اجتماع البرهان بقادة الجيش.. لقاء تهدئة الخواطر ووضع النقاط على الحروف

<

div class=”entry-content entry clearfix” readability=”36″>

إبان الفترة الأولى من انقلاب الجبهة الاسلامية على الحكومة الديمقراطية في العام 1989 وجد ضابط متوسط الرتبة نفسه فجأة في اجتماع سري اقامه د. حسن الترابي زعيم الجبهة وعرّاب الجماعة ومهندس الانقلاب مع عدد من ضباط التنظيم الاسلامي مستمعاً إلى الترابي وهو يتحدث عن استراتيجية التنظيم تجاه القوات المسلحة في مرحلة ما بعد التمكين.

حيث قال إن الجيوش النظامية مكلفة اقتصادياً وإنهم كاسلاميين رساليين يريدون جيشاً رسالياً لا مهنياً يتشكل في المستقبل من متطوعين اسلاميين يدافعون ويتدافعون لنصرة الدين، وبعد أن استمع إلى الحديث تسلل خلسة إلى زملائه الضباط وقال لهم ( شيلوا شيلتكم الترابي ناوي يحل الجيش ) تلك هي استراتيجية عرّاب النظام كما تؤكدها الوقائع والمراقبون لمسار واتجاهات حركة الاسلام السياسي التي يتزعمها الشيخ الترابي، بيد أن تلك الاستراتيجية لم يكن يوافق عليها الرئيس المخلوع قائد الانقلاب بالاضافة إلى الضباط الاسلاميين داخل القوات المسلحة، فالبشير يريد أن تكون المنظومة العسكرية سنداً له كذراع عسكرية في مقابل النفوذ المدني للتنظيم الاسلامي وهو ما ظهر بالفعل بعد تجربة الحكم حتى حدوث المفاصلة الشهيرة في الرابع من رمضان 1999 التي تمرد فيها زعيم الانقلاب البشير على شيخه عرّاب التنظيم عندما ادرك أن سطوة الترابي كزعيم اسلامي يستند إلى مرجعية التنظيم المعتمدة على الولاء والطاعة تجعل سطوة الحكم تتتسرب من بين يديه بآلية سيادة التنظيم على قادة السلطة حيث ابدى البشير في بيانه الانقلابي في المفاصلة أن الترابي كان يتدخل حتى في تعيين السفراء وإن قراراته كانت لا تنفذ وقال إن البلاد لا يمكن أن تحكم برئيسين .
وقد اعلن حالة استنفار في الجيش مدعوم بتضامن الضباط الاسلاميين في التنظيم الذين حركتهم الحمية العسكرية على الولاء التنظيمي واستطاع البشير باستخدام الآلة العسكرية أن يسيطر على الأوضاع وهو أمر جعل العديد من اعضاء الجماعة أن تنحاز إلى مركز القوة لا شياخة المرجعية الدينية . وفي تلك الفترة كان التمكين الاسلامي داخل القوات المسلحة قد قطع شوطاً كبيراً بحسب مصادر لجنة مفصولي القوات المسلحة في حوار سابق بصحيفة «الانتباهة» في العام 2006 قد بلغ عدد المفصولين 32 ألف فرد من القوات المسلحة منهم ثمانية وعشرين ألف ضابط .

ما بعد الثورة
بالرغم من أن اللجنة الأمنية التي انحازت لثورة ديسمبر المجيدة وقامت بالاستيلاء على السلطة بعد الهبة الشعبية العارمة ضد النظام البائد لم تكن عدد منها بعيد عن التنظيم الاسلامي أو المتعاطفين معه لكن مكنزيم اسقاطات الواقع بعد تمردهم على قادتهم واقصائهم من الحكم وحبسهم أمر لا يجعلهم في اصطفاف كامل مع منظومة الاسلام السياسي حتى وإن ارادوا ذلك فقد افرز الواقع على الارض موازين جديدة من القوة المتمثلة في التيار الشبابي الذي يمثل أكثره تيارات مستقلة جلها غير قابلة للاستقطاب السياسي رغم أن بعضهم قد اصطف مع تيارات سياسية أو قوى انتهازية نافذة . وقد ظهر جلياً للمكون العسكري لاحقاً بعد فض الاعتصام وقف الحوار مع الحرية والتغيير وما ترتب عليه من رد فعل شبابي قوى انتظم في كافة مناحي البلاد جعل مجدداً اعتدال ميزان القوى الثوري ، وجعل جماعات النظام البائد في احباط وربكة لكنها سرعان ما لملمت اطرافها واخذت تخطط من خلال غرف عملياتها السرية خطط المواجهة السياسية التي تشمل كل صور الآليات التي تمد لسانها للمرجعيات الدينية والقيمية وفق ما يعرف بفقه الضرورة الذي اعتادت جماعة النظام البائد أن تبتلع به كل الاحترازات الفقهية وحتى المعلوم من الدين بالضرورة.

اجتماع القيادة الأخير
في التاسع والعشرين من رمضان تجمع المئات من الشباب وذوي الشهداء بغرض الافطار في القيادة العامة للجيش لاحياء ذكرى شهداء فض الاعتصام لكنهم تفاجأوا باطلاق نيران ادت لاستشهاد شابين واصابة آخرين وهو ما احدث سبباً حرجاً لقيادة الجيش العليا والمكون العسكري بالمجلس السيادي إذ أنهم في الوقت الذي اعلنوا وقوفهم مع الفترة الانتقالية وحمايتها حتى العبور النهائي لتحقيق التحول الديمقراطي يجيء الحادث ليضعهم في موقف حرج كان لا بد أن يحاولوا اصلاح الصورة المهتزة بإعلان تبرؤهم من الحدث بالقيام بالتحقيق وتسليم عدد من الجنود المتهمين لنيابة المدنية بينما لم يتم اعلان تسليم أي من الضباط حتى الآن ربما بسبب حالة من الاحتقان المكتوم بحسب بعض المصادر بين الضباط ازاء تسليم عدد من الجنود وربما الضباط لاحقاً للمنظومة العدلية المدنية بدلاً من العسكرية كما ينادي بعضهم , وتقول المصادر أن بعض الضباط يرون أن المتهمين العسكريين كان ينبغي أن تتم محاكمتهم عسكرياً باعتبار أن الجنود كانوا في اطار مهمة عسكرية ولم يحدثوا جرماً ذات طابع شخصي حتى يحاكموا في المحاكم المدنية بعد رفع الحصانة عنهم وفقاً للقانون العسكري والجنائي .

وتقول المصادر إن الاجتماع قصد به تهدئة الخواطر ووضع النقاط على الحروف بشرح مسببات قرار تسليم العسكريين باعتبار أن الجيش الآن بات جزءاً أصيلاً وشريكاً في الحكم مع المنظومة المدنية والتي تحكمها الوثيقة الدستورية الواجبة التنفيذ والقاضية بتحقيق العدالة بعيداً عن انتماءات قبلية أو سياسية أو منظومات عسكرية فالقانون وفق الحكم المدني الذي توافقت عليه كل القوى بما فيها المكون العسكري ينبغي أن يسود ولا يعلو عليه، فضلاً على قيام القوات المسلحة بحراسة مبنى القيادة في التاسع والعشرين من رمضان الماضي رغم انه واجب عسكري لكنه كذلك لم يكن يمثل حالة معركة عسكرية مع قوى مسلحة تتطلب استخدام الآلة العسكرية المتمثلة في الرصاص الحي تجاه الشباب المصطفين سلمياً وهو ما يجعل اطلاق الرصاص يدخل في باب القصد الجنائي الذي ينبغي أن تتم محاكمته في المحاكم المدنية وليس العسكرية كما هو متبع.

ويقول مراقبون إن غرف صناعة المؤامرة للنظام البائد عزفت على هذا الوتر الحساس عبر الوسائط التواصل الاجتماعي بغرض احداث فتنة داخل القوات المسلحة واستعداء المنظومة ضد قادتها الذي يمثله الفريق أول عبد الفتاح البرهان والمكون العسكري ، ويشير المراقبون أن احداث التاسع عشر من رمضان الأخيرة أكدت أهمية اجراء الهيكلة في المنظومة الأمنية قاطبة وهو ما أشار إليه مؤخراً رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في مؤتمر باريس لدعم التحول الديمقراطي الذي انعقد مؤخراً في العاصمة الفرنسية وبدعم دولي كبير أكد أن الولايات المتحدة ودول الغرب عازمون على حماية التحول الديمقراطي الذي يشارك فيه المدنيون والعسكريون عبر شراكة لم تخل من التقاطعات العديدة لكنها الآن باتت تسير في الاتجاه الصحيح وفق الأجواء الداخلية والطقس الدولي .

المصدر: الانتباهة أون لاين


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.