ماذا تعرف عن أسواق الجيش في السودان؟

برزت أسواق المؤسسة التعاونية التابعة للجيش السوداني، بنحو لافت خلال الأشهر الأخيرة، وهي تحاول تقديم سلع مهمة بأسعار مخفضة مقارنة بالسوق العام، وسط إقبال كبير من آلاف المواطنين، مع حالة من الجدل حول إقحام المؤسسة العسكرية نفسها في المشاريع المدنية.

وبدا أن للمؤسسة خطة طموحا، لإنشاء أسواق كبيرة في العاصمة الخرطوم والأقاليم، ابتدرتها بإنشاء هذا السوق الضخم بمنطقة الصافية، شمالي الخرطوم بحري، حيث تباع فيه منتجات الشركات العسكرية العاملة في التصنيع وسلع شركات أخرى متعاقدة معها بتخفيض يصل إلى 35% من أسعار هذه المنتجات بالأسواق.

ورغم أن سوق المؤسسة العسكرية بالخرطوم بحري يقع في منطقة بعيدة نسبيا عن الأحياء الطرفية بالعاصمة لكن مرتاديه يوميا يصل إلى الآلاف بالنظر إلى فارق السعر بينه والأسواق العادية حيث يعمد غالب رواده لشراء احتياجات تكفي لأكثر من أسبوع بينما البعض يحرص على شراء مستلزمات كامل الشهر.

وتأسف زهرة مصطفى (ربة منزل تقطن الجريف شرق وهي منطقة بعيدة نسبيا عن السوق) على عدم التمكن من إقامته في مكان قريب لموقع سكنها وآلاف المحتاجين لخدماته مما يجعلها غير مستفيدة منه بشكل متواصل.

وتقول للجزيرة نت “إذا أريد لهذا السوق النجاح فيجب أن تفتح نوافذ بيع صغيرة بالأحياء الشعبية، لأنهم الأكثر تضررًا من سياسات الحكومة” في إشارة إلى الإصلاحات الاقتصادية التي تُنفذها الحكومة، اضطرت معها إلى رفع الدعم عن الوقود والكهرباء والخبز، مما أدى إلى رفع معدلات التضخم بصورة قياسية.

لكن أحمد خالد -الذي أتى ليتسوق بالمؤسسة مع أسرته- لا يوافق زهرة الرأي. وقال للجزيرة نت إن التجربة جيدة بالنظر الى أسعار السلع المعقولة، كما أنها أنهت تدخل الوسطاء بين المنتج والمستهلك.

هذا وقد أعلنت وزارة التجارة والتموين عزمها تنفيذ حملات للرقابة على الأسواق وضبط الأسعار في يوليو/تموز المقبل، في محاولة منها لإنهاء التضارب الواسع في أسعار السلع في أسواق البلاد.

وأشارت الوزارة إلى أن الحملات تهدف إلى معرفة تكاليف الإنتاج، وتحديد أرباح تتراوح بين 5 و15%.

وقال الوزير علي جدو آدم، في تصريحات نشرت السبت، إن الحملات المرتقبة تستند إلى قوانين تنظيم التجارة وحماية المستهلك والمنافسة ومنع الاحتكار، وتمنح الدولة حق التدخل في حالات عدم ضبط الأسعار.

جدل استثمارات الجيش

ويملك الجيش شركات عديدة تنتج سلعا غذائية واستهلاكية وملبوسات، وهو أمر لا يزال مثار جدل حيث ضغطت جهات بالحكومة والائتلاف الحاكم لأشهر في اتجاه تسليم هذه الشركات إلى الحكومة المدنية، قبل أن تقبل الأخيرة بأن تشارك في إدارة هذه المؤسسات حاليا، على أن يتم تحويلها لاحقًا لشركات مساهمة عامة.

وتركز فكرة سوق المؤسسة التعاونية للبيع المخفض على بيع منتجات شركات الجيش مثل الألبان والدواجن واللحوم والأحذية والملابس والأدوات الكهربائية، إضافة إلى السلع التي تنتجها الشركات التجارية مثل المواد الغذائية إلى المواطنين بسعر التكلفة فقط.

يقول مدير سوق المؤسسة التعاونية العميد معاش عبد المعين حسن إن المؤسسة تمنح مواقع داخل السوق للشركات مجانًا ودون فرض أي رسوم، إضافة إلى توفير التأمين والنظافة، مقابل بيع سلعها بسعر المصنع.

وتوجد في السوق نحو 20 شركة ومصنعا، لكن عبد المعين كشف عن تقديم أكثر من 30 شركة أخرى طلبات لتنضم إلى السوق الذي يرتاده قرابة 50 ألف مواطن يوميًا وفقًا لحديثه.

ويعتقد عبد المعين -في حديثه للجزيرة نت- أن تجربة السوق حققت نجاحا كبيرا إلى درجة قيام المحلات التجارية القريبة منهم بخفض أسعار لتتواكب مع أسعار سوق المؤسسة التعاونية العسكرية.

تجربة مختلفة

المؤكد أن تجربة الجيش في البيع المخفض لم تكن الأولى من نوعها، حيث سبقتها تجارب عديدة من بينها برنامج “سلعتي” الذي تنفذه شركة مملوكة لوزارة التجارة بالتعاون مع مؤسسات حكومية أخرى، وتشتري هذه الشركة منتجات غذائية واستهلاكية من المصانع وتقوم بتوزيعها إلى الجمعيات التعاونية بالعاصمة وبعض الولايات بسعر التكلفة.

وهناك أيضا تجربة بعض لجان المقاومة في الأحياء حيث يجمعون مبالغ نقدية من الأسر لشراء بضائع من المصانع بأسعار مخفضة لصالح هذه الأسر.

ويرى العميد عبد المعين اختلافا بين تجربة سوق العسكر المؤسسة والتجارب الأخرى، حيث تبيع المؤسسة التعاونية العسكرية سلعا كثيرة تشمل الأحذية والأدوات الكهربائية في حين تقتصر الأسواق الأخرى على سلع غذائية محددة.

وردا على ما يقال إن السوق التعاوني يمثل تدخلا من الجيش في الشأن العام، يقول هذا المسؤول “نحن كمؤسسة تعاونية نوايانا خدمة المواطنين”.

ويضيف “ربما رؤية قيادة الجيش تحسين الصورة أمام الهجوم المتواصل عليه، لكن على كل حال الأهداف السياسية لسنا طرفا فيها” قبل أن يشير إلى ضرورة تعميمها في جميع الولايات لفائدتها المباشرة على المستهلكين.

وأعلن عبد المعين عن توسيع المؤسسة التعاونية لأسواق البيع المخفض، حيث إنها بصدد فتح 3 أسواق في الخرطوم وأم درمان خلال الأشهر القليلة المقبلة. وقال إن الخطة تشمل تعميم التجربة بالولايات أيضًا ابتداء من العام المقبل.

ومن جانبه يرى الباحث الاقتصادي هيثم فتحي أن تجربة البيع المخفض أثبتت عدم جدواها في تخفيف العبء على المواطنين، خاصة وأنها جُربت كثيرًا، لأن الدولة لا تمنحها ميزات تفضيلية في استيراد السلع.

ودعا -في حديثه للجزيرة.نت- إلى تركيز الدولة على مشروع “سلعتي” شريطة إجراء دراسة متأنية تضمن وصول السلع إلى المواطن دون وسطاء.

ويعاني السودان من أزمة اقتصادية حادة، وترتكز رؤية الحكومة في حلها على استقطاب رؤوس الأموال للاستثمار، وإعفاء الديون الخارجية التي تبلغ أكثر من 60 مليار دولار، وفي سبيل ذلك تُنفَذ سياسة إصلاح اقتصادي قاسٍ على حياة السُّكان بمراقبة مباشرة من صندوق النقد الدولي.

ويتوقع أن يصل السودان إلى نقطة القرار التي تؤهله لدخول مبادرة إعفاء الدول المثقلة بالديون “الهيبك” في يونيو/حزيران المقبل، بما يمكن الحكومة من الحصول على إعفاء 80% من ديونها على الدول الأخرى.

المصدر : الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.