانونين ومدافعين عن حقوق الإنسان يرون أن الإصلاحات غير مكتملة رغم حدوثها، لأن تحقيق العدالة الانتقالية في صورتها الكاملة يتم بالنظر في كل الانتهاكات التي ارتكبها النظام السابق وإزالة آثارها من نفوس السودانيين.
ويذكر أن عمل الفترة الانتقالية من منظور قانوني هو تحقيق العدالة الانتقالية وتوفير حقوق التقاضي وتسهيل الوصول للعدالة، بأن تتم تعديلات منهجية وليست جزئية عبر إصلاحات قانونية وإدارية لأجهزة الدولة، مع مراعاة مناطق النزاعات.
شعار السلام
وبشأن شعار السلام، يقول حسبو إن المنهج الذي اتبع في عملية السلام المنجزة أواخر العام الماضي مع الحركات المسلحة كان نخبويا، اعتمد سياسة الترضيات والتسويات دون مخاطبة قضايا الحرب على الأرض.
ويعزو ما يسميه تغييب البرلمان والمفوضيات إلى تركيبة السلطة الانتقالية لارتباطهما بقضايا نوعية، مثل الفساد والسلام والانتخابات والإحصاء السكاني وإصلاح الخدمة المدنية والقوانين وحقوق الإنسان.
ويتابع “لا يوجد خطاب واضح من السلطة بسبب تأخير تشكيل البرلمان والمفوضيات، لكن التباطؤ محكوم بتوازن القوى داخل السلطة”.
الملف الاقتصادي
ولا تبدو الحكومة الانتقالية التي أنجزتها الثورة بقدر تطلعات الثوار، وفق علي فارساب عضو لجنة العمل الميداني إبان الاحتجاجات والاعتصام.
ويرى فارساب أن الحكومة فشلت في تنفيذ عدد من شعارات الثورة، مثل الفشل في الملف الاقتصادي، لأن الرفاه وكرامة العيش كانت من أهداف الثورة، فضلا عن الفشل في إدارة ملف الصحافة البطيء في سير العدالة وتقديم المتورطين في قتل المتظاهرين للقضاء.
ويعيب على لجنة فض الاعتصام برئاسة القانوني نبيل أديب تباطؤها واستهلاكها لزمن طويل أفقدها قوتها.
لكن فارساب يعود ويؤكد أن ثمة أهدافا تحققت مما يشفع لحكومة الثورة بالبقاء، مثل العودة لأحضان المجتمع الدولي برفع العقوبات الأميركية وإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وما أعقب ذلك من عودة التعاون مع مؤسسات التمويل الدولية وعلى رأسها البنك الدولي.
شرعية الاحتفال
وإزاء ذلك، يزهد الكثير من الثوار في الاحتفال بالذكرى الثانية لسقوط البشير في 11 أبريل/نيسان الحالي، لأنهم يرون ضرورة استمرار ضغط الشارع على الحكومة الانتقالية.
ورغم ذلك احتفت جهات مثل تجمع التشكيليين بالذكرى بطريقتها، عبر معرض تشكيلي للثورة في نادي الأسرة بالخرطوم.
ويتخذ حسبو عن تجمع المهنيين السودانيين، رأيا وسطا، ويقول للجزيرة نت إن الاحتفال بذكرى الثورة مهم لأن ثمة ما أنجز.
اعلان
ويؤكد أن الاحتفال ليس بعقلية “انتصرنا وانتهى الموضوع”، لأن هناك مطالب منذ بداية الحراك ما زالت في انتظار التنفيذ، موضحا أن هناك ترابطا جدليا بين الاحتفاء بذكرى الثورة بشكل احتفالي أو مطلبي.
ويحذر من أن الأصوات المجرّمة للاحتفاء بالثورة تلتقي بحسن نية مع “الفلول”، إذ إن موكب 6 أبريل/نيسان 2019 أنجز إزالة نظام كان يعتقد أنه مخلد في السلطة “فالانتصار عليه بتلك الجسارة يستحق الاحتفال رغم النواقص التي نقر بها”.
أما فارساب فهو يؤيد إحياء الذكرى بشكل ثوري برفع مطالب الثورة في مواكب للضغط والتذكير، للإبقاء على الروح الثورية في الشارع.
ويضيف أن ذلك يساعد الحكومة في خوض معاركها ونيل شرعيتها من الشارع حال حدوث ردة أو انقلاب، ويتابع “أنا ضد أي مواكب لإسقاط النظام”.
المصدر : الجزيرة