الجيش والدعم السريع.. ما الذي يدور داخل الغرف المغلقة؟

يبدو أن الكثير من المياه تجري تحت جسر العلاقات بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، تضغط في اتجاه دمجها، الأمر الذي استدعى قائدها الفريق أولمحمد حمدان (حميدتي) لإخراج الهواء الساخن مؤكداً على أن قواته، تم إنشاؤها وفق قانون مجاز من قبل البرلمان، مايعني أنها قائمة بذاتها يدمج إليها ولا تندمج إلى أية قوة أخرى. ليطرح السؤال نفسه حول حقيقة ما يحدث ومن الذي يصر على ضرورة دمج قوات الدعم السريع لتقنين وضعيتها رغم ما نصت عليه الوثيقة الدستورية، وهو ما أقرته القوات المسلحة نفسها من خلال تصريحات رئيس هيئة الأركان المشتركة؟ من الذي يخطط لإبعاد حميدتي وإضعاف العلاقة بينه والقوات المسلحة؟ هل استجاب الجيش لضغوط البعض، وهو ما فهمهحميدتي فخرج مدافعاً عن قواته؟ ما الذي دار في اجتماع الخميس ٣ يونيو المغلق بين البرهان وحميدتي ولماذا غادر حميدتي مغاضباً؟ لماذا طلب البرهان من حميدتي دمج قواته وبماذا أجاب؟
جدل الشرعية:
ظلت قوات الدعم السريع ومنذ إنشائها في أغسطس عام ٢٠١٣ مثار جدل الكثير من القوى السياسية والأمنية والمجتمعية، حول شرعيتها وصلاحياتها، وقد انتاشتها سهام النقد بشأن تكوينها، حيث تم تكوينها من مليشيات الجنجويد من قبل الرئيس المعزول عمر البشير لدحر التمرد في دارفور، وعندما اتسعت دائرة الجدل حول تبعيتها تم تشريع قانون خاص بها كقوات تخضع للقائد العام للقوات المسلحة، وتمت إجازته بواسطة البرلمان.

عند اندلاع ثورة ديسمبر دخلت قوات الدعم السريع لأول مرة الخرطوم، ما أثار الرعب وسط السكان وقتها، وذلك للولاء المعروف من قبل حميدتي تجاه البشير، لكن خابت الظنون وساندت القوات الثورة، لتكسب بذلك أسهماً كبيرة في أوساط الشارع السوداني، لكن لم تلبث قليلاً حتى وقعت حادثة فض الاعتصام التي أرجعتها إلى المربع الأول، وتعالت الأصوات منذ ذلك الحين بضرورة دمجها وتسريح المتبقي منها، شأنها شأن بقية الحركات المسلحة.

قوانين لعبة السياسة:
تعتبر القوى السياسية الحاكمة هي الأكثر طرقاً على ضرورة تسريح الدعم السريع وإخراجها من العاصمة، سيما عقب مجزرة فض الاعتصام، الذي أسهم كثيراً في توتر العلاقة بين هذه القوى وقوات الدعم السريع، ولكن قوانين لعبة السياسة ومعادلاتها المختلفة جعلت قائد هذه القوات شريكاً لهم في الفترة الانتقالية. ولأن حميدتي يعلم ما تعتمله الانفس تجاه قواته، فكان أكثر حرصاً وهو يقود مفاوضات جوبا مع الحركات المسلحة أن ينص بند الترتيبات الأمنية لسلام جوبا، على دمج قوات الحركات الموقعة على سلام جوبا داخل القوات المسلحة والشرطة والدعم السريع وجهاز المخابرات، ما يؤكد على أنها قوة نظامية كغيرها من قوات المنظومة الأمنية في البلاد، ويقطع بذلك الطريق أمام الأصوات التي تتعالى بدمج قواته. ولكن أكثر مايثير التساؤل هو خروج حميدتي في هذا التوقيت ليؤكد على ما هو مؤكد ومثبت وفق الوثيقة الدستورية!! وبالنظر إلى المشهد ككل يتبين أن حميدتي تحسس خطراً جعله يطلق تصريحاته بعدم موافقته على دمج قواته.

وبحسب مصادر عليمة لـ(الانتباهة)، فإن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان استدعى نائبه لاجتماع طارئ يوم الخميس الماضي الذي وافق ذكرى فض الاعتصام وأخطره بضرورة دمج قواته، أسوة ببقية الحركات المسلحة، الأمر الذي أغضب حميدتي وجعله يرفض طلب البرهان.

اعتراف:
على الرغم من اعتراف القوات المسلحة بشرعية قوات الدعم السريع، حيث دافع رئيس أركان القوات المسلحة الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين، بشأن دمج قوات الدعم السريع  في الجيش، مؤكداً في حوار مع الإعلامي عمار شيلا بثته قناة النيل الأزرق، أن قوات الدعم السريع تم إنشاؤها وفق قانون مجاز من قبل البرلمان.

وأوضح الحسين أن الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية قننت وجود قوات الدعم السريع، منوهاً إلى أن بند الترتيبات الأمنية لسلام جوبا نص على دمج قوات الحركات الموقعة داخل القوات المسلحة والشرطة والدعم السريع وجهاز المخابرات بما يؤكد أنها قوة نظامية كغيرها من قوات المنظومة الأمنية بالبلاد، الا انه وبحسب مصادر لـ(الانتباهة) فإن انقساماً داخل القوات المسلحة بشأن وضعية قوات الدعم السريع وتقنينها، جعل الرؤية تنقسم حول دمج القوات من قبل البعض والإبقاء على وضعيتها من قبل البعض الآخر، فيما يتخوف آخرون من حدوث اشتباكات يدفع ثمنها المواطن، وهو مادفع رئيس هيئة الأركان المشتركة للخروج والتأكيد على شرعيتها كغيرها من قوات المنظومة الأمنية بالبلاد.

وفيما يرى مراقبون أن بعض الحركات المسلحة تضغط في اتجاه دمج قوات الدعم على اعتبارها مليشيات مثيلة لقواتهم، يرى بالمقابل المحلل السياسي وهبي السيد أن المفاوضات مع الحلو لعبت دوراً في توتر العلاقات بين الجيش والدعم السريع.

بند تفاوضي:
ويذهب السيد في حديثه لـ(الانتباهة) إلى أن تصريحات حميدتي تؤكد على أنه تم الطلب منه دمج قواته، فأعلن رده على الهواء الطلق كرسالة لطارحي الطلب.

وتوقع السيد في حديثه أن توت قلواك في زيارته للخرطوم أثناء التفاوض، ربما حمل معه بند الحلو التفاوضي في دمج قواته كغيرها من القوات الأخرى، وذهابه إلى حميدتي في مقره ليطلعه على سير التفاوض يؤكد على ذلك.

وقال:  الايام القادمة ستكشف عن اتجاه بوصلة الأحداث، وما دار ويدور داخل غرف الاجتماعات المغلقة، سيما عقب تكوين لجنة لمراجعة اختلالات مسار اتفاقية جوبا برئاسة عضو مجلس السيادة الفريق ركن ياسر العطا.

وتم تكوين لجنة لمراجعة اختلالات مسار اتفاقية جوبا برئاسة عضو مجلس السيادة الفريق الركن ياسر العطا، وقد عقدت اجتماعها أمس الأول، بحضور وزير الداخلية الفريق أول شرطة عز الدين الشيخ ونائب رئيس هيئة الأركان عمليات، الفريق الركن مهندس خالد عابدين الشامي وآخرين.

توضيح الحقيقة:
تصريحات حميدتي بأنه من قاد التغيير، ثم أعقبها بعدم دمج قواته، دفعت كثيرين إلى النظر إليه بعين المشفق، وعدوها محاولة لكسب الشارع واستدرار عاطفته بالإضافة إلى كونها كسب سياسي، عقب ظهور فيديوهات لفض الاعتصام تُظهر شقيقه عبد الرحيم.

لكن وبحسب المحلل السياسي نصر الدين بابكر فإن حميدتي لا يسعى إلى أي كسب سياسي،مؤكداً أن حميدتي أراد إرسال رسائل عقب طلب البعض بضرورة دمج قواته فأوضح وكشف عن تفاصيل الاتفاق الذي قاده في جوبا وهي عملية أشبه بالمكاشفة وتوضيح الحقائق الغائبة.
وقال نصر الدين لـ( الانتباهة) ليس هناك أي مجال للكسب السياسي، في حديث النائب الأول وتابع: مع قرب موعد الترتيبات الأمنية أراد حميدتي القول إن قواته تدمج إليها القوات ولكنها لا يمكن أن تندمج إلى أي قوة أخرى.

المصدر: الانتباهة أون لاين


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.